ربما بالغت الوزيرة المنقوش في التفاؤل، عندما أعلنت تحقيق تقدم في ملف انسحاب المرتزقة من ليبيا مع أن هذا الملف يعسُر حله من دون ضغوط من مجلس الأمن.
عندما استقبلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، بمبنى المستشارية الاتحادية، إثرانتهاء أعمال مؤتمر برلين2 الأربعاء الماضي سمعت منهما امتنانا خاصا للدور الألماني، الذي كان في مثابة القاطرة للموقف الأوروبي «طيلة مراحل الأزمة الليبية» على ما قالت المنقوش.
ولعبت برلين، وخاصة وزير الخارجية هايكو ماس، دورا محوريا في تعبئة نظرائه لحضور المؤتمر الذي شكل محطة مهمة بعد سنة ونصف السنة من برلين1 في كانون الثاني/يناير العام الماضي. ويُعتبر هذا الدور مطلبا أوروبيا جماعيا لأن أعضاء الاتحاد الأوروبي ينامون ويصحون على كابوس الهجرة غير الشرعية من الضفة الجنوبية للمتوسط نحو بلدان الشمال. وهم يعتقدون أن عودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا كفيلة باحتواء الهجرة غير الشرعية والقضاء على بؤر الارهاب، التي استفادت من غياب الدولة، أو من ضمورها في السنوات العشر الأخيرة.
انطلاقا من هذه الخلفية نُدرك الأهمية التي توليها أمريكا وأوروبا لتعبيد الطريق لانتخابات تُنهي الأزمة الليبية. وتجلى هذا الحرص من خلال حضور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظرائه الأوروبيين مؤتمر برلين2. لكن في الجانب المقابل شاب التوتر والتحفظ حضور الوفدين الروسي والتركي، لأن جميع الوفود الأخرى تقريبا، أجمعت على طلب سحب المرتزقة والقوات الأجنبية على السواء. وأخفقت محاولة نائب رئيس الوفد التركي تركيز البيان الختامي على إخراج المرتزقة فقط، والتغاضي عن القوات الأجنبية، انطلاقا من أن وجود قوات تركية في ليبيا يخضع لاتفاق بين الرئيس رجب طيب اردوغان ورئيس حكومة «الوفاق» السابقة فائز السراج، وهو اتفاق أودعت نسخة منه لدى منظمة الأمم المتحدة.
ومن الواضح أن الأمم المتحدة والألمان بنوا على نتائج المرحلة الأولى من مسار برلين، لتيسير الوصول إلى الحل السياسي، القائم على رُكنين هما إخراج القوات الأجنبية وإجراء انتخابات عامة. ومن الواضح أيضا أن الضغط الأمريكي الأوروبي في مؤتمر برلين2 على الدول التي تملك قوات نظامية أو غير نظامية في ليبيا، حشر هذه الأخيرة في الزاوية، وفرض عليها قبول البحث في روزنامة الانسحابات. وحاول الأتراك عبثا تغيير نص البيان الختامي كي لا تُلحق عناصرهم بلائحة المرتزقة. إلا أن الألمان أفهموهم أن البيان مُقتبس من قرار سابق لمجلس الأمن لا مجال لتعديله، وهو القرار 2570 لسنة 2021.
ولم يتوان وزير الخارجية الألماني ماس عن تذكير المشاركين في مؤتمر برلين بضرورة «إجراء الانتخابات وانسحاب القوات والمقاتلين الأجانب انسحابا فعليا من ليبيا». أكثر من ذلك، خاطب ماس الحضور بقوله «إن الذين تعهدوا المرة الماضية في برلين بسحب قواتهم لم يحترموا تعهداتهم» وكان يعني روسيا وتركيا والإمارات.
تفاهمات روسية تركية
والمؤكد أن الاجتماع الروسي التركي المرتقب لمحاولة حل المشاكل الثنائية لن يقتصر على سوريا وأذربيجان، وإنما سيشمل بالضرورة ليبيا حيث يحتاج الروس والأتراك إلى تفاهمات تحول دون حدوث انزلاقات، خصوصا في ظل وجود مرتزقة روس وسوريين على جانبي خط وقف إطلاق النار، على مقربة من مدينة سرت. غير أن الوزيرة نجلاء المنقوش بالغت في التفاؤل، ربما، عندما أعلنت من برلين تحقيق «تقدم ملموس في ملف انسحاب المرتزقة من ليبيا» مع أن هذا الملف معقد ومتشعب، وبالتالي يعسُر حله من دون ضغوط حازمة من الأمم المتحدة، وتحديدا مجلس الأمن. ولا يقلُ تعقيدا عن هذا الملف، ملفُ توحيد المؤسسة العسكرية، الذي سبق للموفد الأممي كوبيش أن أكد أنه مسار لا يُحقق أي تقدم.
لكن على الرغم من المناكفات الروسية الأمريكية، التي تجددت بمناسبة قمة البلدان الصناعية السبع، ليس من المستحيل الوصول إلى تفاهمات في ليبيا مُماثلة لسوريا. ومع حرص البيت الأبيض على تصحيح زلة اللسان، التي قام بها الرئيس الأمريكي، لدى حديثه عن إمكان الوصول إلى تفاهمات مع موسكو في ليبيا، وكان يقصد سوريا، قد يكون السيناريو الممكن متمثلا في تجميع بعض المرتزقة داخل قواعد عسكرية وقتيا، وترحيل البعض الآخر، لإفساح المجال أمام إجراء الانتخابات المقررة للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل.
غير أن أطرافا عدة تشكك في واقعية هذا السيناريو وجديته، وفي مقدمهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة الذي أكد بوضوح لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال لقائهما في برلين، أن حكومته تنتظر من واشنطن «مشاركة بناءة» في الجهود الرامية لإخراج المرتزقة الأجانب من ليبيا، من اجل بدء مرحلة جديدة نحو «ليبيا ديمقراطية ومستقرة وآمنة». وأفاد مقربون من الدبيبة أن الأخير أبرز لمحاوره الأمريكي «الأهمية الملحة» لإخراج «جميع المرتزقة الأجانب والمجموعات المسلحة» غير الشرعية من ليبيا، في إطار خطة شاملة، وهي الخطة التي تحدثت عنها المنقوش.
ترحيل تدريجي للمرتزقة؟
ولعل الحل الوسط الذي قد يتم التوصل إليه، يتمثل بما أعلنه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في ختام مؤتمر «برلين2» من أن رحيل المرتزقة سيتم بشكل تدريجي. لكن خصوم الحكومة يريدون جدولا زمنيا للانسحاب. وعزا ماس خلال المؤتمر الصحافي الختامي، القبول بـ»الخروج التدريجي» إلى وجود تفاهم بين تركيا وروسيا على سحب مُتدرج ومُتزامن لقواتهما من ليبيا، «للمحافظة على التوازن» مُوضحا أن الانسحاب لن يحدث «بين عشية وضحاها». وبحسب مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، ما زالت عمليات نقل المرتزقة إلى ليبيا تسير بالوتيرة السابقة، مؤكدا أنه تم نقل نحو 300 مرتزق تابعين لتركيا إلى ليبيا، منذ بداية الشهر الجاري. وقد يكون الوضع مماثلا لدى الالفريق الليبي الآخر.
مُخالفات كثيرة
يشكل تأخير تصديق مجلس النواب على الموازنة الجديدة أحد محاور الخلاف الرئيسة بين المجلس والدبيبة، إذ ينتقد الأخير خصومه في المجلس على تراخيهم في اعتماد الموازنة. ويرد الخصوم بأن مشروع الموازنة «تشوبه مخالفات كثيرة» وأرقام بملايين الدنانير «لا توجد لها أبواب صرف أو بنود وخطط واضحة». لكن المعلومات التي ترددت أمس رجحت أن تتم تلك المصادقة غدا الاثنين، كي تصل الرواتب إلى أصحابها قبل عيد الإضحى. كما ينتقد الدبيبة خصومه أيضا على التأخير في إيجاد القاعدة الدستورية اللازمة لإتمام الانتخابات.
وسعيا من البعثة الأممية للتعجيل بحل العقدة الدستورية، أعلنت عزمها على عقد اجتماع مباشر لملتقى الحوار السياسي في سويسرا اعتبارا من غد الاثنين إلى الخميس، فيما عقدت قبل ذلك، اللجنة الاستشارية المنبثقة عن الملتقى، اجتماعات تحضيرية في تونس، من أجل وضع مقترحات من شأنها تيسير إيجاد قاعدة دستورية للعملية الانتخابية، والدفع قُدُما بالمناقشات بُغية بناء التوافق المأمول.
