طرابلس – «القدس العربي»: شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2021 شهر تتوجه نحوه أنظار الليبيين جميعاً؛ لأنه سيمثل نقلة نوعية في تاريخ البلاد من خلال استحقاق ديمقراطي سيكون الأول في تاريخها بعد أكثر من عشر سنوات من الانقسام والتفرقة والحروب والنزاعات المسلحة والتهجير والدمار .
الانتخابات هي القضية الأكثر تداولاً في الشارع الليبي والصالون السياسي، بل حتى الوسط الدولي. فالتجهيز لها والمطالبة بها وصلت إلى مستوى سفارات الدول ومجلس الأمن وغيرها من الأطراف الفاعلة دولياً .
ورغم اقتراب موعدها إلا أن ليبيا لم تشهد تجهيزاً فعلياً لها، سواء
على مستوى الأرضية الدستورية والقانونية لإطلاقها أو على المستوى اللوجستي، حتى استئؤنف الآن حراك دولي يدعمها ويحث مجلس النواب والحكومة على التحرك لتنفيذ المناط بهم .
حراك دولي
سفارات ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في ليبيا أصدرت بياناً مشتركاً الخميس، دعت من خلاله حكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب إلى تسهيل إجراء وتنفيذ انتخابات 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021، والاتفاق على القاعدة الدستورية والأساس القانوني للانتخابات بحلول 1 تموز/ يوليو المقبل.
وأكدت السفارات أهمية دعم المؤسسات للتجهيز للانتخابات في وقتها المحدد، وقالت إن الترتيبات السياسية والأمنية والاستعدادات الفنية واللوجستية مهمة وأساسية أيضاً.
دعم الانتخابات والحث على الإسراع في التجهيز لها لم يكن بجديد، ولكن نقطة في البيان أثارت جدلاً واسعاً واستنكاراً من بعض الجهات على المستوى الأعلى في ليبيا، معتبرة إياها تدخلاً في الشأن الداخلي وانتهاكاً صريحاً .حيث قالت السفارات في بيانها إن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لإجراء أي تغييرات من شأنها تعطيل الهيئات ذات الصلة والتي لها دور أساسي في التجهيز للانتخابات، خلال الجدول الزمني الذي حدده قرار مجلس الأمن رقم 2570 والمقصود هنا التغيير في المناصب السيادية المتعلقة بالانتخابات . المجلس الأعلى للدولة وفور صدور هذا البيان، قدم رداً، الجمعة، معبراً عن استغرابه من البيان المشترك الصادر عن سفارات ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة في ليبيا وإشارتهم إلى أن الوقت الحالي غير مناسب لإجراء تغييرات في المناصب التي لها علاقة بالتجهيز للانتخابات في ليبيا.
واعتبر المجلس بيان السفارات المشترك تدخلاً في الشأن الداخلي الليبي، قائلاً إن انتهاك السيادة الليبية لا يتوقف فقط على وجود المرتزقة الأجانب على الأرض، بل من خلال محاولة فرض إملاءات سياسية خارجية مرفوضة بشكل قاطع، حسب البيان.
وشدد “الأعلى” للدولة على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد على أسس دستورية متينة، مؤكداً أن استقلالية القرار الليبي أمر لا يمكن المساس به . وطالب مجلس الدولة سفراء الدول الأجنبية بعدم تجاوز مهام عملهم التي حددتها الأعراف الدبلوماسية، وأن تراعي قوانين الدولة المستضيفة لها والالتزام بها وعدم القفز عليها تحت أي ذريعة كانت، بحسب نص البيان. وعلى المستوى الحكومي وخلافاً للمجلس الأعلى للدولة، صدرت ذات المخاوف؛ حيث قال عضو المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني، بشأن الانتخابات المقررة نهاية العام الجاري، إن هذا الاستحقاق هو الهدف السامي الذي يجب أن نسعى جميعاً إليه، لكنه عبر عن عدم ارتياحه لفكرة تغيير مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
وأوضح بالخصوص قائلاً: “نخشى أن يؤثر تغيير رئاسة مفوضية الانتخابات في العملية الانتخابية نهاية العام”.
السفارة الأمريكية أيضاً، ومن خلال سفيرها لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، شددت على ضرورة التحضير لانتخابات ديسمبر على النحو المقرر والمبين في قرار مجلس الأمن رقم 2570، وعلى النحو المعتمد في خارطة الطريق .
أرضية الانتخابات
اللجنة القانونية في ملتقى الحوار السياسي قد انتهت بشكل فعلي من تجهيز القاعدة الدستورية للانتخابات المقبلة، لكن التحدي ظل في سرعة اعتمادها من قبل مجلس النواب وملتقى الحوار السياسي الليبي قبل الموعد المحدد، وهو الأول من تموز/ يوليو .
على صعيد ملتقى الحوار السياسي الليبي، قدم المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيش، القاعدة الدستورية لأعضاء الملتقى، تمهيداً لعقد اجتماع افتراضي بعد عيد الفطر، لنقاش بنود القاعدة وإعطائها الضوء الأخضر بعد حسم النقاط الخلافية المتبقية.
أما على صعيد البرلمان فتتصاعدت التساؤلات حول هل سيتلافى البرلمان أخطاءه السابقة؟ فقد تعرضت مخرجات اللجنة الدستورية المشكلة من مجلسي الأعلى للدولة والبرلمان، والتي تعد صاحبة الحق الأصيل في تقرير هذا المسار، للعرقلة، نتيجة عدم اعتمادها من قبل مجلس النواب الليبي صاحب الكلمة الفصل، وهو ما دفع اللجنة القانونية لتجهيز قاعدة بديلة، إلا أن موافقة المجلس تظل مهمة لعدم حدوث اصطدامات دستورية وقانونية تعيق الانتخابات القادمة.
وحفاظاً على سلاسة سير هذا المسار وعدم تعثره، التقى المبعوث الأممي يان كوبيش، برئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح لنقاش هذا الملف، حيث أبدى الأخير رغبة قوية في الدفع قدما بالمسار، مؤكداً أنه في حال توافق ملتقى الحوار على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، يتم إحالتها لمجلس النواب لاعتمادها وتضميمها في الإعلان الدستوري، وفي حال عدم توافق الملتقى على قاعدة دستورية، يتم العمل بقرار مجلس النواب رقم (05) لسنة 2014م القاضي بإجراء الانتخابات الرئاسية بشكل مباشر من الشعب، ومقترح مشروع قانون انتخابات الرئيس من الشعب جاهز لعرضه على المجلس.
ورغم الحراك الدولي القوى، ووصول الأرضية الدستورية للانتخابات إلى مراحلها الأخيرة إلا أن الملف الأمني يظل على رأس الأولويات لانجاز الاستحقاق الدستوري وضمان سيطرة الحكومة على كافة أرجاء البلاد حتى تتمكن من ضمان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة.