‘حدثت في السنة الاخيرة عدة أحداث مفاجئة في منطقتنا، منها تجديد التفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين، والانقلاب العسكري في مصر، والاتفاق على القضاء على سلاح سورية الكيميائي في المدة الاخيرة وهجوم المصالحة الايراني. ويجدر أن نفحص بحكمة متأخرة عن اسباب التسونامي السياسي الدبلوماسي الذي هاج علينا. لا شك في أن العالم قد تغير حقا، فالغرب غارق في ازمة اقتصادية عميقة ويريد أن ينظر الى داخل ارضه لا الى دول اخرى. والولايات المتحدة زعيمة العالم الحر يقودها رئيس يحاول أن يُسوغ حصوله على جائزة نوبل للسلام في بدء ولايته الاولى، ويصغي الى صوت شعبه الذي شبع من الحروب. وتحاول روسيا في مقابل ذلك بكامل قوتها أن تعود الى أيامها، إذ كانت من القوى العظمى وتحرص خلال ذلك على الحفاظ على مصالحها الحيوية في الشرق الاوسط. في عالم كهذا مع قيادة تفضل الهدوء والليونة على دفاع حازم عن قيم الليبرالية والعدل، كان واضحا أن اوباما سيضغط على اسرائيل لتجديد التفاوض مع الفلسطينيين مقابل علاج ـ يبدو أنه يعوزه الغطاء الحقيقي ـ للمشكلة الايرانية. وفي عالم كهذا يُبيح الجيش المصري لنفسه أن ينفذ انقلابا وأن يحظى ايضا بدعم امريكي صامت. وفي عالم كهذا يُبيح رئيس سورية لنفسه أن يقتل 100 ألف من أبناء شعبه بدعم روسي، ويتخلص من ضربة عسكرية حتى بعد أن استعمل سلاحا كيميائيا. وفي عالم كهذا يستطيع الايرانيون أن يخرجوا في هجوم دبلوماسي مُصالح وأن يحظوا بتأييد لم يسبق له مثيل. إن الاجراء الايراني الاخير يستغل جيدا التعب العالمي وضعف امريكا. وهو اجراء مخطط له يحرز للايرانيين الزمن قبل كل شيء. وسيصعب جدا على اسرائيل في الجو الحالي أن تهاجم في الخريف القريب. ويستطيع الايرانيون في واقع الامر الى ربيع 2014 وهو الموعد المريح التالي لهجوم اسرائيلي الاستمرار في تطوير القنبلة الذرية. وماذا سيحدث حينما يحين هذا الموعد؟ من المنطقي أن يكون الرئيس روحاني قد أعد له اجراء دبلوماسيا آخر، وأن يحرز بذلك سنة هدوء اخرى. واذا نجحت المؤامرة فقد تستطيع ايران في الصيف التالي أن تُبشر بأنها تملك قنبلة ذرية، وأن تستمر في الحوار الدبلوماسي من موقع دولة ذات سلاح ذري. وعلى كل حال فان روحاني كسب في هذه الاثناء بفضل الاجراء الذي قام به زمنا في الداخل ايضا، فالنظام في طهران يستطيع الاستمرار في اضطهاد شعبه، مُبيّنا أن وجهة ايران الى مسار دبلوماسي وأن العقوبات تنبع من تعسف امريكي. وهذا الاجراء سيوحد الشعب الايراني في مواجهة العدو. وفي هذه الحال ما الذي يجب على اسرائيل أن تفعله وماذا يجب على نتنياهو أن يقول في خطبته في الجمعية العمومية اليوم؟ يجب على دولة اسرائيل أولا أن تستقيم مع الادارة الامريكية وألا تقلب الطاولة بأي حال من الاحوال. وغاية هذا الاجراء الاستراتيجي هي أولا منع عزلة اسرائيل في شؤون استراتيجية يحاول الايرانيون أن يجعلوها في برنامج العمل اليومي. ويجب على اسرائيل ثانيا أن تناضل لاستمرار العقوبات. وعليها ثالثا أن تحاول إبقاء كل الخيارات على الطاولة ومنها العسكرية، من قبل اسرائيل ومن قبل الولايات المتحدة. ويجب على اسرائيل أن تُذكر العالم ما هي ايران حقا. واذا كان للدولة ‘مسدس مدخن’ على هيئة معلومة استخبارية تُثبت ما هي نوايا طهران الحقيقية فهذا هو وقت استغلالها، حتى لو كان ثمن ذلك تعريض المصادر للخطر. وعلى اسرائيل في الوقت نفسه أن تستمر في الاعداد للخيار العسكري للهجوم على المنشآت الذرية. وتنتظرنا ايضا مفاجآت في الساحة السياسية، ويجب علينا أن نُبين للعالم أننا جديون: فنحن غير مستعدين للعيش في ظل قنبلة ذرية ايرانية.