ليز تراس: ثقة الأسواق قبل صناديق الاقتراع

حجم الخط
7

كانت مفارقة تتجاوز مصادفات التاريخ القاسية أن يوم الإعلان عن انتخاب ليز تراس زعيمة لحزب المحافظين، وبالتالي لرئاسة وزراء بريطانيا، شهد هبوط الجنيه الإسترليني إلى معدل لم ينحدر إليه منذ 37 سنة أمام الدولار الأمريكي. وكان منطقياً بالتالي الافتراض بأن ما تحتاج إليه تراس ليس ثقة ناخبي الحزب فقط وهم في كل حال لا يتجاوزون 1٪ من مجموع سكان البلد، وليس حتى ثقة صناديق الاقتراع عموماً في انتخابات 2024 التشريعية المقبلة أو أي انتخابات طارئة، بل هي تحتاج أيضاً إلى ثقة الأسواق والبورصات في الداخل كما في الخارج على نطاق أوروبا والعالم.
وكان لافتاً أن أسبوعية «إيكونوميست» البريطانية العريقة، التي تعكس عادة وجهات نظر اقتصاد السوق والشركات العملاقة والفلسفات الليبرالية والمحافظة في آن معاً، لم تنتظر سوى ساعات قليلة أعقبت إعلان فوز تراس حتى أصدرت عليها حكماً لا يقل قسوة، في أنها «رئيسة وزراء دولة صغيرة في حقبة الدولة الكبيرة». ولعل نقاط ضعف تراس تبدأ من حقيقة أنّ نسبة الثقة التي حظيت بها من الـ172 ألف عضو في الحزب كانت أقلّ من تلك التي نالها سلفها بوريس جونسون. نقاط الضعف التالية الأبرز سوف تتعاقب جراء الوعود الكثيرة التي قطعتها تراس خلال أسابيع الحملة الانتخابية، والتي قد يتوجب أن تتراجع عنها تباعاً أيضاً، أو حتى تنقلب عليها أو تعتمد نقائضها، خاصة في مواجهة سلسلة أزمات الاقتصاد المتعددة وارتفاع أسعار الطاقة ومشكلات القطاع الصحي والإضرابات الشاملة المتوقعة خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
أحدث الأمثلة على تقلبات تراس، وأوضحها ربما، أنها تراجعت عن مقترحها الأول في معالجة طوارئ ارتفاع كلفة المعيشة عن طريق خفض الضرائب أو مساندة القدرة الشرائية، فلم تجد أمامها من سبيل آخر سوى تبنّي الحل الذي اقترحه حزب العمال المعارض والمتمثل في تجميد الأسعار. واضطرارها إلى التراجع عن وعود تخفيض الضرائب أو التحايل على هذا الملف الشائك سوف يشكل أولى بوادر السخط ضدها في صفوف أعضاء الحزب داخل البرلمان، خاصة وأنها لا تتمتع عندهم بشعبية نسبية مماثلة لتلك التي امتلكتها على نطاق أعضاء الحزب عموماً، إذْ منذ انطلاق السباق إلى 10 داوننغ ستريت لم تفلح مرة واحدة في هزيمة منافسها ريشي سوناك ضمن استطلاعات رأي البرلمانيين المحافظين.
ولأنها بعيدة كثيراً عن وراثة رئيسة الوزراء البريطانية الأسبق مارغريت ثاتشر وحيازة لقب «السيدة الحديدية» كما يجمع غالبية المراقبين بما في ذلك الأكثر تعاطفاً معها، فإن تراس بدت منسجمة مع ذاتها في خطبة قبول الزعامة حين أغدقت المديح على شخص بوريس جونسون ولكن في ملفات تخص الماضي وليس الحاضر أو المستقبل القريب. كل هذا عدا عن استطلاعات الرأي التي تشير إلى حظوظ أوفر لحزب العمال إذا جرت انتخابات تشريعية اليوم، والمشكلات المختلفة التي تعصف بحزب المحافظين في مستويات شتى تبدأ من أوجاع الاقتصاد ولا تنتهي عند إعادة النظر في مآلات البريكست وتعقيدات العلاقة مع سكوتلندا وإيرلندا والسياسة الخارجية والمراجعات النظرية لفلسفة الحزب وعقيدته.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول إبسا الشيخ:

    تحياتي لقدسنا العزيزة علينا
    مبروك لرئيسة الحكومة البريطانيه الجديدة ،وننتظر من ليز تراس بعض التغييرات تبدأ أولا من الداخل ثم الخارج

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    ” فإن تراس بدت منسجمة مع ذاتها في خطبة قبول الزعامة حين أغدقت المديح على شخص بوريس جونسون ” إهـ
    تراس ستكون المنفذ لسياسة جونسون بحذافيرها !
    فهذه المرأة المتقلبة نجحت لأن منافسها الإقتصادي الموثوق من أصل أجنبي !! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول سامح //الأردن:

    *ف الدول (الديمقراطية) الكرسي لا يشكل مشكلة كما ف الدول المستبدة.
    إذا فشلت السيدة تراس تترك الكرسي وتذهب
    لبيتها كما فعل أسلافها..
    المشكلة عندنا في دولنا العربية المنكوبة
    الحاكم لا يترك الكرسي حتى لو دمر وخرب
    وحرق بلده..؟؟!!
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد.

  4. يقول مظفر:

    ليز تراس مثلها مثل تيريزا ماي (هل يتذكرها أحد) كلتاهما أتين في الوقت الضائع. الأولى خلفت ديفيد كامرون الذي خسر مقامرة البريسكت الشهيرة التي آلى فيها على نفسه بالإستقالة إذا صوت الشعب البريطاني على الخروج من الإتحاد الأوروبي وقد كان ويحسن لكامرون أنه وفى بوعده. أما الثانية فقد جاءت بعد فضائح مخزية قام بها جونسون والمفارقة أن تراس هذه لعبت لعبة مع جونسون ففي البداية كانت من أشد المؤيدين لجونسون رغم فضائحه ثم بدأت تتلون ثم اختارت أن ترشح نفسها بعد أن اشتد الوطيس على سلفها جونسون وبعد أن تأكدت أنه لابد راحل وتم تأييد ترشيحها كي لا يتمكن ريشي سوناك الهندي الأصل من الوصول إلى سدة رئاسة الوزراء وعليه اقول أن كل وعود تراس هذه هي مجرد هواء ساخن ولن تتمكن من تحقيق أي منها ولن يُرجى منها إلا كما كان يُرجى من تيريزا ماي. إن أسوأ مافي الديموقراطية هي أن تختار بين سيء وأسوأ و الأنكى من ذلك أن الشعب البريطاني ليس هو الذي اختارها بل بإقتراع من حزبها. ديموقراطية مزيفة!

    1. يقول محمد احمد العمده. السودان:

      صدقت.

    2. يقول فراس-سوري في ميونخ:

      صدقت جبتها من الآخر…

      منصورين بعون الله

  5. يقول ابو السعيد:

    أضعف رئيسه وزراء فى تاريخ بريطانيا على،الإطلاق

إشترك في قائمتنا البريدية