مأزق المعارضة السورية بين النظام و’داعش’

حجم الخط
19

عام 1936 قدّم ماوتسي تونغ، زعيم الحزب الشيوعي الصيني، عرضاً مذهلاً لتشانغ كاي تشيك، رئيس الجمهورية الصينية حتى وقوعه في أسر جيش ماوتسي تونغ: أن يطلق سراحه ويعيّن قائداً عسكرياً لكل من القوات الشيوعية والجمهورية معاً مقابل اتحاد الجهتين ضد الاحتلال الياباني.
استخدم النظام السوري استراتيجية مشابهة باطلاقه سراح عدد كبير من الحركيين السلفيين المعتقلين لديه مع بدايات اشتداد عود الثورة السورية عام 2011 وبذلك قدّم لنفسه حليفاً موضوعياً ضد الحركة الثورية السورية، المدنية السلميّة أولاً، ثم المسلحة ثانياً.
قام النظام السوري بمكافحة الناشطين المدنيين السلميين دون هوادة بالاعتقالات والتعذيب، ثم قاتل المكونات المسلحة الأولى للمعارضة السورية بأشكال القتل والقصف والتدمير في الوقت الذي غضّ النظر فيه عن اشتداد قوة السلفيين الراديكاليين الذين تمددوا بهدوء الى أن تمكنوا من الاستيلاء على مناطق أنهك النظام فيها المعارضة السورية المسلحة وبعد سيطرتهم على مدن او مناطق أخذوا يقومون بدورهم باعتقال الناشطين المدنيين وتصفية المعارضين للنظام!
انضغطت المعارضة السورية المسلحة بين كفّي كماشة قوات النظام وكتائب الدولة الاسلامية في العراق والشام وشقيقاتها وحشرت ضمن معادلة صعبة: اذا تحالفت مع السلفيين فإنها لا تلبث أن تخسر شيئاً فشيئاً بيئاتها الحاضنة لصالح هؤلاء الأكثر تسليحاً وتمويلاً وتطرفاً ايديولوجياً وهي أمور تتصادى مع النتائج الاجتماعية والنفسية للقصف العشوائي لتلك المناطق والفوضى المتزايدة فيها بما يؤدي الى اليأس العدمي لدى الشعب السوري ويوفّر قبولاً لأفكار التطرف وتنظيماته.
لو ان المعارضة السورية اختارت قتال التنظيمات السلفية الراديكالية فهي ستقع بين ناري النظام السوري وهؤلاء وستستنزف قواها خصوصاً مع دخول حزب الاتحاد الديمقراطي (فرع حزب العمال الكردستاني التركي في سورية)، وحزب الله اللبناني وفصائل شيعية عربية وغير عربية في المعادلة ضدها.
بتحييد السلفيين حتى تزداد قوتهم على الأرض قام النظام عملياً بتدعيم نفوذهم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية وفتح الطريق لتصوير هذه المعارضة في صورة التطرف الايديولوجي وتدعيم هذه الصورة في ظل ارتفاع موجة الاسلاموفوبيا المتنامية في العالم.
يطبق السلفيون، وخصوصاً ما يسمى ‘الدولة الاسلامية في العراق والشام’، سواء كانوا واعين أم غير واعين، بنود هذا التحالف الموضوعي بتركيزهم على الاستيلاء على المناطق البعيدة عن عصب حياة النظام متجنبين الاشتباك مع قواته، ثم بالتنازع مع المعارضة السورية على المواقع التي تدعم مواردها المالية مثل النفط ومعابر الحدود لمنعها من الاستفادة منها في صراعها مع النظام.
بعد اشتداد قوة السلفيين، تركزت استراتيجية النظام على ترك الأمور على غاربها لفوضى شاملة يقتتل فيها الجميع ضد الجميع، وتثار فيها النعرات الطائفية والإثنية، وتختلط فيها أوراق المعارضة بالاجرام والعمليات الاستخباراتية المشبوهة التي تنقصف فيها مواقع بعينها كمناطق أقليات دينية او سفارات اجنبية، او سيارات مفخخة لا تقتل غير المواطنين العابرين، وهي قضايا تثير شهية الاعلام العالمي السطحي الذي يتناول الأحداث بالطريقة التي تصبّ في طاحونة النظام.
لا يهمّ النظام، أثناء كل ذلك، أن البلد يفقد دون رجعة مناعته الوطنية ولحمته الاجتماعية متجهاً الى حالة الدولة الفاشلة التي لا يمكن أن تقوم لها قائمة، فكل همّه أن يحافظ رئيسه على سفينته المبحرة في دماء شعبه، وأن تحتفظ الطغمة المستفيدة من وجوده بحصتها من أرواح البشر وأموالهم، فيما كل ما حولهم يتداعى ويسقط وينهار.
أدت استراتيجية ماو الى دحر الهجوم الياباني، ثم القضاء على قوات تشان كاي تشيك وخروجه مع اتباعه الى تايوان، وبالنهاية الى تأسيس الصين الحديثة التي تقرّر الآن، الى حد كبير، مصير العالم، اما استراتيجية بشار الأسد فأدت الى دخول هذا البلد في ثقب أسود كبير وفقدان وزن تاريخي والى دمار هائل لم تتعرض له سوريا منذ أيام جنكيزخان وتيمورلنك، وفوق كل ذلك فقد أدت هذه الاستراتيجية الجنونية للنظام السوري الى فتح أحشاء المشرق العربي كله على أحقاد تاريخية لن تنطوي لأجيال قادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوري حوراني:

