طرابلس ـ «القدس العربي» : ملامح خلاف جديد تتضح يوماً بعد آخر بين مجلسي النواب والدولة، النظيرين الليبيين المنوط بهما وضع الأسس الدستورية للانتخابات المرتقبة، التي من المتوقع أن تجري في نهاية العام الجاري في ربوع ليبيا.
سجل طويل من الخلافات لم تكتب له نهاية حتى الآن بين المجلسين أثناء محاولة تنفيذ كافة الاستحقاقات المشتركة بينهما استنادا إلى الاتفاق السياسي الليبي، ابتدأ بخلاف المناصب السيادية الذي لم ينته منذ سنوات، وانتهى بخلاف القاعدة الدستورية.
ورغم الخلاف الواضح، مازال المجلسان يعملان على إنجاز تقدم لوضع خارطة طريق وقاعدة دستورية متفق عليها، ما يشير إلى صحة وجود ضغوط دولية للدفع بليبيا نحو الانتخابات في أقرب وقت ممكن.
وسط قلق أممي من عدم إحراز أي تفاهمات
في تصريحات جديدة لرئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، الأربعاء، قال إن رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح عارض التوقيع على وثيقة التفاهمات التي توصلا إليها، وأنّ هناك نسخة منها لدى الوسطاء الإقليميين، دون أن يسميهم.
وتابع أن «حديث عقيلة أمام النواب مختلف عما اتفقنا عليه بتأثير رفض بعض الأعضاء»، مشيراً إلى أن رئيس مجلس النواب تعرض لضغوط بعد عودته من القاهرة، معتبراً أن وراء هذا التراجع أطرافاً محلية وإقليمية ودولية مارست ضغوطاً كبيرة على عقيلة صالح بعد عودته من القاهرة.
وأشار المشري أنه مستعد للقاء عقيلة صالح في أي وقت شرط توثيق أي اتفاق وتوقيعه، متابعاً: «لم أوقع على الوثيقة الدستورية في مخرجات اتفاق القاهرة ولن أمضي بأي خطوة سياسية جديدة دون اتفاق».
وأردف: «كلما سرنا خطوة إلى الأمام في مشاوراتنا نرجع خطوتين، والنتائج في المحصلة سالبة، أيدينا ما زالت ممدودة للحوار، لكن هناك من يتراجع في كل مرة عن الاتفاق»، مضيفاً إن مجلس الدولة اقترح إضافة 40 مقعداً جديداً للبرلمان من المناطق المتضررة من القانون السابق، لافتاً إلى أن موقفه بشأن الانتخابات الرئاسية تتمثل في ضرورة استقالة المتقدم لانتخابات الرئيس، وهي مسألة اتفاق مع عقيلة صالح.
وقال إن المادة (31) من مشروع الوثيقة الدستورية تحدد راتب عضو مجلس النواب والشيوخ عند 24 ألف دينار شهرياً، منوهاً بأن مشروع الوثيقة يمنح رئيس الدولة المنتخب صلاحيات القائد الأعلى للجيش وتشكيل حكومة، وصلاحية حل المجلسين.
وتابع أن حسم خلاف ترشح مزدوجي الجنسية ليس محل توافق بين مجلس النواب والدولة، لكنه اعتبر أن نقاط النزاع ليست بين مجلسي النواب والدولة، بل بين تيارين سياسيين، قائلاً إن خليفة حفتر الوحيد الذي يستطيع منع إجراء الانتخابات في ليبيا.
وحول الحكومة الجديدة، قال المشري إن هناك توافقاً مع مجلس النواب حول تشكيل حكومة موقتة بحقائب محددة، داعياً رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة قائلاً «إذا رغب في الحكم فليتقدم مثل المترشحين الآخرين».
ولم يمض من الوقت الكثير على إعلان المشري استئناف الحوار مجدداً مع مجلس النواب بعد تعليقه بسبب تجاوز مجلس النواب لصلاحياته وتصويته على قانون المحكمة العليا، الأمر الذي أثار غضب المشري ودعاه إلى الإعلان عن تعليق الحوار مع عقيلة صالح، الذي سرعان ما أعلن عن سحب هذا القرار ترضيةً للمشري.
وبعد استئناف الحوار والإعلان الثنائي من القاهرة عن التوافق على إحالة القاعدة الدستورية للتوافق حسب نظام كل مجلس، فضلاً عن الاتفاق على وضع خارطة طريقة بتواريخ واضحة، فقد عقب ذلك تصريحات أشارت إلى وجود خلاف ما زال قائماً.
وفي جلسة عقدها مجلس النواب الليبي قبل أكثر من أسبوع ودعا لها مسبقاً، قال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إنه لا يحق لمجلس الدولة إصدار وثيقة دستورية أو إعلان دستوري؛ لأن دوره استشاري فقط.
ودعا عقيلة صالح، خلال كلمته بجلسة المجلس، الأعضاء إلى حضور جلسة تعديل الإعلان الدستوري، قائلاً: «لن نقع تحت رحمة أحد»، موضحاً أنه منذ عام ونصف العام أرسل إلى مجلس الدولة 13 ملفاً خاصاً بقوائم المناصب السيادية، لكن الأخير لم يرد عليها سلباً أو إيجاباً.
وتابع: «يبدو أن مجلس الدولة يستخدم الفيتو ضد قرارات البرلمان، موضحاً أن البرلمان هو الجسم التشريعي الوحيد، ومجلس الدولة جسم استشاري»، مشدداً على أن تعديل الإعلان الدستوري سيخرج البلاد من أزمتها الراهنة، داعياً أعضاء مجلس النواب إلى اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة وتحمل المسؤولية، قائلاً إن تقاربه مع المشري «تقارب لفظي دون أفعال».
ويتركز الخلاف بين مجلسي النواب والدولة حتى الآن على شروط الترشح للانتخابات، بينما يدعو عقيلة إلى فتح المجال للجميع حتى العسكريين ومزدوجي الجنسية وفاء لحليفه حفتر صاحب الجنسية الأمريكية والمعين في منصب القائد العام من قبله.
ويقول: «ربما لو كنا في بلاد مستقرة قد نضع قاعدة لا تعطي الحق في الترشح إلا لاثنين أو ثلاثة، أما نحن ففي حالة من الانشقاق، ويجب أن ننظر في الظروف المحيطة»، بينما يصرح المجلس الأعلى للدولة بأنه قد حسم هذه النقطة ورفض بشكل قاطع ترشح الفئتين.
وعلى نقيض الحديث عن الخلافات بين الجسمين، زرع صالح بصيص أمل بحديث آخر له قال فيه إنه ستُشكل لجنة على غرار لجنة الحوار السابقة، وسيُجري الاتفاق بين مجلسي النواب والدولة على الحكومة الجديدة، مؤكداً أن الانتخابات من الممكن أن تعقد في نوفمبر المقبل أو قبله.
الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، عبد الله باتيلي، وبعد وصوله إلى الجزائر الثلاثاء، عبّر عن قلقه من عدم وجود أي تقدم بمسار الحل السياسي للأزمة في ليبيا، خاصة في ظل استمرار الانقسام الداخلي، والعجز عن التوافق على أرضية مشتركة، فيما اعترض أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا على ما سموه «التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن الليبي».
وقال بعد لقائه وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، لبحث جهود تسوية الأزمة الليبية، في تصريح للتلفزيون الرسمي الجزائري، إنّ «الأزمة في ليبيا لم تعرف أي تطور ملحوظ»، مشيراً إلى أنّ «هناك ضرورة لالتزام كل الأطراف المعنية بليبيا لوضع حدّ لهذه الأزمة».
وحثّ المجتمع الدولي على مزيد من «دعم المسار الذي يسمح بتحقيق الاستقرار في هذا البلد»، وقال: «يتعين على الفاعلين الدوليين التكلم بصوت واحد ودعم المسار الذي يفضي إلى استقرار ليبيا حتى يتمكن هذا البلد المغاربي من الحصول على مؤسسات شرعية من خلال مسار ديمقراطي».
ورد أعضاء من مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة على تصريحات باتيلي ببيان مشترك دعوا فيه الأمم المتحدة إلى وقف التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن الليبي، ودعم الحلول الليبية-الليبية، مؤكدين عزم المجلسين على رسم خريطة طريق محددة بإطار زمني.
وقد جاء هذا البيان المشترك عقب انتهاء اجتماع جمع أعضاء من المجلسين، برئاسة النائب الأول لرئيس المجلس النواب فوزي النويري، والنائب الأول لرئيس المجلس الأعلى للدولة ناجي مختار، في العاصمة طرابلس الأربعاء، لمناقشة «مستجدات الوضع السياسي، وكيفية الخروج من الانسداد الذي جمد العملية السياسية في ظل تسارع أحداث دولية لها تأثيرات بالوضع في ليبيا». ووفقاً لما نقله المتحدث باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق عبر صفحته في «فيسبوك».
وأكد الأعضاء، في بيانهم، على استمرار اللقاءات وتوسيعها «حتى تتم صياغة خريطة طريق محددة بإطار زمني لتحقيق الهدف المنشود»، وأنهم اتفقوا على نقاط، في مقدمتها التأكيد أنّ البلاد تمر في «مرحلة مفصلية، وتحتم أن يعمل المجلسان كمؤسـستين مع كل الأطراف الفاعلة على اتساع البلاد، سياسياً واجتماعياً وأمنياً، وأن تتحمل جميعها مسؤوليتها الوطنية والتاريخية».
واعتبر الأعضاء أنّ ما تمرّ به البلاد «لا يمكن تحميل المسؤولية فيه للمجلسين فقط»، مقرّين بأنّ «المسؤولية تضامنية وتشمل كل المؤسسات والأطراف الفاعلة في المشهد الليبي».