باريس- “القدس العربي”:
بعد أكثر من عشرين عاما من العمل في الولايات المتحدة، تولت الباحثة وعالمة المناعة الفرنسية- الجزائرية- الأمريكية المشهورة عالميا، ياسمين بلقايد، رسمياً منصبها كمديرة عامة للمعهد العريق المتخصص في دراسة علم الأحياء والميكروبات والأمراض واللقاحات (باستور)، خلفا للبروفيسور ستيوارت كول.
صحيفة “لوموند” الفرنسية قالت إن كل الجامعات الأمريكية كانت ستمنح ياسمين جسراً ذهبياً. ولا يخفي أنتوني فاوتشي، رئيسها لمدة 17 عاما في المعاهد الوطنية للصحة، مشاعره المختلطة، حيث يقول: “بمزيج من الحزن والإثارة الإيجابية، نحن، هنا في الولايات المتحدة وفي المعاهد الوطنية للصحة، نودع ياسمين بلقايد. نشعر بالحزن لأننا نفقد واحدة من أكثر علمائنا المحبوبين والمقدرين، وهي نجمة علمية وقائدة صاحبة رؤية، ولكننا متحمسون بطريقة إيجابية لأننا نعلم أنها ستكون مديرة معهد باستور، أحد أبرز مراكز أبحاث الطب الحيوي والمؤسسات في العالم”.
لوموند: عودة ياسمين بلقايد إلى فرنسا تعني نسيان وطنها الثالث، أو بالأحرى الأول، وهو الجزائر، حيث ولدت هناك في أغسطس 1968
واعتبرت الصحيفة أن الحديث عن “عودة ياسمين بلقايد إلى فرنسا تعني نسيان وطنها الثالث، أو بالأحرى الأول، وهو الجزائر، حيث ولدت في أغسطس 1968، وكان والدها رجلا عصاميا خالصا، ارتقى في الرتب الإدارية ليصبح موظفا حكوميا كبيرا، ثم وزيرا. أما والدتها فهي فرنسية، أستاذة في الكلاسيكيات.
تضيف ياسمين إلى هذا الكوكتيل، شغفا شخصيا للغاية هو العلم، والذي اكتشفته أثناء إجازتها في فرنسا مع جدتها الصيدلانية. وتتذكر قائلة: “كان لديها مختبر خلف الصيدلية، وكانت ألعابي الأولى عبارة عن أشياء علمية على المقعد الأبيض. أخذتني إلى الجبال، وأرتني النباتات، وكيف يمكن تحويلها إلى علاجات. عندما كنت في السادسة من عمري، أعلنت أنني أريد أن أصبح باحثة”، تنقل عنها “لوموند”.
أما الباقي فهو كلاسيكي تقريبا، حيث حصلت على تعليم رائع قادها إلى علم الأحياء في جامعة هواري بومدين بالجزائر العاصمة. ثم تبعت خطى والدها. وتقول: “كانت نيتي البقاء في الجزائر. أحببت بلدي. لكن الحرب جاءت. وبسبب الصراع بين الجيش والجماعات الإسلامية، أرسلنا والدي إلى فرنسا مع أمي وأخي وأختي. كان يعتقد أننا في خطر”. وفي 28 سبتمبر 1995، قُتل أبو بكر بلقايد بالرصاص وسط الجزائر العاصمة.
بالنسبة لياسمين بلقايد، أصبح العلم ملجأ لها. وإذا كان التكيف مع فرنسا، ومناخها، وجمود نظامها، والطريقة التي يُنظر بها إلى الأجانب أمراً صعباً، فإن معهد باستور، حيث أجرت أطروحتها في علم المناعة، أصبح ملجأها.
ومنذ أطروحتها، ركزت على الأنسجة البيولوجية، وتنوعها، وقدرتها على تغيير مسار العدوى. أدى هذا العمل بعد بضع سنوات إلى أول اكتشاف كبير لها: آلية تقوم مسببات الأمراض من خلالها بتجنيد بروتين مضاد للالتهابات من مضيفها، إنترلوكين 10، لتحييد جهاز المناعة.
بعد أطروحتها عام 1996، لم تقدم لها فرنسا ”آفاقا واضحة” فتوجهت الأم الشابة المطلّقة إلى بيثيسدا بولاية ماريلاند الأمريكية مع حقيبتين، وطفل صغير يتحدث الإنجليزية بشكل متوسط. استغرق الأمر عدة سنوات قبل فتح مختبرها الخاص، أولا في سينسيناتي، ثم في المعاهد الوطنية للصحة، حيث عادت من الباب الأمامي في عام 2005.
حصدت ياسمين عددا كبيرا من الجوائز بسبب اكتشافاتها العلمية، وجعلت منها “نجمة في هذا المجال”
وقد أخذ الأمر منعطفا كبيرا من خلال استهداف مجتمع الكائنات الحية الدقيقة (البكتيريا والفيروسات والفطريات وما إلى ذلك) التي نستضيفها على بشرتنا وفي جهازنا الهضمي. ويسلط فريق ياسمين متعدد التخصصات والمكون من الأطباء وعلماء الأحياء والكيمياء الحيوية والفيزياء وعلماء الأعصاب، الضوء على دور الكائنات الحية الدقيقة في الاستجابة المناعية للعدوى وفي فعالية اللقاحات. وأيضا في عمليات إصلاح الأنسجة.
ويظهر الفريق أيضا التأثير طويل المدى الذي يمكن أن تحدثه العدوى الأولى على العمليات الالتهابية المستقبلية، وتأثير عدوى الأم على مناعة الطفل مستقبلا، أو دور النظام الغذائي، وخاصة بعض الفيتامينات، في تحفيز مجموعات الخلايا الليمفاوية التي تفرض تحمل الطعام. وهي سلسلة من الاكتشافات أدت إلى حصد ياسمين عددا كبيرا من الجوائز، جعلت منها “نجمة في هذا المجال” كما تقول “لوموند”.
ولا عجب إذن أن نراها تعرض فكرة طموحة عن ولايتها على رأس معهد باستور التي تمتد لستة أعوام. فقالت: “أعطوا هذا البيت الرائع الوسائل المالية للبقاء في القمة”. وتعد بالاعتماد أكثر من اليوم على الشبكة الاستثنائية المكونة من 33 معهدا، موجودة في 25 دولة، والتي نسجتها المؤسسة على مر السنين. حتى أنها تحلم بإعادة فتح فرع في الصين، بعد أقل من عام من إغلاق فرع شنغهاي، في أعقاب خلاف خطير حول الإدارة.