    شكرا للصحيفة الوحيدة اللتي هي صوت الحق فقط لا غير في عالمنا العربي وكل او باقي الصحف مسيسة لا تلتزم الحياد البته .

  2. يقول رضوان بن الشيخ عبدالصمد -السويد (sverige):

    تحياتي لقدسنا الغالية
    أروع مقال وأجمل تحليل
    كعادتها من قدسناالعزيزة
    داعش مجموعة إرهابية تستخدمها مخابرات أجنبية لتشويه ثورة السورية . وشكرا

  3. يقول ع.خ.ا.حسن الاردن:

    بسم الله الرحمن الرحيم.(…اما استراتيجية بشار الأسد فأدت الى دخول هذا البلد في ثقب أسود كبير وفقدان وزن تاريخي والى دمار هائل لم تتعرض له سوريا منذ أيام جنكيزخان وتيمورلنك، وفوق كل ذلك فقد أدت هذه الاستراتيجية الجنونية للنظام السوري الى فتح أحشاء المشرق العربي كله على أحقاد تاريخية لن تنطوي لأجيال قادمة.)الفقرة اعلاه من رأي القدس اليوم تحت عنوان(مأزق المعارضة السورية بين النظام و’داعش’)
    لا يشك احد في مأزق المعارضة السورية السلحة منها والمدنية فشياطين الانس الصهيوصليبيين وبالتعاون مع ايران واذنابها يدمرون العمران ويذبحون الشعب السوري على الهوية الدينية؛وفقط لان اكثريتهم السنية الساحقة ثارت على الظلم والفساد والقهر والتبعية والعمالة؛وبدأت هذه الثورة حراكا سلميا ولاشهر كثيرة ثم تسلحت كرد فعل على جرائم النظام التي فاقت في بشاعتها ودمويتها كل مذابح التاريخ الحديث والقديم.
    ومؤيدوا المعارضة السورية كبعض دول الخليج يدعمونها بالقطارة وبتقنين صهيوامريكي متآمر،لسانه مع الثوار وقلبه مع بشار ومع جميع الاشرار(ملالي ايران واذنابهم) وكل ذلك سيقود الى سوريا مقسمة وفاشلة وخارجة من معادلة القوة الفاعلة ضد عدو العرب والمسلمين الالد(اسرائيل).وهذا الفشل سيتكرس اذا لم يتوحد معارضو النظام-ولو بالحد الادنى-على استراتيجية فاعلة ومنضبطة ومجاهدة وبما تستطيع اعداده من قوة بشرية ومعنوية وتسليحية تقهر بها كل الاعداء وتهزمهم وتنتصر عليهمفما(النصر الا من عند الله )لمن يتوكل عليه ويجاهد في سبيله

    1. يقول ابوريان:

      تعليق رجل حصيف هولاء هم الزين يخدمون الثورة السورية العالم لا يريد احد ان ينتصر يريد فقط الدمار لسوريا المستفيد هو المحتل يجب ان تصوب البندقية الي الاحتلال والرئيس السوري اصبح لا يملك قرار . القرار لايران وتكون هناك صفقة في جنيف 2 بين اسرائيل وايران وتذهب سوريا الي تفكك ودويلات طائيفية يرعاها حزب الله وتدخل اسرائيل كما تشاء بدا الغزل الاسرائيلي الايراني ولا نعرف متي تنتهي المتعة ..

  4. يقول سامح // الامارات:

    شكرا لقدسنا العزيزة ع المقال الجميل …الكاشف للحقائق والتحليل الرائع .
    * النظام السوري الهمجي الفاشل …على إستعداد لحرق البلد وتدميرها
    بشكل كامل …مقابل بقاء الطاغية ( بشار ) وشبيحته المجرمين ف الحكم
    والسلطة …؟؟؟!!!
    * ( داعش ) وجميع المنظمات المتطرفة …تلعب نفس الدور وتخرب
    البلد وتغتال الشرفاء والأحرار كما فعلت ف الأيام الماضية من :
    ( إغتيال إثنين من قادة الجيش الحر ) …؟؟؟!!!
    ** كان الله ف عون ( الجيش الحر ) …عليه محاربة النظام السوري الفاشي
    من جهة …ومن جهة ثانية ( مسايسة ) داعش والقاعدة بقدر ما يستطيع
    حتى لا تضيع الجهود وتتشتت المقاومة الوطنية الحرة الشريفة .
    *** الخلاصة : ( داعش والقاعدة والنظام السوري وجهان لعملة واحدة ) …؟؟؟
    حياكم الله وشكرا .

  5. يقول Ismail ALjazaeri:

    They think they are smarter than the rest of us. But their theories seem so artificial in this case and do not hold to the first simple question. Who are the terrorists who are using Turkey as a transit ground to go to Syria, admitted even by Turkish pro rebels government of Erdogan? Are those “mujahids” too smuggled by the Assad regime? Assad must be one of the most genius politician ever lived on earth to be able to manipulate all the governments and observers of the world!. I think you are over estimating Assad’s power to justify his resistance. You have to admit, If Assad is still around, its because majority of Syrians support him.

    1. يقول Aljazairi:

      Supporting him in what ??? to kill Syrian people and

      commit more and more crimes come on wakeup

  6. يقول barf:

    المعارضة السورية هلّلت وزغردت بدخول داعش الى سورية…..فاتت عليهم بأن داعش بضاعة محلية سورية الصنع …..اسّسها واخترعها ودرّبها النظام البعثي السوري أيام حرب العرا ق اوحرب ….الخليج ….إذآداعش والنظام وجهان لعملة وعقيدة واحدة….وهدف مشترك…تدمير سوريا أبجديآ من الألف ….الى الياءْ….. اما الشعب السوري فلاأعتقد بأنه يتنازل يومآ عن كنزه الحضاري و الثقافي والإنساني الاستثنائي الذي تميز به عبر العصور والذي بناه عبر ثراء وتنوع الأفكار والثقافات السورية على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والدينية والاجتماعية

  7. يقول محمد:

    تحليل رائع جداً و ألف شكر للقدس العربي.

  8. يقول احمد العربي-سوريا:

    وماذا عن جبهة النصره الجناح الاخر للقاعده في سوريا ؟!! اما دخول المجاهدين الى سوريا من الشيشان والافغان والباكستانيين ..الخ .. ومن البلاد الاوروبيه والامريكيه ومن معظم الدول العربيه ومن اماكن اخرى كثيره في العالم ( وهؤلاء يشكلون داعش) يتساءل كثيرون كيف ان النظام السوري استطاع استجلاب هؤلاء جميعا للجهاد في سوريا وهل هو من افتى لهم بصحة الجهادفي بلاد الشام ؟!! ثم من امدهم بالاسلحه والاموال ومن فتح لهم حدود الدول المجاوره ؟! هل النظام السوري فعل ذلك كله وبكل بساطه؟! اظن ان الامر بحاجة الى ترو اكثر قبل اطلاق مثل هذه الاحكام وشكرا !!

  9. يقول الامام العزوزي:

    تحليل معقول للواقع ولكن موجه منا جل قلب الحقايق اولا المعارضة حين شعرت بعدم انجاز مانجزته الثورة المصرية والتونسية لعدم تاييدها من قبل اغلبية السورين اتجهت الى العنف.ولما احست بعدم قدرتها على مواجهة الظام استدعت القوى المؤمنة بالعنف من الخارج .من الطبيعي المؤمنون الوحيدون في العالم بالعنف هم المتاسلمون .الدين يعتقدون انهم بهدا القتل والدمار يتقربون الى الله وادا فقدوا حياتهم فالجنة مصيرهم..اماا النظام فكان ينتظر ردفعل الاغلبية ليحزم حقايبه او يقاتل .لو كانت المعارضة السورية مبديءية لوضعت لنقيسها حدودا لاان تتحالف حتى مع اسرايل هده كارثة.المهم ستثبت الايام لمن لايريد ان ان هدف الفوضى في سوريا اخراج حماي المقاومة مندمشق لتبقى بدون ظهير وحرمانها من اليند الايراني.وتفكيك السلاح الكماوي السوري ااخراج سوريا من المعادلة في الشرق الاوسط.اتمهيد لتنقيد تصور اسرايل وامريكا لحل القضية الفلسطنية .ومرة الماء العربية الرخيصة .والمال العربي الاحمق هو منسينفد.

  10. يقول فلسطيني بالغربة:

    تحليل ضعيف جدا و خارج نطاق العقل و المنطق… مثلما يقول بعض المحللين أن ايران و حزب الله و اسرائيل حلف واحد… صحيح أن هناك كثير من الأمور السرية التي تجري تحت الطاولات و لكنها لن تظل سرية إلى الأبد… التنظيمات السلفية عبارة عن دمى أو بيادق الشطرنج عقولهم متأثرة بفكر سلفي سعودي متشدد. كانت تستخدم في السابق ضد الاتحاد السوفييتي و احتلاله أفغانستان.. و كانت حرب بالوكالة تديرها أمريكا و تمولها السعودية .. و هذا معروف… ثم رأيناهم في الشيشان و البوسنه …و كل ذلك في حقبة السبعينات و الثمانينات… في التسعينات بعد حرب الخليج الأولى و تفكك الاتحاد السوفييتي و استقلال البوسنه 1993 انتهى دورهم فصارو هؤلاء عبئا على أمريكا و لابد من التخلص منهم … فصارو هم العدو الأول لأمريكا و بالتالي للسعوديه… و حاربوهم في أفغانستان و العراق و اليمن و غيرهم….و في ظل شرق أوسط جديد تم الاتفاق بين أمريكا و حركة الاخوان المسلمين بما يمثلون حسب رأيهم اسلام معتدل ( و لكن في رأيي انهم انتهازيين) لاستلام الحكم في الدول العربية كمصر و اليمن و تونس… وهنا أعيد استعمال السلفيين المتشددين مرة أخرى بطريقه غير مباشره للمشاركه في إطاحة أنظمه عربيه معاديه لأمريكا كليبيا و سوريا و من ثم التخلص منهم بعد إطاحة النظام… سقط النظام في ليبيا و رأيتم ما حدث… النظام في سوريا قوي لم يسقط …فهنا جاء التخلص من الأسلحة الكيميائية كحجه لخروج أمريكا من مأزقها.. لكن السعودية لازال عندها أمل باسقاط النظام و مستمره في دعمها العسكري و الديني لهذه الجماعات..

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية