ليبيا: هل تتكرر الأمثولة السورية؟

حجم الخط
6

التفاهمات التركية ــ الروسية في الملفّ السوري لم تمنع تعهّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالإبقاء على نظام بشار الأسد، ولو إلى حين من الدهر ينتظر السياقات الملائمة؛ كما أنها لم تمنع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من اجتياح الأراضي السورية، قبل خوض عمليات “درع الفرات”، وتشكيل جيش محتسَب على “المعارضة” السورية ولكن بوصاية تركية وثيقة. ومَن يتذكّر واقعة إسقاط الطيران الحربي التركي طائرة روسية من طراز سوخوي ــ 24، وما أعقبها من تدهور شديد في العلاقات بين أنقرة وموسكو، ثمّ ما تلى الشدّ والجذب من اتصال وتوافق؛ لن يصعب عليه استبصار السيناريو ذاته، أي التوافق في قلب التصارع، بصدد الملفّ الليبي راهناً.

ذلك لأنّ بوتين، وليس بواسطة الجيش الروسي مباشرة، بل من حيث الابتداء عن طريق وحدات مرتزقة فاغنر، غير البعيدة البتة عن إدارة الكرملين؛ وجد مساحة وهامشاً وعدداً من الأحجار التي تتيح له الدخول إلى رقعة الشطرنج المعقدة التي تشهدها ليبيا. ولقد يسّر هذا الدخول أنّ خطط اللعب الأخرى الدولية والإقليمية ليست برسم الانتقال إلى مرحلة الخواتيم واختتام اللعبة، بقدر ما هي تتشابك وتتقاطع وتختمر، على دروب التسويات الشائكة الوعرة.

أردوغان، من جانبه، وسيراً على نهج إقليمي يتوخى تحويل تركيا إلى لاعب مقرِّر وحاسم أحياناً، وليس مجرّد مشارك فرعي أو محاصِص هامشي؛ اعتمد نهج توسيع مناطق التأثير في شمال سوريا وشمال العراق، أو عبر التوغل العسكري وحروب التطهير المصغرة ضدّ الكرد، أو رعاية بعض المنظمات الجهادية على نحو يجعلها ورقة تفاوض، أو (كما فعل مؤخراً) الإقدام على نقلة كبرى حاسمة، جيو ــ سياسية بامتياز، متوسطية من حيث الإجراء لكنها أطلسية من حيث النطاق، تمثلت في الاتفاق الأمني الستراتيجي مع حكومة الوفاق الليبية.

وقد يكون من الإنصاف التذكير بأنّ موسكو استبقت أنقرة في الدخول إلى رقعة الشطرنج الليبية، وذلك حين عقدت اتفاقاً عسكرياً مع نظام عبد الفتاح السيسي يتيح للطيران الحربي الروسي استخدام قاعدة جوية مصرية على المتوسط، تبعد 50 ميلاً فقط عن الأجواء الليبية. وإذْ يضع المرء في الاعتبار مقدار انخراط السيسي في دعم خليفة حفتر وما يُسمّى “الجيش الوطني الليبي”، ثمّ المصلحة الروسية في الوقوف إلى جانب حفتر من زاوية استئناف عقود النفط الماراثونية التي جرى توقيعها في سنة 2008 مع نظام معمر القذافي؛ فإنّ من المنتظر تضخّم التدخل العسكري الروسي في ليبيا، وانقلاب بيادق موسكو الراهنة، المتمثلة في مرتزقة فاغنر، إلى قلاع.

وضمن سيناريوهات مثل هذه، وفي ضوء غياب “المجتمع الدولي” شبه الكامل عن الفعل في أيّ من ملفات ليبيا المتفجرة، يُنتظر أن يتساوى حفتر مع فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني من حيث الخضوع للإرادات الخارجية الإقليمية والدولية؛ مع فارق “أخلاقي” على نحو ما، هو أنّ الأوّل عميل سابق في المخابرات المركزية الأمريكية، وهو اليوم الوكيل المعلن لجهات التدخل الخارجي ومفارز المرتزقة الآتين من كلّ حدب وصوب. هو، كذلك، جنرال على شاكلة دونكيشوتية وبالمعنى الأرذل للتشبيه، يخوض معارك طواحين الهواء منذ نيسان (أبريل) الماضي، وقصوى إنجازاته سفك دماء المدنيين بطائرات مسيّرة أو حربية غير ليبية.

الثاني، السرّاج، قدّم مؤخراً كاشفاً مأساوياً، ولكنه واقعي تماماً، حول معنى الاعتراف الدولي بحكومته، وحدود استيهام الشرعية على الأرض وفي الواقع الفعلي لتعاقداته مع الميليشيات المحلية؛ إذْ استنجد بخمسة أصدقاء (الجزائر وتركيا وإيطاليا وبريطانيا وأمريكا)، لا يجمع بين مصالحهم في ليبيا أيّ جامع وفاقي. لكنه، أغلب الظنّ، يدرك الأبعاد الأخرى لجدل امتناع بعض هؤلاء “الأصدقاء” عن مدّ يد العون، أو مسارعة بعضهم إليه، طبقاً لأجندات يصعب أن تكون ثنائية مع طرابلس؛ لأنها، ببساطة، لن تتخذ سمة التفعيل الميداني إلا إذا اقترنت بثنائيات أخرى، على غرار أنقرة/ موسكو في المقام الأول.

وإذا صحت الأمثولة السورية في ليبيا، فإنّ القليل من الزمن سوف ينقضي قبل افتضاح الخطط على رقعة شطرنج، بدأت وتبقى مضرجة بدماء الليبيين.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد على مصرى وافتخر:

    لايوجد وقت لذالك
    كلها أسابيع فقط
    والجيش الوطني الليبي سوف يسيطر على
    كل الاراضى الليبية
    ويتم التخلص من كل الخونة الذين اردوا
    ان تحكمهم تركيا

  2. يقول تيسير خرما:

    استفزاز تركيا للعالم بالماضي تسبب بتحجيمها لحدودها الحالية فطردتها روسيا القيصرية من دول آسيا الوسطى والقوقاز والقرم وطردتها أوروبا من شرق أوروبا والبلقان وطردها العرب من الوطن العربي، والآن يتراكم استفزاز تركيا للعالم وسيقود ذلك لتكاتف دولي لتحجيم أكثر لتركيا بإبعادها عن حدود أرمينيا وإيران والعراق وسوريا وعن شواطيء المتوسط وإيجة ومرمرة بعمق 200كم وطول 2800كم وإعادة تلك المناطق لشعوبها الأصلية أرمن وأكراد وعرب ومسيحيي بيزنطة وقصر إنفاق ثروات المنطقة لتحسين عيش مواطنيها وحصر تركيا بوسط الأناضول

  3. يقول Thomas Johansen:

    Might makes right
    Talk is cheap
    Erdogan a naive politician
    Facts: Erdogan did big mistake by listening to Putin and letting down Aleppo region military front in 2015& & now he ish turning shy eye off Russian air bombing & massive slaughtering of civilians in Idleb frontier he is scattered he should focus on controlling north east Syria & Idleb instead of his rhetoric about libya
    Erdogan is loosing popularity as honest strong leader every day , he is all talk & mo walk
    As long as he stays close to Putin he will loose his politic strategy
    And time will tell

  4. يقول Haysam:

    الكثير من الحروب ضد الدول العربية والا سلاميه ليست بصالح الغرب ولا المسيحيه..لان العرب و المسلمين سيتركون دولهم ويهاجرون الى آوربة وامريكة و حتى الى نيوزيلندا. اسلمة اوربا نراها بكل مكان.
    ويمكرون والله خير الماكرين
    هذا للسيد خرما

  5. يقول سلام عادل(المانيا):

    السيد Haysam
    ولكن التاريخ يعيد نفسه او يتم اعادته ببرمجة من اطراف خفية فالان يعاد اسلمة الدول الاسلامية بمعنى ايدلوجي وليس عقائدي فمفهوم الخلافة وتطبيق الشرع هموم كل مسلم عادي اما في اوربا سيزرعون هؤلاء ليكونوا خطر على اوربا ثم تكرر ماساة الاندلس فيختفي الاسلام من اوربا وتستعيد مسيحيتها من خلال اعادة الكنيسة للواجهة فالدين كما يقولون افيون الشعوب وهو سبب كل مصائبنا

    1. يقول Haysam:

      الى سلام عادل.. فلتكن الأندلس ثانية…نحن الرابحون مره اسلام ومره مسيحية ولكنم لن تقدروا على إبادة العرب مثلما فعلتم بالهنود الحمر. هذا عصر الانرنت…جربوا أندلس ثانية وسترون

إشترك في قائمتنا البريدية