يُبث في إسرائيل هذه الأيام برنامـــــج جديد يقدمه يوسي ألفي، حيث يطلب فيه من أبناء الطوائف الشرقية اليهودية الذين حضروا من الدول العربية، أن يحكوا ما حدث لهم، وذلك من أجل ‘المستقبل التاريخي، ولكي تكون درسا للأجيال القادمة’، هذه الحكايات التي كانت بعيدة عن أعين وآذان الجمهور. (هآرتس 12/6/2013).
ولكن تبين أن وراء هذا البرنامج الذي تموله الحكومة الإسرائيلية، أهداف آنية. فمنذ قيام الدولة العبرية رفض دافيد بن غوريون أحد مؤسسيها، وأول رئيس للوزراء فيها، أن تعتبر الحكومة الإسرائيلية اليهود الذين هاجروا إليها بأنهم لاجئون، بغض النظر عن الدول التي أتوا منها، لأن ذلك يتناقض مع الفلسفة الصهيونية التي قامت على أساسها دولة إسرائيل، والتي تقول انها دولة اليهود وطالبت الجاليات اليهودية في العالم بالهجرة إليها، على أساس أنهم ‘عائدون إلى وطنهم الأصلي’، ولكنه وافق على أن يحصلوا على تعويضات مادية عن أملاكهم ومعاناتهم، خصوصا يهود أوروبا، الخارجين من تحت مخالب النازية، الشيء الذي ساعد الدولة الفتية على الوقوف على رجليها اقتصاديا .
ولكن في عام 2009 قررت الحكومة اليمينية في إسرائيل تغيير هذا الاتجاه بالنسبة لليهود الذين هاجروا من الدول العربية والإسلامية، واعتبرت أنهم طردوا من بلادهم وخسروا كل ممتلكاتهم وأموالهم، وبالتالي تنطبق عليهم كنية لاجئين.
وتجري بين الحين والآخر دراسة في إسرائيل حول هذا الموضوع، والهدف منها إبقاء هذه الموضوع حيا لأهداف سياسية، خصوصا بعد أن تبين أن الرأي العام العالمي أخذ يدعم الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية، خصوصا قضية اللاجئين الفلسطينيين بعد مضي 65 عاما على وجودهم في المخيمات.
والسرطان الصهيوني يتفشى ليسيطر على كل خلية حية متعلقة بالقضية الفلسطينية. فقد جاء في إحدى هذه الدراسات أن عدد اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل من الدول العربية، وصل إلى 800 الف شخص، وأن عدد الفلسطينيين الذين طردوا من وطنهم كان 700 الف شخص، وهم يعتبرون لاجئين حسب تقرير الأمم المتحدة. بمعنى آخر أن التعويضات متوازنة، وبهذه الفلسفة الصهيونية ستحاول إسرائيل إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين عن طريق تعويضهم ماليا.
وذهبت إسرائيل إلى أبعد من ذلك عندما شجعت أعضاء الجالية اليهودية الشرقية على إقامة لجنة هدفها جمع المعلومات المتعلقة بالممتلكات والأموال اليهودية، التي تركوها في الدول العربية التي حضروا منها. وكانت إسرائيل قد سبقت الأحداث وذلك عندما قامت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 بإنشاء صندوق سمته ‘الصندوق القيم على أموال الغائبين’، وذلك استعدادا لمرحلة مفاوضات مستقبلية بالنسبة لتعويض اللاجئين الفلسطينيين عندما يحين الوقت.
كل هذه الدباجة الصهيونية التي تحاول إسرائيل من خلالها إقناع الرأي العام العالمي بوجهة نظرها، تتهاوى أمام الحقائق التاريخية الدولية. فقد جاء في قرار الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة رقم 194 (أقر يوم 11/12/1948) في الفقرة الحادية عشرة منه، بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة: ‘تقرر وجوب السماح بالعودة للاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى ديارهم، في أقرب وقت ممكن والعيش بسلام مع جيرانهم’.
وهنا مربط الفرس، الحكومة الإسرائيلية لا تعترف بالحق التاريخي للشعب الفلسطيني على أرض فلسطين، ولهذا تعارض إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولا مانع عندها من منطلق صهيوني أن يعيش الفلسطينيون تحت حكمهم، كما هو الحال مع فلسطيني 1948. وتعتقد بأنه يمكن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين عن طريق التعويض المادي، كما حدث مع يهود أوروبا.
أما حق العودة الذي نصت عليه الشرعية الدولية فإنه مرفوض صهيونيا وإسرائيليا. والذي ترفض إسرائيل فهمه والاعتراف به هو أنه بالنسبة للشعب الفلسطيني حق العودة معناه العودة إلى وطنهم، ولهذا فإنهم يصرون عليه. أما التعويض المادي فإنه يأتي نتيجة سرقة أملاك وأموال الفلسطينيين، ونتيجة المعاناة التي لحقت بهذا الشعب منذ 65 عاما.
إن الوطن لا يباع وليس له ثمن، والأملاك ليست وطنا، فعندما تدمر الأملاك يُعاد بناؤها،على أرض الوطن. اليهود الذين حضروا من أوروبا ومن الدول العربية لا يطالبون بالعودة إلى أوطانهم الأصلية، بل يطالبون بالحصول على تعويضات مادية، رغم أن بعض الدول الأوروبية وحتى العربية فسحت المجال لهم بالعودة وإعادة جنسيتهم لهم، مع تعويضات مالية أو إعادة أملاكهم لهم إذا كانت لا تزال قائمة، إلا أن نفرا قليلا منهم قبل هذه الفكرة.
الفلسطينيون يطالبون بالعودة وبناء الوطن أولا، أما التعويضات فتأتي بالمرتبة الثانية، ولهذا السبب ترى الأطفال الفلسطينيين ينسبون أنفسهم للقرى والمدن الفلسطينية التي كانت تسكنها عائلاتهم، قبل طردهـــــم منها على أيدي القوات الصهيــــونية، وهم متشبثون بوطنهم قبــــل أملاكهم وقـــبل معاناتــــهم، تمشيا مع المثل الفلسطيني الذي يقول: ‘نحن باقون بقاء الزعتر والزيتون’.
هذه معضلة أساسية تقف في وجه الوصول إلى أي حل لا يعطي الشعب الفلسطيني حقه، وبدون التغلب عليها لا يمكن إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط كاتب فلسطيني