وتندرج هذه الاجتماعات في سياق اجتماعات سابقة لأعضاء ملتقى الحوار السياسي يومي 26 و27 من الشهر الماضي، ركزوها على درس مُقترح القاعدة الدستورية للانتخابات. وأحال رئيس البعثة الأممية في ليبيا يان كوبيش تلخيصا لأهم مداولات الملتقى إلى كل من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، متجاهلا الجنرال المتقاعد المُسيطر على المنطقة الشرقية خليفة حفتر.
وعشية مؤتمر برلين الأخير حرك حفتر بعض قواته نحو الجنوب، فيما أعلنت وسائل إعلام مُقربة منه أنه سيطر على الاقليم الجنوبية، وأنه قرر غلق الحدود الليبية الجزائرية.
حركة استعراضية
لكن هذه الحركة المفاجئة لا تعدو أن تكون عملية إعلامية استعراضية، لأنه لا يملك القدرة عمليا على السيطرة على حدود يزيد طولها عن ألف كيلومتر، وتأمين الامدادات والتموين اللازمين من قواعده في الشرق. كما أن شبكات التهريب عبر الحدود ظلت تعمل كالعادة، بالرغم من إعلان غلق الحدود، لأن جماعة حفتر نفسها تتعاطى معها وتستفيد من خدماتها.
مع ذلك هناك بعد سياسي واضح في الاعلان عن غلق الحدود مع الجزائر، يتمثل بالرد على تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي أكد أن الجزائر كانت ستتدخل عسكريا لو سيطر الجنرال حفتر على طرابلس. هذا الحسم الجزائري نزع عن الجنرال المتقاعد صفة الشريك الذي يُصنع معه السلام في ليبيا، مُعتبرا إياه مجرد رئيس ميليشيا. لكن رد حفتر لم يكن سياسيا بل انفعاليا لأن من يريد أن يكون طرفا في الحل السياسي، لا يستعدي الجيران، وخاصة الجزائر بحجمها السكاني ووزنها العسكري ودورها الاقليمي.
وتشكل معضلة فتح الطريق الساحلي أو استمرار غلقه، مؤشرا مهما على مدى تقدم المسار السياسي، فمن دونه لا مجال لتحقيق الشروط الأخرى لاستكمال تنفيذ بنود عملية برلين. كما أن بقاء بنغازي في قبضة حفتر ينزع عن الانتخابات صفة الحرية والشفافية، لأنها تُلغي الشرق من العملية الانتخابية، ما يُقوض المسار برمته.
ويجوز القول إن هذه المعضلة أوقعت رئيس الحكومة الدبيبة في مقلب ينال من مكانته الرمزية، فبعدما اعتلى جرافة، وأعلن عن فتح طريق سرت مصراتة، مُعتبرا أن ذلك اليوم هو «يوم تاريخي»، لكونه أبعد شبح التقسيم، أعلنت اللجنة العسكرية 5+5 إرجاء فتح الطريق.
وتؤكد جماعات في غرب البلاد أن قوات روسية تابعة لمجموعة «فاغنر» تتمركز على هذا الطريق منذ حوالي سنتين، وهي (قوات الغرب) تشترط انسحاب المرتزقة الروس قبل الموافقة على إعادة فتح الطريق. والأرجح أن الموفد الأمريكي الخاص إلى ليبيا السفير رتشارد نورلاند، الذي يُجري اتصالات مكثفة مع الفرقاء الليبيين، يُركز اتصالاته حاليا على مسألتين أساسيتين، أولاهما سحب المرتزقة من الأراضي الليبية، وثانيهما التعجيل بمعاودة فتح الطريق الساحلي.
ومن المهم أن يكون هناك توافق بين أمريكا وألمانيا على هذين الهدفين، إذ أكد الوزير الألماني، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأمريكي، على ضرورة توحيد المؤسسات العسكرية في ليبيا ومغادرة المرتزقة والقوات الأجنبية، من أجل إجراء الانتخابات في الميقات المقرر لها. أما بلينكن، فاعتبر أن لدى المجتمع الدولي فرصة لمساعدة ليبيا على التقدم نحو الانتخابات. لكن هل ستضع أمريكا وألمانيا ثقلهما في الميزان، وتستخدمان أوراق الضغط المتاحة لهما، بُغية اجتراح انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا
الليبيون الجدد لم يفهموا اللعبة بعد. يا اخوان كل شئ حدث فى ليبيا كان بمعرفة و رضى امريكا وبريطانيا. ما نحن فيه من مشاكل و مصائب اليس امريكا و بريطانيا من خطط له. ما تتوقعوا خير فيهم