إسطنبول – محمد شيخ يوسف: أجمع خبراء ليبيون على أن الضغوط الشعبية هي ما أجبر المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة على الاستقالة، مقللين من الآمال المنعقدة على المنظمة الدولية في تعيين مندوب جديد يفتح أفق العملية السياسية بالبلد الغارق في أتون أزمة منذ سنوات.
والإثنين، أعلن سلامة الذي تولى منصبه الأممي في يونيو/ حزيران 2017 خلفا لـ”مارتن كوبلر”، أنه طلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إعفاءه من منصبه لـ”ظروف صحية”.
واعتبر الخبراء أن البعثة الأممية في ليبيا، وعلى رأسها سلامة، لم يدينوا هجمات قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس رغم تواجدهم فيها، بل ساوت بين الأطراف السياسية.
كما قللوا من الدور الأممي في ليبيا رغم أن هناك فرصة لتعيين مبعوث جديد أكثر حيادية، إلا أن سيطرة دول كبرى على مجلس الأمن يقلص من فرص تعيين تلك الشخصية الحيادية.
ترحيب بالاستقالة
الخبير والمحلل السياسي مصطفى الساقزلي، رأى أن “استقالة غسان سلامة لاقت ترحيبا كبيرا من عامة الناس، نتيجة فشله في مهمته بإرساء السلام في ليبيا”.
“استقالة غسان سلامة لاقت ترحيبا كبيرا من عامة الناس، نتيجة فشله في مهمته بإرساء السلام في ليبيا”.
وأضاف: “كذلك رأي العديد من الليبيين وخاصة أهل طرابلس والغرب (الليبي) في عدم الحيادية (سلامة)، بسبب تردده الدائم في إدانة جرائم قصف طرابلس، والتسوية مع الفاعل، والعدوان على العاصمة”.
وعن تداعيات الاستقالة، لفت إلى أن “هذا أمر يتخوف منه الليبيون، فالاستقالة قد تفتح الباب لمندوب آخر يعطي أملا لليبيين ويكون أكثر حيادية، ويستطيع الوصول والسماع واستيعاب كافة الليبيين وهذا مأمول، ولكن هناك تخوف من دول مؤثرة في مجلس الأمن قد تأتي بشخص قد يكون أداؤه أسوأ من سلامة”.
كما أشار إلى وجود “ترحيب شعبي كبير باستقالة سلامة، ولم يكن هناك استياء من الاستقالة، ولم نجد من يدافع عنه، فالاستقالة هي فرصة جديدة في حال استفاد منها الليبيون بإرجاع القضية إلى البيت الليبي وجعلها ليبية ليبية، وأن تكون بداية لحل حقيقي لليبيا”.
وختم بالقول “هناك مخاوف من مجيء مندوب آخر يحافظ على سياسة سلامة، بسبب ضغوط دول مؤثرة بمجلس الأمن، وأن يأتي شخص أكثر كفاءة وحيادية، ولا يوجد لديه أي تحيز لأي طرف، إلا بإقامة السلام والعدل في ليبيا”.
الدور الأممي معقد ومربك
من ناحيته، قال الكاتب سمير شقوارة: “كان هناك في منصات التواصل الاجتماعي حملة ضد غسان سلامة ومطالبات له بالرحيل، نظرا لعدم توفيقه في ليبيا، ودوره غير واضح، وغير مجدي”.
وأردف: “لم يتكلم عن القصف والإدانة إلا متأخرا وتحت ضغوط، فالشارع وخاصة في الغرب (الليبي) والحراك كانوا غير راضيين عنه، هناك من تأسف على استقالته، وبعضهم رحب وتمنى الخير”.
وذهب إلى أن “دور الأمم المتحدة في العملية السياسية بليبيا، معقد ومربك، والليبيون مستبشرون برحيل سلامة، لعدم تقديمه شيئا لتسيير العملية السياسية، وهو المرجو أن يكون خيرا”.
كما اعتبر أن “الدور السياسي سيكون أكثر جديا بعد غسان سلامة، لأن القوات التي تهاجم طرابلس تدك بالصواريخ والمدفعية الأحياء المدينة والمستشفيات والمطارات، ما خلف غضبا شعبيا عارما في طرابلس والمنطقة الغربية، وأدى إلى شن حملة ضد الممثل الأممي لعدم إنصافه”.
وختم قائلا: “ولهذا كان تأثير الحملة كبيرا وأتت ثمارها، وأعتقد أن المبعوث الأممي الجديد سيكون منصفا وهو ما نأمله”.
جمود العملية السياسية
أما المحلل السياسي والكاتب نزار ميلاد كريكش، فرأى من جانبه أن “الاستقالة لم تكن مفاجئة، فالضغوطات من النشطاء والإعلام لم تتوقف، كما أن مؤشرات كثيرة تدل على الفشل الذريع للبعثة”.
وأوضح: “لعل أهم أسباب الفشل هو الهجوم على العاصمة بوجود الأمين العام والمبعوث في طرابلس، يتحدثون عن السلام ويؤكدون بأن حفتر لن يعتدي على العاصمة، وهو ذلك الإسفين الذي أفقد الليبيين ثقتهم في كل ماتقوله البعثة، وما وراء ذلك كانت مجرد محاولات يائسة”.
وأعرب الخبير عن اعتقاده بأن “الاستقالة لن تغير كثيراً من المشهد، ومهما كانت قوة المبعوث الجديد، فإن تأثيرة سيكون محدوداً، فكل الدراسات تؤكد عدم واقعية مقاربات الأمم المتحدة في الدول التي تعاني من نزاعات مسلحة”.
وأكد أنه “حين كان الخطأ في المقاربة والمدخل للدول التي تعاني من ترهل مؤسساتها، لم يكن للأشخاص التأثير الفارق”.
وعن تأثيرات ذلك على حكومة الوفاق الشرعية، قال إن “الأخيرة قد تستفيد من تغيير المبعوث لأنه من الواضح أن الرسالة كانت تصل مشوهة للعالم من خلال محاولات المبعوث السابق الظهور بمظهر التوازن في واقع مليء بالتناقضات”.
وشدد على أن هذه المواقف “جعلت إحاطات المبعوث أشبه بحالة من التنافر المعرفي الذي يصر صاحبها على رؤيته، رغم أن الوقائع لا تصدقها، فالعملية السياسية لن تتحرك إلا بتغير دراماتيكي على الأرض”. (الأناضول)