عمان- «القدس العربي»: تبدو «حملة أمنية» تضرب على الوتر العصبي لنخبة من أهم «أنصار الحراك الشعبي» والمبادرين لتأييد «عودة الجمهور إلى الشارع» بتوقيت تعتبره السلطات الأردنية في غاية الحساسية ولا مجال لهضمه ويتطلب -وهذا الأهم- رسالة «تفتقد للمرونة» في مواجهة «خشونة دعاة التحريك».
لكنها طبعاً ودوماً، حملة مبرمجة على «إشارات ودلالات» سياسية لا يمكن إلا تلمسها، وإن كانت «محفوفة المخاطر» أيضاً عندما يتعلق الأمر بإنتاج المزيد من «الاحتقان» مع «المزيد من ذرائع التحريك»، وفقاً لاجتهادات من توافقوا على «انتقاد اعتقالات الخميس» الأردنية، بمن فيهم نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي، وحزب جبهة العمل الذي أصدر بياناً ينتقد «اعتقالات الرأي» ويتحدث فيه عن نتائج وكلفة «التأزيم».
ليلة «ساخنة أمنياً»
ليلة الأربعاء/الخميس كانت «ساخنة أمنياً» في الواجهة المحلية بالرغم من انشغال المديريات الأمنية بتداعيات ما بعد إعلان نتائج انتخابات المجالس البلدية واللامركزية، حيث تعليقات بالجملة لمؤيدي الحراك على المنصات بعنوان «ليلة الاعتقالات بعد العرس الانتخابي».
لماذا عاد مفهوم «الاعتقال الوقائي» إلى المملكة؟
وكانت ساخنة قياساً بالمعطيات؛ فقد استبقت تحضيرات حراك 24 آذار المعلن وأعقبت انتخابات الحكم المحلي وتضمنت -وهنا مؤشر في غاية الأهمية- عودة مضمون «الاعتقال الاحترازي أو الوقائي»، بمعنى أن عملية التوقيف والدهم الأمني تستبق الأحداث ولا تلحقها، كما جرى سابقاً مع كل محاولات التحريك. بالنسبة للناقدين، وهم بالجملة، كانت الاعتقالات «مباغتة ومتربصة، لا بل خشنة أيضاً» وطالت «أصحاب رأي وحريات تعبير».
بالنسبة للسلطات الرسمية «لا تعليق على مسار اعتقالات الخميس» ولا إشارات من أي صنف تجيب على السؤال التابع: «حسناً.. ماذا بعد؟ «وفوق ذلك إشارات؛ لأن التوقيفات الأمنية والإدارية لها علاقة بـ»مطلوبين لأذرع القانون على قضايا متعددة». الجملة «التكتيكية» في الجانب الإجرائي لاعتقالات الخميس الأردنية حضرت بدقة وكثافة وبسياق «عملياتي-احترافي» مفعم برسائل ليست أمنية فقط، بل «سياسية» بامتياز، ومنطوقها الرئيسي أن أذرع الدولة الأمنية «تراقب الجميع» ولديها قدرة على «الوصول للجميع» وبعملية منسقة عملياتياً، وبأي وقت وبنفس الوتيرة «تتطلبه الضرورة». لكن المفصل الأهم في الرسالة الباطنية هي تلك الإشارة العميقة إلى أن «ذاكرة الدولة» حية وحيوية وتسجل كل شيء وتستطيع -عندما ترغب- الرد على «الخشونة الحراكية والتحريكية» بخشونة مماثلة وفي التوقيت الذي تختاره الدولة. و»لا حصانة دائمة» لمن يتجاوزون السقف طبعاً في رأي دوائر القرار، وإنه على جميع نشطاء الحراك والتحريك والجملة المعترضة الشرسة العلم مسبقاً بأن «التمهل» ليس «إهمالاً»، ومساحة المرونة الرسمية ينبغي أن لا تستغل بصورة مفرطة أو مبالغ فيها.
طبعاً، يفسر رسائل الدولة هنا ليس فقط عدد المعتقلين الذي وصل لنحو 42 منهم حتى عصر الخميس فقط، فيما قالت بعض التقارير إنه تجاوز الـ 60 معتقلاً في فترة ما بعد العصر. ولكن أيضاً «تنوع الموقوفين» بعملية احترازية أمنية موحدة وواسعة خلطت -برأي الناشط الحقوق محمد بداد- «شامي الحراك مع مغربي الصوت العالي والتحريض» بدلاً من الاعتقاد «الواهم» بأن المسألة حصراً لها علاقة بحراك 24 آذار الذي برز إثر دعوة لـ»لجنة المتابعة الوطنية».
