أثر عدد من الكلمات بالانكليزية صدرت عن رئيس وزراء عربي قبل بضعة اسابيع، ربما كهربت، القليلين الذين ما زالوا يؤمنون بحل الصراع في الشرق الاوسط بانشاء دولة فلسطينية غرب الاردن. قال رئيس وزراء قطر، الشيخ حامد بن جاسم آل ثاني، في واشنطن انه يجب على اسرائيل ان تعود الى خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967، ‘مع امكانية تبادل اراض في الحد الأدنى بصورة متساوية ومتفق عليها’. وتأثر اثنان من الثلاثة الكبار الذين يؤمنون بمثال الدولتين، وهما وزير الخارجية الامريكي جون كيري ووزيرة القضاء الاسرائيلية تسيبي ليفني. فقال أحدهما إن ذلك ليس مجرد خطوة الى الأمام، بل هو خطوة واسعة الى الأمام. وتابعته الوزيرة الاسرائيلية بقولها إنها ليست أخبارا ايجابية، بل هي ايجابية جدا. وحافظ صديقهما الثالث في قيادة الطائفة الفاشلة غير المتعلمة هذه من تجربتها رئيس الدولة شمعون بيرس حافظ على صمت غير عادي. لم يُجهد أحد نفسه في سؤال الوزيرين الجليلين، أين تكمن هنا الأنباء الطيبة جدا. إن لمبادرة السلام العربية قيمة ما فقط اذا كانت أكثر اعتدالا من الموقف الفلسطيني، وإلا دُفعنا الى نفس الوضع المخزي الذي وصلنا اليه حينما حدد الرئيس باراك اوباما بعدم تجربته، سقفا أعلى من سقف محمود عباس بشأن تجميد البناء في المستوطنات. فلم يكن رئيس السلطة الفلسطينية قادرا على ان يكون أقل قداسة من البابا وانهار التفاوض السياسي. يرى موقف م.ت.ف من الشأن المسمى ‘تبادل الاراضي’ منذ سنين كثيرة أن الدولة الفلسطينية يجب ان تكون مساحتها 6205 كم مربع. وقد تقترب الصيغة القطرية لهذا المبدأ، التي تشتمل على 6 كلمات شرط وتحفظ بجملة فيها 13 كلمة، قد يقترب الآن من الموقف الفلسطيني، لكنها تقف على مبعدة ما عنه. فما هو الانجاز الكبير الذي أثر في مكتبي الوزيرين هذين اذا؟ على كل حال يوجد درس مهم يجب تعلمه من الواقعة القطرية، وهو أن كل تخل اسرائيلي يصبح سريعا حقيقة خالصة تُعرض بعد ذلك على اسرائيل لتفي بها، باعتبار ذلك تنازلا عربيا يجب دفع ثمنه. كانت فكرة ‘تبادل الاراضي’ تنازلا عرضته اسرائيل في مرحلة ما على الفلسطينيين لاقناعهم بالموافقة على السلام. ولم يخطر ببال رئيس الوزراء الراحل اسحق رابين ان يعرض على ياسر عرفات مقابلا من الاراضي لأنه كان ينوي أن يُبقي غور الاردن الشاسع تحت سيادة اسرائيل. وأنا أحاول أن أتخيل كيف كان سيكون رده المتهكم لو ان شخصا ما قال له إنه يجب على اسرائيل أن ‘تُعوض’ الفلسطينيين عن باحة حائط المبكى والحي اليهودي. لم يكن ذلك هو الموقف الاسرائيلي فقط، وهو ألا تنسحب اسرائيل الى خطوط وقف اطلاق النار وألا يوجد أي تعويض عن ذلك، بل كان في واقع الامر موقف المجتمع الدولي لأن القرارين 242 و338 عن مجلس الامن يطلبان من اسرائيل انسحابا من ‘اراض’ لا ‘من الاراضي’. ورُفضت المحاولات العربية والسوفييتية لالزام اسرائيل بانسحاب كامل. ويجب على اولئك الذين يعتقدون ان هذين القرارين ينطبقان على كل جبهة بصورة منفصلة، أن يعترفوا بأنه يجب على اسرائيل ‘ألا تُعوض’ بحسبهما المعتدي العربي من اراض بقيت في حوزتها. في مرحلة ما، ربما في التفاوض الافتراضي الذي أجراه يوسي بيلين مع أبو مازن في 1995 وربما في كامب ديفيد ايهود باراك، تخلت اسرائيل عن هذا الموقف وعرضت ‘تعويض’ الفلسطينيين عن الأحياء اليهودية للقدس والكتل الاستيطانية القريبة من الخط الاخضر. بعد ذلك بسنين كثيرة يأتي آل ثاني الى واشنطن مع الفكرة ‘الجديدة’، وهي تبادل اراض في الحد الأدنى، ويتوقعون من اسرائيل الآن ان تتأثر وتشكر الجامعة العربية لمرونتها. هذه على العموم فرصة جيدة وإن تكن متأخرة جدا لاسرائيل لتُزيل عن الطاولة مصطلح ‘تبادل اراض’. إن المحاولات المكررة للقضاء عليها ستتجلى في الحدود الثابتة اذا تم الاتفاق عليها ذات مرة. إن حرب الابادة التي بادر اليها العرب في 1947 موجهة الى اسرائيل التي لم تكن وُلدت بعد ان محت الى الأبد حدود التقسيم، ومحت المحاولة المكررة في 1967 الى الأبد الخط الاخضر. إن طلب تعويض بأراض عن فشل محاولة القضاء على اسرائيل فيه مفارقة منطقية. وهو ايضا غير عملي لأنه منذ كانت حرب الايام الستة امتلأت يهودا والسامرة بمستوطنات يهودية زاهرة انشأت حقيقة لا رجعة عنها ولا توجد في ‘اسرائيل الصغيرة’ اراض تكفي الشهوة الفلسطينية لتبادل الاراضي. وعلى ذلك يجب على اولئك المؤمنين بحل الدولتين ايضا ان يُبينوا لمحادثيهم العرب أن الاصرار على تبادل اراض يجعل احراز اتفاق بين الطرفين أصعب.