«لو كان فلاديمير بوتين امرأة لما حصل هذا الاجتياح العسكري المجنون المشوب بالعدوانية الذكورية والعنف». هذا ما قاله رئيس الوزراء البريطاني، الذي استقال مؤخرا بوريس جونسون في ربط، ليس جديدا، بين افتتان بوتين بإبراز قوته الذكورية، وحروبه الخارجية.
أدلى وزير الدفاع البريطاني بن والاس، أيضا بدلوه في «تحليل» شخصية بوتين، فاتحا، من حيث لا يدري، ربما، مستوى جديدا لطرح قضايا الذكورة والأنوثة في السياسة العالمية، فتحدث عن كون الرئيس الروسي يعاني من «عقدة الرجل الصغير» (المعروفة تاريخيا بعقدة نابليون) وسخر من ماريا زاخاروفا الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، التي قال إنها تقوم أيضا بدورها الكوميدي عبر الظهور كل أسبوع للتهديد بقصف الجميع بالصواريخ النووية، معقبا: «إنها بالتأكيد امرأة وهي لا تقل جنونا عن بوتين»!
تعقيبات وزير الدفاع البريطاني (وهي وزارة ذكورية بامتياز) تقول إن العدوانية الذكورية لدى بوتين محاولة للتعويض عن شعور بالضعف، أما الإشارة إلى زاخاروفا فيمكن أن تقرأ على أن العدوانية الذكورية (والصواريخ النووية قد تكون مثالها الفرويدي الأمثل) موجودة لدى نساء الكرملين ورجاله معا، وأن المشكلة هي في النظام وليس في الشخص!
استعراض بوتين ذكوريته أمر مفروغ منه، إحدى صوره الشهيرة تظهره عاري الصدر يمتطي حصانا، وهناك صور له وهو خلف مقود سفينة أو طائرة حربية، أو يسبح في مياه باردة، أو يلعب رياضة الجودو. هناك توثيق أيضا لهذا المنزع لديه، ومن ضمنه، إطلاق تصريحات فجة كترداده سطورا من أغنية للقول إن أوكرانيا امرأة مغتصبة لا يحق لها التفاوض، أو بصدور قوانين خلال حقبته قوانين تناهض النساء (كما هو الحال في عدم اعتبار عنف الرجال المنزلي ضد النساء جريمة) أو باعتقال سلطاته وسجن فرقة «بوسي ريوت» النسائية.
اغتصب عشر نساء… كلنا نحسده!
لا يتعلّق الأمر، حسب فاليري سبيرلنغ، في كتابها «جنس، سياسة وبوتين» باستعراضات ذات طابع شخصي، بل باستراتيجية لاكتساب شرعيّة سياسية، فبعد تراجع الوضع الاقتصادي في روسيا، وتصاعد العقوبات ضد نظامه، تعزز استخدام بوتين للصورة الذكورية العدوانية، عبر القيام بمغامرات عسكرية وقمع واغتيالات للخصوم، من جهة، وفي استخدام مفاهيم الجندر ضمن السياسة، من جهة أخرى. ذكرت وسائل إعلام عام 2006 أن بوتين عقّب على محاكمة الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف خلال لقاء مع إيهود باراك رئيس الوزراء حينها، بالقول «لقد اغتصب عشر نساء ـ لم أكن أتوقع ذلك منه. لقد فاجأنا جميعا ـ كلنا نحسده!». اغتصاب النساء، يتم سحبه على الخصوم السياسيين، الذين يتم تأنيثهم عبر تهديدهم بالإخصاء واتهامهم بالمثلية الجنسية. استعادة قوة روسيا، ضمن هذا السياق، هي استعادة لذكورية مفتقدة أدى تراجعها أمام الغرب إلى تأنيث روسيا و«استغلال ضعفها». ضمن منظومة المفاهيم هذه، لا يبدو ردّ بوتين على جونسون عبر تذكيره بحرب مارغريت ثاتشر على جزر الفوكلاند، إشارة إلى كفاءة الإناث على شنّ الحروب، بقدر ما هو إعلان عن الانزعاج الخفيّ من هذه المقارنة، وينكشف هذا بوضوح في ردود جهاز الدبلوماسية الروسية على التصريحات.
عقّب بوتين على محاكمة الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف بالقول «لقد اغتصب عشر نساء – لم أكن أتوقع ذلك منه . لقد فاجأنا جميعا – كلنا نحسده!».
من الطريف، مثلا، استدعاء الخارجية الروسية للسفيرة البريطانية لديها، بسبب التصريحات، واستخدامها تعابير يمكن تأويلها جنسيا، عبر إبلاغها أن الخارجية تعارض «بصلابة» التصريحات «الضعيفة» للمسؤولين البريطانيين حول روسيا وقائدها! أما الناطق باسم بوتين، فتعامل مع الأمر بسخرية، قائلا إن «العجوز فرويد (عالم التحليل النفساني النمساوي) كان يحلم ربما خلال حياته بدراسة مثل هذه النوعية من الأشخاص» والمقصود طبعا هو جونسون وبعض وزرائه الذين أدلوا بدلوهم أيضا في مجال تحليل نفسية بوتين.
