عمان ـ «القدس العربي»: ما فعله الكاتب الصحافي الأردني الدكتور حسين العموش أمس الأول وأثار تداولاً وضجة في عمان، بسيط ومباشر. العموش وهو صحافي معروف ومشتبك مع القضايا العامة، صرف أثناء سجال حاد على فضائية العربية عبارة واحدة في مواجهة ضيفين معه في الحوار يشككان في المقاومة الفلسطينية.
وفيما أحد ممثلي السلطة الفلسطينية وآخر متحدث باسم حركة فتح على الهواء المباشر يشككان ويلومان ويسخران من الرأي المناصر للمقاومة، كرر العموش أمام الكاميرا خمس مرات العبارة ذاتها التي صفق لها الشارع الأردني برمته وهو يقول «أي تشكيك بالمقاومة الآن، خيانة».
عملياً، كان مشهداً لافتاً للنظر ليس فقط بسبب الموقف العنيد والجريء الذي أظهره ناشط اجتماعي وإعلامي وكاتب صحافي يعرفه الجميع في عمان من المقربين جداً للدولة والناس معاً، ولكن بسبب حجم ومستوى تداوله وسط الأردنيين أفقياً وتحت عنوان يقول ضمناً إن ما قاله العموش لممثلي السلطة الفلسطينية المشككين بالمقاومة لا يمثل فقط قبيلته المهمة والأساسية في المعادلة الأردنية، قبيلة بني حسن المعروفة فحسب، بل يمثل أيضاً، بصيغة أفقية عابرة لكل الهويات الآن، مكونات المجتمع والشعب الأردني.
كانت تلك مشاركة صارخة أربكت حتى المذيعة والبرنامج ومعده في فضائية العربية؛ لأن ما لامسه العموش في النهاية -وهو بالمناسبة ليس محسوباً لا على الحراك الشعبي ولا على المعارضة ولا حتى على المناكفة- هو ما لامسه أيضاً خبراء عديدون بدأوا ينتقدون بشدة الرهان في الموقف السياسي لبلادهم فقط على الجهات التي تخاصم المقاومة وتعاديها.
حاضنة للمقاومة
لامس العموش ابن قبيلة بني حسن في تلك الحقيقة الواقعية التي يحاول السياسيون والمسؤولون الآن تجاهلها، وفكرتها أن الحاضنة الاجتماعية والعشائرية تحديداً للمقاومة الفلسطينية بعد جرائم الإبادة الإسرائيلية باتت أوسع وأكبر وأعمق بكثير مما يزعمه ويدعيه من يشككون في المقاومة أو يحاولون الاصطياد في مياهها. وإن ممثلي القوى المتزنة اجتماعياً في البنية الأردنية والحليفة تاريخياً للدولة ومؤسساتها، حنى هي لا يمكن الزعم الآن بأنها خارج تلك الحاضنة.
«اليرموك والجزيرة والعربية» في ليلة أردنية واحدة
التصفيق الأفقي اجتماعياً لعبارة الصحافي العموش التي حققت معدلات حضور قوي عبر منصات التواصل، يخدم ما يقوله سياسيون ليبراليون من الصنف الخبير أيضاً، مثل الدكتور مروان المعشر الذي كان للتو وليلة مداخلة العموش، يتحدث في ندوة استثنائية استضافها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية عن صعوبة تصديق مفارقة وضع البيض الرسمي الأردني كله أو جله في سلة جهة واحدة لم يعد يريدها الشعب الفلسطيني، والمقصود السلطة وهرمها الوظيفي.
يعني ذلك أن تعبيرات متقدمة حتى في بنية العشيرة الأردنية توصل رسائلها مجدداً، ويعني ذلك أيضاً أن رموز التيار الليبرالي الذي كان محسوباً على عملية سلام توفيت الآن، أصبح ينضم على نحو أو آخر إلى حاضنة اجتماعية وثقافية وسياسية أخرى تسأل علناً الدولة الأردنية عن خياراتها.
في الأثناء، تبرز مفارقة إضافية لا يمكن إسقاطها من الحساب؛ فالجنرال الأمني المتقاعد والمشهور بالمناسبة وصاحب الخبرة الشخصية في الاشتباك مع حالة تفاوضية ميدانية مع الإسرائيليين في الماضي، اللواء زهدي جانبيك، حضر بمشهد محلي مع رسالة توحي بأن طبقة الجنرالات أيضاً المتقاعدين لا تبدو مقاربتها الوطنية متسقة مع سياق المقاربة الرسمية الآن.
أعاد قادة في أحزاب المعارضة نشر ملاحظة بسيطة تبناها علناً الجنرال المتقاعد جانبيك، الذي يعرف الجميع أنه من أبرز وجوه مكونات اجتماعية خاصة أيضاً في المجتمع، وتعلقت تلك الملاحظة حصراً بالتعليق على واقعة مداهمة مقر فضائية اليرموك في عمان العاصمة لأسباب تتعلق برخصتها بالتزامن مع قرار إسرائيل بمداهمة مكاتب الجزيرة.
ملاحظة خبير
ملاحظة خبير أمني كبير ومتقاعد قاسية إلى حد ملموس، لكنه قال بكل بساطة إن هذا التزامن ما بين إجراء ضد قناة «الجزيرة» وآخر ضد اليرموك في عمان، مقلق ومرفوض حتى لو كان «صدفة».
جدل الفضائيات بهذا المعنى وخلال 3 أيام فقط، يظهر المقاربات المستجدة في عمق الشارع الأردني؛ فلا علاقة سياسية ولا فكرية ولا ثقافية ولا تنسيق ظرفياً زمنياً بين ما قاله المعشر علناً أو مداخلة العموش التي صفق لها الرأي العام، ولا الملاحظة الأمنية الذكية عن صدفة كان ينبغي أن لا تتسلل بتوقيع جنرال متقاعد وخبير من وزن جانبيك.
ليبراليون وجنرالات متقاعدون ووزراء سابقون وأبناء عشائر حليفة جداً للمؤسسة لا بل تمثل المؤسسة، يعبرون يوماً بعد الآخر في مواجهة الجريمة الإسرائيلية عن تلك المسافة ما بين رؤيتهم ورأيهم وموقف حكومتهم التنفيذي والإجرائي.
تلك ليست مصادفة يمكن التغافل عنها بتجاهل النصيحة التي قدمها لدوائر القرار عبر «القدس العربي» الخبير الدكتور أنور الخفش، عندما اقترح الانتباه جيداً، لأن كتلة حرجة عريضة وواسعة لا تضم التيار الإسلامي وحده، تتشكل الآن في عمق المجتمع وتدعم خيار المقاومة الذي كسب المعركة استراتيجياً، فيما الرهان الرسمي مستمر على وضع البيض في سلة من خسروها.
في كل حال، ترسل تعبيرات من هذا النوع رسائلها الجوهرية في ملف الحاضنة الاجتماعية الأردنية للمقاومة، والإنكار ليس هو الإجراء الصحيح كما يقدر السياسي والبرلماني العميق الدكتور ممدوح العبادي، وهو يتحدث لـ «القدس العربي» عن ضرورة وضع كل الوقائع والحقائق أردنياً على الطاولة لإقرار الاستراتيجية الأفضل وطنياً، وعلى رأس تلك الحقائق القاعدة التي تقول «العدو واضح وواحد وقادم إلينا».