علّق نائب رئيس حزب المحافظين البريطاني، لي أندرسون، على رفض بعض طالبي اللجوء للسكن في البارجة الحربية التي خصصتها لهم وزارة الداخلية بعبارات بذيئة يمكن تخفيفها لتعني أن عليهم أن «ينقلعوا» إلى المكان الذي جاؤوا منه.
شرح أندرسون، في مقابلة معه في صحيفة «دايلي اكسبريس» المعروفة بتطرّفها اليميني وحملاتها ضد الأقليات والمهاجرين واللاجئين «نظريته» قائلا: «لقد أتى هؤلاء الناس عبر القناة بقوارب صغيرة. إذا كانت شروط السكن هنا لا تعجبهم فليعودوا إلى فرنسا، أو ربما الأفضل، ألا يأتوا بالمرة»!
في وسط أوروبا، اختار وزير داخلية إيطاليا، ماثيو بيانتيدوزي، ألفاظا أكثر «رقيّا» للتعبير عن شكره للسلطات التونسية التي أنجزت صفقة مالية مع «الاتحاد الأوروبي» في تموز/يوليو الماضي، أعطتها رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني الكثير من وقتها، تقوم السلطات التونسية مقابلها بمنع المهاجرين من الخروج من شواطئها في اتجاه القارّة الأوروبية.
أكّد بيانتيدوزي أن تونس منعت أكثر من 50 ألف مهاجر غير نظامي منذ بداية العام، ورغم محاولات السلطات التونسية فقد كان أمرا ذا مغزى أن التصريح جاء في اليوم نفسه الذي غرق فيه عشرات المهاجرين أمام السواحل التونسية، وبعده بيوم فُقد 41 شخصا بينهم ثلاثة أطفال بعد غرق قاربهم الذي انطلق الأسبوع الماضي من صفاقس التونسية، ولم يتمكن سوى أربعة من ركاب القارب من النجاة، ولم ينقذ هؤلاء، وهم طفل وامرأة ورجلان، خفر السواحل بل سفينة تجارية مارّة.
يقع اليائسون، الهاربون من بلاد القمع والفقر والفساد، الراغبون في حيوات جديدة في بلدان أخرى أفضل من بلدانهم، ضحايا لعناصر متطاولة ومتعددة من أشكال الزجر والقمع والاضطهاد. تركّز دعاية الدول المُستقبلة للمهاجرين على أفراد عصابات الهجرة غير الشرعيّة التي تتلقف الطامحين للهجرة وتسرق أموالهم وترسلهم لمواجهة مخاطر الطبيعة، فهل هؤلاء هم المجرمون الوحيدون؟
حسب الناطق باسم منظمة الهجرة الدولية فإن القوارب الحديد التي تستخدم «هي الأكثر هشاشة التي رأيتها في البحر المتوسط» لكن المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى، على حد قوله، «مضطرون لاستخدام هذه القوارب المنخفضة الكلفة» التي تتعطل بعد 20 إلى 30 ساعة من الإبحار وتنقلب بسهولة.
الأرقام الرسمية تتحدث عن 1800 شخص لقوا حتفهم منذ كانون الثاني/يناير الماضي، ولكن «الهجرة الدولية» تعتقد أن عدد حوادث غرق القوارب «أكثر مما نعرفه» وهو تصريح تدعمه زيادة عدد الجثث التي عثر عليها في البحر بين تونس وإيطاليا.
قبل تونس اتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءات لسد مسارات الهجرة من ليبيا، عبر تعزيز قدرات خفر سواحل ليبيا، ورفض السماح للأشخاص الذين يتم إنقاذهم بدخول أوروبا، وبتجريم عمل المنظمات غير الحكومية التي تعمل على إنقاذهم، لكن الأسوأ من كل ذلك أنها عقدت صفقات مع ميليشيات وسلطات محلية ضد المهاجرين، وهو ما أدى لعمليات احتجاز لأجل غير مسمى في ظروف مروعة وتعريضهم لانتهاكات يومية.
مهّد الرئيس التونسي قيس سعيّد للصفقة الأوروبية بتصريحات تحريضية ضد الأفارقة تتحدث عن «مؤامرة تستهدف تغيير التركيبة» وقد تبع الاتفاق عمليات اعتقال وترحيل قسرية أشرف عليها الحرس الوطني والجيش التونسي إلى مناطق حدودية عسكرية مغلقة مع ليبيا والجزائر، مع التعتيم حول أعداد هؤلاء أو مصائرهم وسوء المعاملات التي تعرضوا لها.
تنحو اتجاهات الاستبداد المحلّي والعنصرية الأوروبية إلى قلب صورة المهاجرين من كونهم بشرا راغبين في حياة أفضل ويمكن أن يساهموا بقوة في دعم الاقتصادات والمجتمعات التي يهاجرون إليها، إلى كونهم مجرمين، أو كونهم عبئا على الدول التي يصلون إليها، وبدلا من التركيز على الروابط الإنسانية والحقوق العامّة وقيم التسامح والتعاون والتقبل، يتسابق حلف الاستبداد والعنصرية على تخفيض رتبتهم، وتصويرهم أحيانا كحشرات أو مخلوقات عدوّة غازية. نظرية «لينقلع اللاجئون إلى بلدانهم» باختصار، هي نظرية إبادة مستترة تشهد تجلياتها عبر هذه الأشكال العديدة من الإجرام التي تطارد اللاجئين طوال مسار رحلتهم، التي تنتهي، في كثير من الأحيان، بالموت.