ليس كل نسوة المدينة «زينبو»!

حجم الخط
1

وقع «مبروك عطية» ولم يسم عليه أحداً، إذ ظن أنه في كل مرة تسلم الجرة، وأن كل النساء «زينبو»، ونسى أن هناك «أبو القمصان وأخواتها»!
منذ سنوات والقنوات التلفزيونية المصرية الرسمية تحتفي بـ «عطية»، إلى أن استقر به المطاف في «أم بي سي مصر»، يحاوره شريف عامر مرة كل أسبوع، وقد وجد نفسه في «الشعوبية»، فاستغرقته في درجاتها الدنيا، فاعتمد لنفسه خطاباً سوقياً، لا يُخاطب به إلا السوقة والدهماء، رغم أنه أستاذ في جامعة الأزهر، يقول تلاميذه إنه لم يكن كذلك، ويقول الذين تابعوه في مرحلة النشأة والتكوين التلفزيونية إن خطابه كان هو الخطاب المعتمد في الوعظ والإرشاد، لكن مع ذيوع الظاهرة العكاشية، نسبة لتوفيق عكاشة، فقد تعكشن، ولا تنسى أنه عندما تم وقف برنامج عكاشة وإغلاق قناته «الفراعين»، حاول كثيرون أن يسدوا الفراغ الذي تركه، لكن فاتهم أنها مدرسة قصيرة العمر، فسرعان ما شعر المشاهد بالتخمة، وعندما عاد عكاشة ذاته للظهور التلفزيوني، فشل فأحالوه للتقاعد مرة أخرى!
بيد أن عطية لا يمكنه إلا أن يواصل الطريق، فيظهر حاملاً باقة من الورد، حتى أطلق عليه العامة «الشيخ وردة»، وأطلق الشيخ مؤخراً قناة على «اليوتيوب»، لاستثمار نجاحه، لكن ليس مؤكداً أن ناجح تلفزيونياً، إلا من حيث كونه مهرجا في سيرك، وليس التهريج هنا صفة مذمومة، فهي وظيفة فنية معتبرة ومقدرة، لا يقوم بها إلا فنان متمكن يطلق عليه «الفنان الاستعراضي»، ولا توجد إلى الآن وسيلة قياس يمكن من خلالها معرفة تفوق برنامج تلفزيون أو مقدم لبرنامج بعينه، وحتى اهتمام منصات التواصل الاجتماعي ليس دليلاً على ذلك، فكثير من الاحتفاء أو النقد لما يقال في البرامج التلفزيونية ليس تعبيراً عن المشاهدة المباشرة عبر التلفزيون، بل ليس تعبيراً عن المشاهدة عبر المنصات نفسها، فيكفي أن يكتب أحدهم مقطعاً بطريقة مثيرة حتى ينتشر انتشار النار في الهشيم، وقد لا يكون ما كتب صحيحاً، أو دقيقاً.
وبالتالي، فهم إن قالوا إن «عطية مبروك» له جماهيره التي يروق لها هذه الشعوبية في درجاتها المتدنية، فلا دليل على ذلك، وإن كنت لا أنكر أنني أشاهده أحياناً من باب التسلية، فأجد تكراراً مملاً، حتى بالنسبة للاتصالات الهاتفية، فالجميع «زينب»، التي راج اتصالها، لاسيما وقد خاطبها هو بـ «زينبو»، لكن ليس كل النسوة «زينبو»، فهناك المجلس القومي للمرأة، من الصفوة المختارة التي عين عبد الفتاح السيسي أعضاء المجلس ورئيسته بالاختيار الحر المباشر، وفقاً للمقاس الأمني المعتمد!
وإذ جاء يتعامل بنفس الطريقة السوقية مع حادث مقتل فتاة المنصورة، على يد شاب موتور، فقد نافق العامة، بإرجاع الجريمة، إلى كون الضحية ليست محجبة، مع استخدام مفردات تليق بأدائه، تصلح للنطق، ويجد من يقرأها صعوبة في الهجاء، وتفقد السياق حيويته لذلك، وفي الكتابة الصحافية يستوجب الابتعاد قدر الإمكان عن ما يمثل صعوبة في القراءة أو النطق، وقد قرأت لأحد المتنطعين هجومه على الصحافة التي تتجاوز الفعل المبني للمجهول ووجدت من يؤوب معه، مع أن الدرس الأول الذي تلقيناه في بداية العمل بهذه المهنة، ابتعد بقدر المستطاع عن الكلمات التي يحتاج نطقها إلى تشكيل، فلما طال عليهم العمر نسوا ما ذكروا به، ولطموا الخدود مع اللاطم، لأن الصحافة شيعت الفعل المبني للمجهول إلى مثواه الأخير، رحم الله موتاكم!

الدعوة للحجاب

هناك من عملوا على توظيف جريمة جامعة المنصورة، في سياق الدعوة للحجاب، ولأن مبروك عطية يعرف من يخاطب، فقد قرر تزعم الموقف، وذلك قبل مقتل طالبة الجامعة الأردنية على يد موتور أيضاً، رغم أنها محجبة أيضاً. بيد أن الحقوقية «أبو القمصان» لم تفوت هذه اللحظة التاريخية، ومن داخل سيارتها هاجمت عطية، وقديماً كانت النخبة النسائية إن لم تكن من «طبقة الهوانم»، حاولت الارتقاء بأسلوبها لتكون اهلاً للانخراط في هذه الطبقة، لكن الشعوبية صارت هي اللغة المعتمدة، فلم تجد نجمات هذا الزمان أنفسهن بحاجة إلى الكلام بالشوكة والسكين، ومن فورها اعتبرت «أبو القمصان» أن ما قالته هو بمثابة بلاغ للنائب العام ضد «مبروك عطية»، وإذا بالمجلس القومي للمرأة يعلن أنه سيتقدم ببلاغ أيضاً للنائب العام ضد «مبروك»!
وقديماً قالت العرب إذا أردت أن تغلب رجل، فاستدعي له امرأة، فاذا أردت أن تهزمها استدعي لها طفلا، لأنه سيحولها إلى مجنونة يزفها الأطفال في الشوارع!
وارتج على «الشيخ مبروك»، وأعلن التنحي، وهو تنحي مؤقت وعلى مسؤوليتي، إلى أن يتجاوز الأزمة، ليس فقد لأنه حُشر في «زنقة الستات»، دار دار زنقة زنقة، ولكن لأنه يدرك هنا أنه قد يروح ضحية النضال المجاني لهذا التجمع الحكومي النسائي، الذي لا يمكنه النضال في ساحته، فيهرب الى الساحات الآمنة، وقد تضحي السلطة به، اعلاء من قيمة الدولة التي تكرم المرأة وتعلي من قدرها!

النساء المعتقلات

فالمجلس الموقر، لا يمكنه أن ينطق ببنت شفة دفاعاً عن النساء المعتقلات في ظروف اعتقال قاسية، وبعضهن تم اعتقالهن بدون فعل إلا تنكيلاً بالوالد أو الأخ، كما حدث مع كريمة الشيخ القرضاوي، والتي تم أفرج عنها بعد أربع سنوات بتدخل الدولة القطرية بكل ثقلها، وشقيقة الوزير السابق الدكتور محمد محسوب، المعتقلة لمجرد أنها شقيقته، تماماً كما سجنت شقيقة المعتقل علاء عبد الفتاح، لأنها دافعت عن حقها وحق والدتها في الحصول على خطاب منه يطمئن الأسرة على وضعه الصحي في ظل جائحة كورونا!
وهنا وجد المجلس القومي للمرأة في عطية مبروك فرصة تاريخية، فهدد وتوعد، وإذا كان خطاب الشيخ معتمدا رسمياً بدليل هذا الاحتفاء التلفزيوني، في وقت يشكو فيه شيخ الأزهر من حصار الإعلام للمؤسسة، إلا أنه يدرك أنه قد تتم التضحية به وليس له دية، وتظهر السلطة في مظهر الذي يدافع عن حقوق المرأة، ففوت عليهم الفرصة وتنحى إلى حين أن تعود الأجواء لطيفة كما كانت، فينشغل بـ «زينبو»!
نحن في سيرك تنصبه السلطة.

أرض جو:

من سمات الشخص الذي يعيش داخل نفسه، أنه لا يتأثر بالدائر خارجها لأنه لا يشعر به، لينطبق عليه الإعلان التلفزيوني القديم (في التسعينات) لشركة قبنوري لتصنيع المطابخ «ضد الميه ضد النار..»، وكذلك الرئيس قيس سعيد، الذي لا يبدو مكترثاً بالمظاهرات والاحتجاجات عليه، لأنه لا يراها، ولا يشعر بها، وهذا سر قوته، مع ضعفه، فلا يملك القوة كالسيسي، ولا يملك الجماهير كعلي عبد الله صالح، ولو صار في شارع ضيق واجتمعت نسوة المدينة من الجانبين وألقين عليه الماء من أعلى أسطح المنازل، فلن يفعل غير أنه يثير أثاره عن وجهه ليتمكن من الرؤية ليواصل السير!
وقد ضبط متلبساً بموقف معارض لموقفه الحالي من نص دين الدولة في الدستور، وهو الآن يتفلسف فيحاول بصعوبة تذكر كلمات المعارضين في السابق، فعندما يجد أن ذهنه لا يحتفظ بما قالوا ولو جملة واحدة مكتملة يرطن بكلمات فرنسية، ثم يجد المنتج في النهاية غير مكتمل النمو، فيعيد ويزيد فيصبح الأمر أكثر تعقيداً، لكن خلاصة الرأي أن الدولة كيان معنوي لا دين لها، وهو على العكس من رأيه القديم، الذي قاله في مداخلة في قناة الجزيرة، وكان يومئذ قادراً على التعبير عن نفسه، فقدم رؤية واضحة دفاعاً عن النص الدستوري بأن الإسلام هو دين الدولة.
ومع شخص عادي، فانه كان ينبغي ألا ينام الليل حتى يخرج للناس ليشرح سبب هذا التناقض، لكنه لم يفعل ومؤكد أنه شرب الحليب ونام في مواعيد نومه الطبيعية.
إنه قيس سعيد الذي لا يتأثر بشيء.. لأنه «ضده المية … ضد النار»!

* صحافي من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ” فالمجلس الموقر، لا يمكنه أن ينطق ببنت شفة دفاعاً عن النساء المعتقلات في ظروف اعتقال قاسية، وبعضهن تم اعتقالهن بدون فعل إلا تنكيلاً بالوالد أو الأخ، كما حدث مع كريمة الشيخ القرضاوي، والتي تم أفرج عنها بعد أربع سنوات بتدخل الدولة القطرية بكل ثقلها، وشقيقة الوزير السابق الدكتور محمد محسوب، المعتقلة لمجرد أنها شقيقته، تماماً كما سجنت شقيقة المعتقل علاء عبد الفتاح، لأنها دافعت عن حقها وحق والدتها في الحصول على خطاب منه يطمئن الأسرة على وضعه الصحي في ظل جائحة كورونا! ” إهـ
    دليل على الطعن على آية : أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ (38) النجم !
    وضد آية : قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ (79) يوسف
    ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية