طرابلس – «القدس العربي»: مع تعقد الأزمة الليبية بين حكومتين إحداهما معينة من البرلمان المتخد من شرق ليبيا مقراً له، والأخرى منبثقة عن ملتقى الحوار الليبي الذي عقد قبل سنة في تونس برعاية أممية، لم يكن التدخل الدولي في المستوى المطلوب -حسب متتبعين- لاختيار أحد الرؤساء المتنافسين والمتصارعين على الحكم في البلاد.
وقبل يوم واحد، نشرت وكالة “نوفا” الإيطالية للأنباء تقريراً ذكرت فيه بأنه من المتوقع أن يجري الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اتصالاً هاتفياً برئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا.
ونقلت عن مصادر دبلوماسية غربية في تونس، قولها إن غوتيريش سيتصل بباشاغا، وإن المكالمة لن تكون اعترافاً دولياً بحكومته وإنما محاولة لإقناعه بالتراجع والتوصل إلى اتفاق مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، لتشكيل ما يشبه “الحكومة الانتخابية” وتجنب اندلاع صراع محتمل.
تقرير وكالة “نوفا” وإن صح، فسيكون الموقف الثاني عقب حديث المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الذي أكد في وقت سابق أن الأمين العام أنطونيو غوتيريش، دعا جميع الأطراف والمؤسسات الليبية إلى مواصلة ضمان أن يتم اتخاذ القرارات الحاسمة، مثل تعيين رئيس وزراء جديد والتصويت على تعديلات دستورية، بطريقة شفافة وتوافقية.
وأضاف أن الأمين العام يتابع عن كثب الوضع في ليبيا، وقد أحيط علماً بالتصويت الذي جرى في مجلس النواب بالتشاور مع المجلس الأعلى للدولة، لاعتماد التعديل الدستوري الذي يرسم مساراً لعملية مراجعة مشروع الدستور لعام 2017 وللعملية الانتخابية، كما أحيط علماً بتصويت مجلس النواب لتعيين رئيس وزراء جديد.
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة جميع الأطراف إلى الاستمرار في المحافظة على الاستقرار في ليبيا كأولوية أولى، وذكر جميع المؤسسات بالهدف الأساسي المتمثل في إجراء الانتخابات الوطنية في أسرع وقت ممكن، من أجل ضمان احترام الإرادة السياسية لـ2.8 مليون مواطن ليبي سجلوا للتصويت.
وفي السياق ذاته، عقد مجلس الأمن الأربعاء، جلسة مغلقة لبحث آخر الأوضاع في ليبيا. ووفقاً لمجلس الأمن، تناولت الجلسة العقوبات المفروضة على ليبيا، بالإضافة إلى الاستماع لإحاطة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
وخلال الجلسة، قال مندوب ليبيا في مجلس الأمن طاهر السني، إن ليبيا تمر بمرحلة حرجة، وشبح الانقسام السياسي يخيم على البلاد من جديد، مضيفاً أن الأطراف الدولية في مجلس الأمن لم تستطع وصف ما يحدث، لشدة تعقيد المشهد ومدى حساسية الوضع في ليبيا، مضيفاً أن مجلس الأمن عجز منذ سنوات عن إيجاد حلول للأزمة. وشدد السني أنه يجب تركيز كل الجهود والمبادرات على نزع فتيل أي اقتتال محتمل، والعمل على إنجاز الاستحقاق الانتخابي في أقرب وقت ممكن.
وتابع أن الانتخابات هي الضامن الوحيد لإعادة الشرعية إلى الشعب وتحقيق الاستقرار، داعياً الجهات الدولية إلى دعم مفوضية الانتخابات للتجهيز لأي استحقاق قادم، وأن هذا يعكس جدية المجتمع الدولي لإجراء الانتخابات.
وكشف السني أن المشكلة في ليبيا ليست قانونية فقط، بل هي مشكلة سياسية ومجتمعية متراكمة منذ سنوات، وأن أي حلول مقترحة يجب أن تكون واقعية.
وختم السني أن الصراع الدولي الحاصل له تأثير على ليبيا، محذراً من نقله إلى البلاد لتصفية الحسابات، ومحاولة استغلاله للتلاعب بملف الطاقة.
وفي الجلسة، قال مستشار أول الشؤون السياسية بوزارة الخارجية الأمريكية، السفير جيفري ديلورينتيس، إن الوضع الحالي في ليبيا مقلق للغاية، متابعاً أن عديد الجهات الفاعلة التي شرعيتها السياسية موضع تساؤل، تتنافس للسيطرة على الحكومة، معتبراً أن ذلك يزيد من خطر تصعيد العنف، ويزيد من تأخير احتمالية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وتابع، في كلمة حول حول الوضع الليبي أمام مجلس الأمن الدولي الأربعاء، أن الشعب الليبي يطالب بالانتخابات، وليس استمرار التأخير، أو الخلافات التي لا تنتهي بين النخب والمسلحين، ضارباً المثال بعدد المسجلين في قوائم الناخبين الذين ينتظرون وفاء القادة بوعودهم في إجراء الانتخابات.
وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو، قالت هي الأخرى في جلسة مجلس الأمن حول ليبيا، إن السلطة التنفيذية في ليبيا تواجه مشكلة حقيقية قد تعيد البلاد إلى الانقسام من جديد.
وتابعت أن وجود حكومتين في ليبيا يهدد البلاد بعودة الانقسام ويقوض إجراء الانتخابات، داعية إلى ضرورة بدء حوار ينهي حالة الجمود السياسي في ليبيا وحل مشكلة السلطة التنفيذية.
وكشفت ديكارلو أنهم يعملون على تشكيل لجنة مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة للوصول لقاعدة دستورية تمهد لإجراء الانتخابات.
وأردفت، أنهم سينتظرون من مجلس النواب أن يكلف أعضاء لجنته بعد أن كلف الأعلى للدولة لجنته للبدء بالتشاور لإعداد قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات.
وعقب الجلسة، حث المبعوث الخاص سفير الولايات المتحدة لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، على التوصل إلى حل وسط بينما تحاول ليبيا الانتقال إلى المراحل النهائية من الحكم الموقت لتمهيد الطريق للانتخابات.
كما شجع رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة على التعامل مع رئيس الوزراء المكلّف من قبل مجلس النواب فتحي باشاغا، من أجل تجنب تصعيد التوترات التي قد تؤدي إلى العنف. جاء ذلك في بيان أصدرته السفارة الأميركية في ليبيا، مساء الخميس، بشأن زيارة نورلاند إلى العاصمة طرابلس واجتماعه مع كل من الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ولقائه الرؤساء الممثلين عن مجموعة العمل الاقتصادية المنبثقة عن لجنة المتابعة الدولية لمسارات عملية برلين.