تخصص الذكور بالنزاع المسلّح
يقدّم كتاب الأنثروبولوجي الأمريكي مارفن هاريس، «محرّمات ومقدسات وحروب: ألغاز الثقافة» آفاقا فذة لمناقشة مسألة علاقة الحروب بقضايا الذكورة والأنوثة. تعتبر الإناث، بيولوجيا، أكثر قيمة من الذكور لأنهن قادرات على الولادة وتغذية الأطفال، كما أنهن قادرات جسديا وذهنيا على أداء المهمات الجسدية المتعلقة بالإنتاج والبقاء دون مساعدة من الرجال، غير أن الحرب، حسب هاريس، هي التي ترفع قيمة الذكور وتخفض من قيمة الإناث، وبسط جنس سيطرته يتم بناء على من «يتحكم بتكنولوجيا الدفاع والعدوان». تقدم قبائل اليانومامو، التي تعيش على حدود البرازيل مع فنزويلا، وهم شعب هائل الشراسة وكثير الحروب، مثالا بدائيا شديد الإضاءة على ارتباط ارتفاع نسبة خوض الحروب، مع ظاهرتي تصاعد العدوانية الذكورية وازدراء النساء.
إضافة إلى مظاهر فظيعة على التوحش في ما بين الذكور أنفسهم، يتوقع الأزواج من زوجاتهم خدمتهم وضيوفهم دون احتجاج، وإن لم تمتثل المرأة بسرعة كافية فيمكن أن يضربها زوجها، أو يضع عصا متوهجة على ذراعها، وإذا غضب كثيرا فربما يطلق عليها سهما حادا أو يقذفها بفأس أو منجل فيجرحها أو يقتلها. لا تتوقع النساء الهاربات حماية من أقاربهن الذكور لأن معظم الزيجات هي تعاقدات بين رجال يتبادلون الأخوات، ويصرخ الآباء فرحين عندما يوجه ابنهم الصغير الغاضب ضربات لأخواته البنات. يتوقع النساء التعرض للضرب ويجدن صعوبة تخيل عالم يكون فيه الأزواج أقل همجية. يقترح هاريس أن هدف هذه العدوانية الوحشية المستمرة، هو الحفاظ على كمية السعرات الحرارية الغذائية للأفراد (المتبقين بعد الحروب). لقد شحّت الموارد، والبروتين خصوصا الذي ندر بعد أن أكلت القبائل حيوانات الغابة، ويفسّر هذا أسلوب حياة الحروب المستمرة والثقافة المعبرة عنه.
النساء، رغم كونهن العنصر المضطهد في المعادلة، جزء من هذه المنظومة، وهن يساهمن أيضا، بفاعلية، في الاستغلال الواقع عليهن، بما في ذلك المشاركة في قتل الأطفال الإناث، بشكل يجعل الذكور، رغم مقتل 20% منهم في المعارك، أكثر بكثير من الإناث! يعود التمييز الجنسي وهيمنة الرجال على النساء بجذورهما إذن إلى الحقب التي كانت فيها التقنية الحربية من الأسلحة البدائية، والحرب أداة للتحكم بعدد السكان. لكن هل اختلف الأمر كثيرا اليوم؟
يبدو لي، على ضوء اقتراحات هاريس، أن غزو بوتين لأوكرانيا، ليس غير تنويع على قضية الصراع على الموارد، وهو تأكيد جديد للهيمنة الذكورية على صناعة الحرب، وكذلك تأكيد على أن النساء، ضحايا لتلك المنظومات الحربية ـ الاجتماعية، وجزءا منها في الوقت نفسه.
أظهرت حرب أوكرانيا، بشكل جليّ، مسألة الصراع على الموارد، من الحبوب والنفط والغاز، والمفارقة الكبيرة، أن معارك «قذرة» كبيرة تنتظر البشرية مع اشتداد الحاجة للمعادن النادرة التي تحتاجها الصناعات «النظيفة» كالسيارات الكهربائية والألواح ومولدات طاقة الرياح، التي تتركز كميات كبيرة منها، بالمناسبة، في الصين، أحد الأنظمة الأكثر استبدادية وحداثة. لم يقلل تطوّر المجتمعات البشرية من الحروب والنزاعات المسلّحة، بل جعلها خطرا يمكن أن يهدد البشرية بأكملها، وما دام ليس هناك أفق لتراجعها، فيبدو أنه لا أفق أيضا لتراجع هيمنة المنظومات الاجتماعية ـ العسكرية – الذكورية على السياسة العالمية.
كاتب من أسرة «القدس العربي»
«لو كان فلاديمير بوتين امرأة لما حصل هذا الاجتياح العسكري المجنون المشوب بالعدوانية الذكورية والعنف». هذا ما قاله رئيس الوزراء البريطاني، ” إهـ
هل نسى جونسون هذا رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر التي قادت حرب الفوكلاند على الأرجنتين ؟
ألم يصفوها يالمرأة الحديدية ؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
الاخ الكريم الكروي ،
الفكرة الاساسية في المقال ليست بهذه البساطة
لا أجد أي داعي للزج بطبيعة الذكورة والأنوثة في الحرب الأوكرانية ، بوريس جونسون ذكرها لأنه لم طيجد ما يشفي به غليله ويسبر غيظه من بوتين إلا هذا التعليق السخيف ، فهو ينطبق عليه المثل : مثل الذي لم يجد في التفاح عيب غير وصفه التفاح أحمر الخدين!!!