طرابلس ـ «القدس العربي»: اختتم في العاصمة طرابلس أمس منتدى الهجرة عبر المتوسط، بعد يوم من المناقشات على المستوى الرئاسي والوزاري.
وأكد البيان الختامي للمنتدى على أهمية التعاون والتضامن بين الدول والمؤسسات للبحث عن حلول شاملة لمشكلة الهجرة غير النظامية.
وتضمن التشديد على ضرورة تطبيق استراتيجيات تتعامل مع جذور مشكلة الهجرة غير الشرعية، واضعة في اعتبارها قضايا التنمية وحقوق الإنسان.
وتطلع المشاركون بالمنتدى إلى بناء مستقبل يتم فيه إدارة الهجرة بفعالية وإنسانية واحترام لكرامة جميع الأفراد.
وأكد البيان الختامي أن رعاية طرابلس لمثل هذا الحدث هو دلالة على إدراك حكومة الوحدة الوطنية مدى أهمية معالجة الهجرة في وقت تشهد فيه المنطقة تراجع معدلات الاستقرار والأمن.
وأشاد البيان بالجهود التي بذلها جميع المشاركين والممولين والمؤسسات المنظمة للمنتدى في تشكيل نهج استراتيجي وإنساني لهجرة.
ورحبت البعثة الأممية في ليبيا بانعقاد منتدى الهجرة عبر المتوسط بطرابلس، معتبرة أنه يشكل فرصة سانحة للمضي قدما في تبني مقاربة قائمة على حقوق الإنسان في حوكمة الهجرة.
وأشارت البعثة في بيان لها إلى ضرورة تضافر الجهود الدولية وقيامها على تشارك المسؤولية والاحترام التام لحقوق الإنسان بغية التصدي للتحديات الراهنة للهجرة.
وأكدت البعثة استعداداها لدعم المبادرات الرامية إلى تنفيذ مقاربة تستند إلى حقوق الإنسان في التعامل مع الواقع المعقد للهجرة.
كما دعت السلطات الليبية إلى تبني إطار شامل من القوانين والسياسات العامة للتعامل مع المهاجرين واللاجئين بما يتسق والتزامات ليبيا الدولية في مجال القانون الدولي لحقوق الإنسان وحماية اللاجئين.
وأعلن عضو اللجنة العليا لمنتدى الهجرة ووزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية وليد اللافي، إطلاق “الأطر الاستراتيجية للتعاون في ملف الهجرة وتحويلها إلى برنامج قابل للتنفيذ”.
جاء ذلك خلال في مؤتمر صحافي عقده اللافي، في ختام فعاليات أعمال منتدى الهجرة عبر المتوسط الذي عقد في طرابلس الليبية، بمشاركة أوروبية وإفريقية.
وأشار إلى أنه “تم الاتفاق مع دولة مالطا على إعادة وتطوير التفاهمات بين الحكومة الليبية والحكومة المالطية في ملف الهجرة، بالإضافة إلى عدد من الملفات الأخرى ذات الاهتمام المشترك”.
وأعلن اللافي “تشكيل فريق عمل لتحديد المشروعات في بلدان مصدر الهجرة، مع التركيز على الجوانب الإنسانية والحقوقية في البحوث المتعلقة بهذه المشروعات”.
وأكد أن “الأرقام الرسمية وغير الرسمية تقدر أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا عبر ليبيا بأكثر من 40 بالمئة من إجمالي الهجرة عبر البحر المتوسط، ما يستدعي تكثيف الجهود لمعالجة”.
كما أعلن توقيع ليبيا وتشاد “اتفاقية إطار للتعاون بين البلدين لترحيل وتسوية أوضاع المهاجرين الموجودين في مراكز الإيواء الليبية، وتقديم الدعم اللازم للراغبين في العودة إلى وطنهم”.
وترأس رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة الاجتماع الرئاسي للمنتدى، فيما ترأس وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي أعمال اجتماع وزراء داخلية الدول المشاركة.
وشارك في الاجتماع الرئاسي كل من رئيس تشاد محمد إدريس ديبي، ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، ورئيس حكومة تونس أحمد الحشاني، ورئيس وزراء مالطا روبرت أبيلا.
وجاء المنتدى بمبادرة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ويهدف للحد من ظاهرة الهجرة عبر طرق مختلفة، منها التنمية في إفريقيا والملف الأمني ومراقبة الحدود، تحت شعار حلول عملية بشراكات استراتيجية.
وفي كلمته التي ألقاها في المنتدى، رأى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وجوب أن تمضي الدول المتضرّرة من الهجرةً غير النظامية في تطوير القطاعات الحيوية والاقتصادية في الدول الإفريقية المصدّرة للهجرة لتوفير فرص عمل لأبنائها. وأشار إلى أنّ الأموال المصروفة في الأعوام الخمسين الماضية لم تحلّ المشكلة، مشدّداً على ضرورة توجيه التمويل إلى بلدان المهاجرين الأصلية من أجل تنفيذ مشروعات تنموية حقيقية تساهم في استقرارهم في مناطقهم. وقال: “نسعى إلى تأسيس حركة فعلية لحل هذه المشكلة”.
أضاف رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية أنّ أزمة الهجرة غير النظامية “تؤرّق دولاً كثيرة”، وأشار إلى أنّ الدول الإفريقية تعاني من أزمات اقتصادية وجوع بسبب ويلات الاستعمار ونهب الثروات في خلال العقود الماضية، الأمر الذي يدفع المواطنين الأفارقة إلى البحث عن سبل للعيش عبر طريق محفوف بالمخاطر قد ينتهي بالموت في البحر الأبيض المتوسط.
كذلك تحدّث الدبيبة عن التحديات الكبيرة التي يواجهها المهاجرون في أثناء رحلات الهجرة غير النظامية عبر الصحراء، إذ يقضي كثيرون منهم عطشاً وجوعاً، وعند وصولهم إلى ليبيا يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط حيث يواجهون خطر الموت غرقاً. وبيّن أنّ “أوروبا تستخدم كثيراً من الطرق لمنع هؤلاء، وإفريقيا تدفع بهم إلى البحث عن حياة أفضل، ونحن نجد أنفسنا وسط ضغط من الشمال والجنوب”. وأوضح الدبيبة أنّ منتدى الهجرة عبر المتوسط سوف يسلك مسارَين، شارحاً أنّ “الأوّل هو الرؤية الاستراتيجية التي يشارك فيها رؤساء الدول والحكومات، والثاني مسار التعاون الأمني الذي يشارك فيه وزراء الداخلية والوزراء المعنيون”.
وقالت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، في كلمتها في منتدى الهجرة عبر البحر المتوسط أمس، إنّ “البحر الأبيض المتوسط يمثّل أولوية، ومن غير الممكن أن يكون بحرا أبيض متوسطا من دون إيطاليا وليبيا معاً”. وأضافت أنّ “ثمّة تحديات في هذه الأوقات لا يمكننا مواجهتها بمفردنا، والهجرة واحدة منها”.
وأوضحت م أنّ “من أجل معالجة هذه القضية بجدية، ثمّة حاجة إلى تغيير النهج 360 درجة”، ولفتت إلى أنّ “إيطاليا تعمل جاهدة من أجل ذلك” على مستويات متعدّدة، من بينها “مكافحة الاتجار بالبشر”، مبيّنة أنّ الشبكات الإجرامية المتورّطة في ذلك تُعَدّ من أكثر الشبكات نفوذاً، حسب تقارير أممية. وأكدت ضرورة مكافحة الهجرة غير النظامية ووضع استراتيجية لمعالجة هذه الأزمة بطريقة متزامنة.