يقدر بداد مع مراقبين كثر بأن اعتقالات الخميس أقرب فعلاً إلى «كوكتيل رسائل» لشرائح متنوعة في مجتمع التحريك والمعارضة تؤسس لمسافة مستجدة علناً ما بين «حرية الرأي وحتى التحرك» وبين «هيبة الدولة» كما تفسرها حسابات الدولة والمطبخ الأمني، وليس كما تقررها تفاعلات المجتمع المدني. في البعد التنفيذي، كانت عملية الاعتقال مبرمجة وسريعة وبدون ضجيج، لكن بعد ساعات من «لحظة التنفيذ» انتشر وتوسع النبأ وبدأت المنابر الحراكية والإعلامية تنشر أسماء معتقلي الاحتراز.
تعددية مشارب وخلفيات الموقوفين
تنويع خلفية الموقوفين يدل على مسألتين من باب التحليل: أولاً، أن الإجراء علاقته ليست حصرية بحراك 24 آذار الذي تعلم السلطات مسبقاً «أنه أخفق في الزخم» مبكراً. ثانياً، تلك الاعتقالات وفي حال الحفر بالأسماء، تضمنت رسائل لـ»سلسلة تزويد أو مساندة معارضي الخارج» ولبعض المتحمسين لتحريك «المعلمين مجدداً» وللمصرين على «تشويه سمعة الذمة المالية للدولة»، في رأي المؤسسات الرسمية. وأيضاً للشريحة الأكثر إصراراً على «بؤر حراكية» بين العشائر وفي المحافظات وبعض الأطراف، وكذلك لنشطاء في تيارات حزبية إسلامية معارضة، مثل حزب الإنقاذ والشراكة، إضافة إلى نواب سابقين مصرين على «تصفية حسابات»، ولبعض محترفي التحريك العشائري والتأزيم النقابي، وبعض نشطاء المتقاعدين العسكريين.. كل هؤلاء حسب وصف السلطات طبعاً.
في المقابل، نفذت الاعتقالات الخميس، حتى يبقى الموقوفون خلف القضبان بأقرب حد إلى صباح الأحد؛ لتوفير «فائض وقت» وللتفاعل لاحقاً مع سلسلة الضغوط والبيانات والوساطات المألوفة في مثل هذه الحالات، وكذلك مع تقديرات بأن يستمر اعتقال بعض الموقوفين لعدة ساعات، والمبادرة للإفراج عنها بالقطعة والتقسيط تجنباً لمزيد من الإثارة. وبين الموقوفين معارض «بيئي» معروف، وعضوان سابقان في البرلمان، وأربعة نشطاء نقابيين، ومفاتيح مؤثرة في حراكات العشائر، وأنصار للنائب السابق من عشيرة العجارمة، ومتحركون في منطقة البادية، وبعض المعلمين والحزبيين، إضافة لكوكبة أو كوكتيل من الذين تحرص السلطات على اعتقالهم بين الحين والآخر أو من يرفعون سقف النقد.
مهم ملاحظة بأن «تعددية مشارب وخلفيات» من ألقت السلطات عليهم في الخميس الساخن تظهر «نوايا إجرائية» لبناء سلسلة «دعاوى وقضائية» لاحقاً بمخالفات قانونية قد يتعامل معها القضاء بعد تجهيز ملفاتها وبصيغة تضمن «دفوعات قانونية» عبر المحكمة، وإن كان المحامي والحقوقي البارز عاصم العمري قرأ مع «القدس العربي» المسألة في سياق «يستبق 24 آذار» ويحرص في الوقت ذاته على منع تشكيل اصطفاف وطني إصلاحي متنوع بخطاب سياسي غير منفر.
ما يشير إليه العمري يتطلب وجبة من الاشتباك الذكي والعميق لا يوجد ما يدل على أنها موجودة في قياسات الحكومة التي امتنعت عن أي تعليق على مجريات ليلة الخميس؛ لأن مثل هذه المناخات -برأي السياسي مروان فاعوري- يمكن الاستغناء عنها عشية شهر رمضان المبارك، لما لها من بصمة في «تأجيج» مشاعر الشارع دون مبرر. فاعوري شدد على ضرورة العودة لمنطق الحكمة، لكن تلك الاعتقالات حصلت في توقيت غريب نسبياً وأصبحت الآن واقعاً موضوعياً، ورسائلها وما سينتج عنها ستظهر تباعاً لاحقاً على الأرجح.