بعد طي صفحة جمال بلماضي مع المنتخب الجزائري أسدل الستار في الجزائر على مسلسل دام طويلا، أثار انقساما في الأوساط الجماهيرية المتعاطفة مع المدرب، وتلك الغاضبة من الخروج المبكر في الدور الأول من نهائيات كأس أمم إفريقيا بكوت ديفوار التي تسببت في رحيل أربعة مدربين آخرين لمنتخبات كوت ديفوار وتونس وغانا وغامبيا، بينما رحل بلماضي بدون أن يستقيل، أو يقال، وبدون أن يرحل بالتراضي مثل طاقمه الفني الذي وافق على فسخ العقد مقابل تلقي تعويض راتب شهرين، في حين رفض بلماضي تعويض ثلاثة أشهر، ليجد نفسه في وضع حرج لم يكن يتمناه أحد لمدرب نجح وفشل على مدى خمس سنوات، لقي فيها دعما رسميا وجماهيريا لم يسبق له مثيل في تاريخ الكرة الجزائرية، كان فيها صاحب سابع أعلى راتب لمدربي المنتخبات في العالم.
الرحيل الذي كان منتظرا فسح المجال أمام التعليقات والتأويلات وردود الفعل التي انقسمت أيضا بين مؤيد يعتقد أن الرجل لم يعد بمقدوره الاستمرار، ومعارض لرحيله لمجرد أنه توج بكأس إفريقيا 2019، وبين متحفظ على الطريقة التي تم بها الانفصال من خلال بيان يحمل بلماضي مسؤولية الاخفاق والانسداد الذي كان يمكن تجنبه مرات عديدة في مشواره التدريبي لو رحل بعد اخفاقين سابقين، أو أعلن استقالته مباشرة بعد الاخفاق الثالث، ويخرج من الباب الواسع بكل التقدير والاحترام في الأوساط الرسمية والجماهيرية والفنية والإعلامية التي ساندته في كل الظروف، وحتى في الأوساط التي انتقدت خياراته في عديد المناسبات، خاصة بعد الاخفاق في التأهل الى مونديال قطر، والخروج في الدور الأول من كأس أمم إفريقيا بالكاميرون وكوت ديفوار.
لا أحد في الجزائر وخارجها بامكانه نكران فضل جمال بلماضي الكبير في التتويج بكأس أمم إفريقيا 2019 في ظروف كان فيها المنتخب الجزائري في أسوأ أحواله، لكن لا أحد يعفيه من مسؤولية الاخفاقات الثلاثة المتتالية التي سجلها بعد ذلك، لذلك لو كنت مكانه لرحلت بعد الاخفاقين المتتاليين في دورة الكاميرون في شهر يناير/كانون الثاني 2022، وتصفيات كأس العالم بعدها بشهرين، تماشيا مع أحكام الكرة التي يخضع لها كل مدرب عندما يخفق، لكن جدد عقده، من دون أن يجدد من فلسفته وفكره خياراته الفنية، فاستمر في عناده، وبقي مصرا على الاعتماد على نفس التركيبة ونفس المنظومة، حتى وجد نفسه يشارك في كأس أمم افريقيا 2023 بـ15 لاعبا ممن شاركوا في دورة مصر 2019، ويلعب مباراته الأولى بسبعة لاعبين ممن كانوا أساسيين أنذاك.
لو كنت مكان جمال بلماضي لرحلت في بعد الاخفاق في التأهل إلى كأس العالم 2022 في مارس/أذار من نفس السنة، ليس تهربا من المسؤولية، لكن تجنبا لسيناريو كان متوقعا، ولو كان استمراره هو استجابة لرغبة للسلطات العمومية وجماهير عريضة تحبه وتحترمه لأحدثت تغييرات عميقة في تركيبة المنتخب خاصة مع بروز جيل جديد يقوده موندريا وأيت نوري وطوبة وشايبي وبوعناني وعمورة، ودعمت طاقمي الفني بأسماء جديدة، وغيرت من طريقة تعاملي مع الصحافيين، وتجنبت الدخول في متاهات الاصطفاف مع أي جهة في صراعاتها من أجل الظفر برئاسة الاتحاد الجزائري التي تغيرت ثلاث مرات في عهده، ولا حتى الاصطفاف مع أي طرف أو جهة كانت سببا في استغلاله والتأثير على مكانته.
وأخيرا لو كنت مكان جمال بلماضي لخضعت لأحكام الكرة وتحملت المسؤولية واعتذرت، ووافقت على مبدأ فك الارتباط بالتراضي وتفاوضت على الشروط مع رئيس الاتحاد بالشكل الذي يرضيني ويحافظ على الصورة التي صنعتها لنفسي بفضل المنتخب الجزائري، وتجنبت الدخول في متاهات الخصام والصدام مع بلدي الذي كرمني ومنحني مركزا وراتبا وسمعة ومحبة لا تقدر بثمن.
إعلامي جزائري