ليبيا: دول كبرى تدخل على خط المطالبة بآلية تحقيق مستقلة في كارثة درنة… ومخاوف من صدمات نفسية قد يتعرض لها الناجون

نسرين سليمان
حجم الخط
0

طرابلس – «القدس العربي»: أعلن الناطق باسم قوات حفتر أحمد المسماري، وصول عدد وفيات السيول والفيضانات في مدينة درنة إلى 4154 حالة حتى مساء الخميس، وذلك بعد انتشال ست جثث من ضحايا كارثة درنة الخميس 28 سبتمبر، وفق الإحاطة اليومية التي ينشرها.
وتمكنت النيابة العامة الخميس، من حبس أربعة مسؤولين آخرين في كارثة انهيار سدي درنة، بعد مواجهتهم بقصور أدائهم الوظيفي، ما أدى لحدوث فيضان مهول باغت سكان المدينة.
وأوضح مكتب النائب العام، في منشور عبر صفحته على فيسبوك، أن المسؤول عن إدارة إجراءات الدعوى بشأن الكارثة استجوب عضوي المجلس البلدي درنة، ومدير مكتب مشروعات إعادة إعمار المدينة، ورئيس اللجنة الفنية المكلفة بتنفيذ مخطط إعمارها.
وأضاف أن المحقق أحاط المستجوبين بواقع إساءة إدارة العمل الإداري والمالي الموكل إليهم، وإسهام قصور أدائهم الوظيفي في حدوث فيضان مهول باغت سكان المدينة، فتسبب في وفاة الآلاف منهم، ورتب خسائر اقتصادية جسيمة.
وانتهى المحقق، حسب البيان، إلى الأمر على ذمة القضية، ومضى في طلب بقية الإجراءات التي تلزم الدعوى، ضمن تدابير استجلاء عدالة إدارة الأموال المخصَّصة لإعادة إعمار مدينة درنة، وبحث مدى إخلال مكونات السلطة المحلية بواجب إدارة مرفق السدود في المدينة على النحو الأمثل.
والإثنين الماضي، أعلن مكتب النائب العام تحريك الدعوى الجنائية ضد 16 مسؤولاً في إطار تحقيقات أجراها بشأن حادث انهيار سدي وادي درنة وأبومنصور جراء الفيضانات والسيول التي تسببت فيها الإعصار دانيال.

تحقيق مستقل..

وفي السياق، شدد رؤساء الدول المشاركون للفريق العامل المعني بالقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، التابع للجنة المتابعة الدولية بشأن ليبيا المنشأة بموجب عملية برلين (هولندا، سويسرا، البعثة الأممية) على أن حجم الكارثة في درنة والادعاءات المنتشرة بشأن الفساد والإهمال وعجز الحوكمة وغياب المساءلة كلها أمور تتطلب آلية تحقيق مستقلة.
وأوضح رؤساء الدول في بيان أمس، أن الشفافية والحكم الرشيد أمر بالغ الأهمية من أجل تحقيق التعافي وإعادة الإعمار على أساس يراعي الحقوق، مشددين على أن الوضع القائم المتمثل في استمرار الانقسام السياسي والمؤسسي، وغياب المساءلة عن المقدرات والموارد الوطنية لا يمكن أن يستمر، وفق تعبيرهم.
وفي حين قدم البيان التعزية لليبيين عموماً وأهالي المناطق المتضررة خصوصاً بتاريخ أمس، عبر عن “تعرض الليبيين للخذلان بسبب العجز الحاد في الحكومة في ليبيا”، داعين إلى أن تكون المأساة التي حلت بدرنة حافزاً لإنهاء الجمود السياسي.
وأكد البيان أن السيول خلفت دماراً كبيراً في مدينة درنة، بوفيات تجاوزت 4255، و8540 مفقوداً، ونزوح أكثر من 43 ألف شخص.

الأطفال في خطر..

وفي سياق آخر، أثرت الإعصار التي ضربت مدن الشرق الليبي على كافة الفئات المجتمعية، الا أن الأطفال جاؤوا في المقدمة، حيث قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في تقرير جديد، إن أكثر من 16 ألف طفل في شرق ليبيا نزحوا بعد أعنف عاصفة مسجلة في تاريخ أفريقيا، مشيرة إلى أن سلامتهم النفسية والاجتماعية على المحك، خاصة أن هناك عددًا أكبر بكثير من الأطفال تأثروا بسبب نقص الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم وإمدادات المياه الصالحة للشرب.
وأكدت يونيسف، في بيان الخميس، أنها تعمل مع السلطات والشركاء منذ بداية المأساة للاستجابة للاحتياجات العاجلة للأطفال والأسر في المناطق المتضررة.
وقالت المديرة الإقليمية للمنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أديل خضر، والتي عادت من زيارة إلى البيضاء ودرنة: “لقد رأيت الخسائر المدمرة التي خلفتها الفيضانات على الأطفال والعائلات. التقيت بعائلات تعاني من عبء نفسي كبير وتحدّثت إلى أطفال يعانون من ضيق نفسي شديد، العديد منهم لا ينامون وغير قادرين على التفاعل واللعب. لا تزال ذكرى ما حدث تطارد أحلامهم وأفكارهم. لقد حان الوقت للتركيز على التعافي، بما في ذلك دعم إعادة فتح المدارس، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وإعادة تأهيل مرافق الرعاية الصحية الأولية، وإعادة تأهيل شبكات المياه. المأساة لم تنته، يجب ألا ننسى أطفال درنة والبيضاء”.
وتابع البيان: “في حين أن عدد الضحايا من الأطفال لم يتأكد بعد، فإن يونيسف تخشى أن مئات الأطفال فقدوا حياتهم في الكارثة، بالنظر إلى أن الأطفال يشكلون حوالي 40% من السكان”.
وحذرت المنظمة من أن الأمراض المنقولة بالمياه تشكل مصدر قلق متزايد بسبب مشاكل إمدادات المياه، والأضرار الكبيرة التي لحقت بمصادر المياه وشبكات الصرف الصحي، وخطر تلوث المياه الجوفية، مشيرة إلى تقديرات في درنة وحدها تتحدث عن تضرر 50% من شبكات المياه. وأشارت المنظمة إلى المساعدات التي قدمتها لدعم الأطفال في شرق ليبيا بشكل فاعل منذ اليوم الثاني من الأزمة، حيث جرى تسليم 65 طنًا متريًا من إمدادات الإغاثة إلى المناطق المتضررة، بما في ذلك الإمدادات الطبية لـ 50 ألف شخص لمدة ثلاثة أشهر، ومستلزمات النظافة الخاصة بالعائلات لحوالي 17 ألف شخص، و500 مجموعة ملابس شتوية للأطفال، و200 حزمة أدوات مدرسية و32 ألف مجموعة أقراص تنقية المياه.

صدمة نفسية..

وفي سياق متصل، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود الدولية إطلاق أنشطة طبية تركز على دعم الصحة النفسية للأشخاص الذين فقدوا كل شيء في المناطق المنكوبة جراء الفيضانات في ليبيا. وبعد مضي أسبوعين على الإعصار المدمرة في مناطق شمال شرق ليبيا، نقل رئيس قسم الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود ميشيل أوليفييه لاشاريتيه الموجود في درنة، حالة السكان المتأثرين بشدة بهذه الكارثة، وفقد العديد من الأشخاص منازلهم أو أفراد أسرهم أو كليهما في الغالب. وفيما يخص الرعاية الصحية، يوضح ميشيل أوليفييه لاشاريتيه أن نظام المستشفيات ليس مرهقًا، ولم تكن هناك سوى زيادة محدودة في عدد المرضى المرتبطين بالكارثة نفسها، ويتكيف نظام المستشفيات بشكل جيد على الرغم من الوضع، كما أن المستشفيات الميدانية التي أنشأتها حكومات أجنبية بدأت العمل بعد أيام قليلة من الإعصار.
غير أن هياكل الرعاية الصحية الأولية تأثرت بشكل خاص بالكارثة، فقد دمرت الفيضانات بعض مراكز الرعاية الصحية الأولية، وتوفي العديد من الإطارات الطبية والمساعدين الطبيين في الفيضانات أو هم الآن في حالة حداد على أقاربهم أو زملائهم من بين الضحايا، في وقت يجرى دعم بعض مراكز الرعاية الصحية الأولية من قبل العديد من المتطوعين الذين جاؤوا من جميع أنحاء ليبيا للمساعدة، وفق المسؤول في أطباء بلا حدود.
وبعد مضي أسبوعين، يمكن الإشارة إلى أن الكثير من العاملين في مجال الصحة ما زالوا في عداد المفقودين أو في حالة حداد، وأن المتطوعين الذين جاؤوا للمساعدة في الأيام الأولى بدأوا في المغادرة. وكشفت المنظمة عن دعمها مركزين للرعاية الصحية الأولية منذ 20 أيلول/سبتمبر، بعدما قدّم أطباؤها 537 استشارة في مركزي الرعاية الصحية الأولية في إمبوخ وسالم ساسي، وملجأ مدرسة أم القرى، وكانت الاستشارات تتعلق أساسًا بالأمراض غير المعدية (السكري وارتفاع ضغط الدم) للبالغين والتهابات الجهاز التنفسي والإسهال لدى الأطفال. وبخصوص دعم فريق الأطباء النفسيين، أفادت المنظمة عبر مبعوثها إلى درنة، بتقديم خدمات الصحة العقلية لمجموعتين ذواتي أولوية من سكان المدينة، وهم “من فقدوا كل شيء ويعيشون الآن في ملاجئ موقتة، بالإضافة إلى الطواقم الطبية أو شبه الطبية والمتطوعين العاملين في المؤسسات الصحية”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية