ما زال موضوع التطبيع من عدمه مع إسرائيل يأخذ حيزا كبيرا في النقاشات السياسية والفكرية في العالم العربي. وعلى الرغم من توقيع مصر والأردن لمعاهدتي سلام مع إسرائيل منذ عدة عقود، فإن التطبيع معها لم ينجح في التغلغل بين الأوساط الشعبية في كلا البلدين، وبقي في مجمله ضمن دائرة السلام بين الحكومات، ريثما يتم حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، أو هذا ما كان يفترض. وقد بررت كل من مصر والأردن موضوع التطبيع بانه حافز لإسرائيل يدفعها لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، والقبول بدولة فلسطينية على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية. فكانت كل المشاريع الاقتصادية المشتركة، التي بقي الجزء الأكبر منها على الورق، وكأنها عوامل مساعدة لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية.
إن كانت الولايات المتحدة تحاول تلميع صورة إسرائيل بكل الوسائل، دون جني أية ثمار فلسطينية أو أردنية، فهذه مهمة من الأنجع للأردن والجانب الفلسطيني تفويتها
وبقي المشروع الدولي الذي باركه مؤتمر مدريد أولا، ثم اتفاقية أوسلو ثانيا، يأمل في تحقيق ما أصبح يدعى بحل الدولتين، ويدعم أية جهود تطبيعية بين الدول العربية وإسرائيل، على أساس أن هذه الجهود تصب في مصلحة الفلسطينيين كما إسرائيل، ما دامت تؤدي إلى ممارسة الجانب الفلسطيني لحق تقرير مصيره في النهاية. أما إسرائيل التي وقّعت اتفاقية أوسلو، فقد أبقت نيتها إنهاء الاحتلال غامضة على أحسن تقدير، بينما دفعت باتجاه التطبيع مع الدول العربية، من دون ربطه بالتقدم على المسار الفلسطيني بأي صورة من الصور.
هذا هو الحال التاريخي للصراع.. فلننظر إلى واقع الحال اليوم، إسرائيل اليوم لا تبدي أي غموض في موضوع إنهاء الاحتلال، وقد أعلنت في مرات عديدة لا تحصى، أنها لن تنسحب من القدس أو غور الأردن أو الجولان أو أراضي المستوطنات، وأن جل ما يستطيع الجانب الفلسطيني أن يأمله هو حكم ذاتي لا يصل مستوى الدولة على أراض تشكل أقل من سبعين في المئة من الضفة الغربية وغزة، ولا تشمل بطبيعة الحال القدس وغور الأردن والمستوطنات. هذا الموقف اليوم يمثل الجانب «المعتدل» في الحكومة الإسرائيلية، لأن الموقف المعلن للجانب الآخر «المتشدد» في الحكومة هو الاحتفاظ بكامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل ومحاولة التخلص من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين عن طريق التهجير، أو الطلب من الأردن ومصر إدارة شؤونهم. إذن، شعار التطبيع من أجل انهاء الاحتلال لا يجد آذاناً صاغية لدى اسرائيل، التي تريد التطبيع من أجل السلام ـ ذاك السلام الذي يقفز عن ويتجاهل أية اتفاقيات مع الجانب الفلسطيني. هدف إسرائيل الواضح والمعلن اليوم، سلام إقليمي لا يتضمن الفلسطينيين بالضرورة، ولا إنهاء الاحتلال، سلام إذعاني نتيجته الحتمية قتل حل الدولتين وايجاد حل يفرضه الواقع على حساب الأردن. من هذا المنطلق، ما الهدف من مؤتمر النقب2؟ تعددت الأهداف حسب الدول المشاركة. من باب التذكير، فإن من حضر مؤتمر النقب الأول كان ثلاث من أربع دول وقعت «اتفاقيات إبراهيمية» مع إسرائيل هي، البحرين والإمارات العربية المتحدة والمغرب (لم تحضر الدولة الرابعة وهي السودان)، إضافة إلى إسرائيل ومصر والولايات المتحدة. أما دول الاتفاقات الإبراهيمية، فقد وقعت هذه الاتفاقيات من دون أي ذكر لمبدأ الأرض مقابل السلام، ومن الواضح اليوم أن هذا ليس هدفها من وراء الاتفاقيات، وأن كل الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة منذ توقيع الاتفاقيات لم تنجح، لا في تقويض الموقف الإسرائيلي، أو ثنيها عن المضي قدما في موضوع التطبيع. تبرر هذه الدول موقفها من حضور المؤتمر على هذا الأساس، فغاياتها من التطبيع ثنائية بحتة، لا علاقة لها بالتقدم على المسار الفلسطيني. لم تخف هذه الدول نواياها منذ البداية، بغض النظر عن درجة اتفاقنا او اختلافنا مع هذه المواقف. هدف الولايات المتحدة واضح أيضا، فهي مقتنعة بأن لا مجال اليوم لأي تقدم في المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وليس في نيتها حتى المحاولة. وضمن موقفها المعلن في محاولة الحفاظ على تهدئة طويلة المدى «ريثما تتوفر الظروف لاستئناف المفاوضات على أساس حل الدولتين»، وهو بذاته هدف باتت استحالته واضحة، فإنها تحاول خلق الانطباع بأن شيئا إيجابيا يحدث على الأرض من تقارب عربي-إسرائيلي الذي بات وكأنه الهدف وليس الوسيلة لحل مستدام للقضية الفلسطينية.
ضمن هذا المنطق الأمريكي، نقرأ نية الولايات المتحدة الاستمرار في رعاية هذه المؤتمرات، فهي تساهم في إعطائها غطاءً دوليا تعتقد أنه يصرف النظر عن عجزها إحداث تقدم جدي لإنهاء الصراع، عوضا عن استمرارها في دعم حكومة عنصرية باعتراف قطاعات واسعة من الإسرائيليين أنفسهم عدا العالم الخارجي. ولكن الولايات المتحدة اليوم لا تريد الاكتفاء برعايتها لهذه المؤتمرات، بل تضغط وبقوة لانضمام الجانب الفلسطيني والأردن لمؤتمرات النقب، بدءا من المؤتمر المقبل في المغرب.
ما هي المصلحة الفلسطينية في الذهاب؟ هل هي خطوة تساهم في إنهاء الاحتلال؟ يأتي الجواب على هذا السؤال اليوم من الإسرائيليين أنفسهم. هل هي خطوة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية وبالتالي تثبيت وجودهم على الأرض، كما يقول بعض مؤيدي الذهاب؟ نذكر جميعا وعود بيريز وحكومات إسرائيلية عديدة بذلك لم يتحقق أي منها. فتحسين الوضع الاقتصادي تحت الاحتلال بدعة إسرائيلية أثبتت الأيام عدم جدواها. هل هي لتلميع صورة إسرائيل المتآكلة أمام العالم، بعد أن باتت ممارساتها العنصرية واضحة أمام الجميع؟ وماذا عن الأردن الذي يتعرض اليوم لضغوطات أمريكية هائلة للذهاب؟ لأي غرض يذهب؟ لتلميع صورة دولة بات واضحا أنها أصبحت تمثل تهديدا وجوديا له؟ هل لأجل مكاسب اقتصادية لم يحصل عليها حتى مع توقيعه اتفاقية سلام مع إسرائيل قاربت على عامها الثلاثين؟ وهل يعلو إرضاء الأردن للولايات المتحدة على أمنه الوجودي؟ وهل الأردن عاجز عن إقناع الولايات المتحدة أن ذهابه أمر غير مقبول شعبيا بالمعايير كافة؟ نعم، تتعدد أسباب حضور دول مؤتمر النقب لمثل هذه المنتديات، لكن لا يبدو أن هناك اسبابا مقنعة لحضور الأردن والجانب الفلسطيني. إن كانت الولايات المتحدة تحاول تلميع صورة إسرائيل بكل الوسائل، من دون جني أية ثمار فلسطينية أو أردنية، فهذه مهمة من الأنجع للأردن والجانب الفلسطيني تفويتها.
كاتب أردني
حسب اخر الاخبار سيلغى هذا المؤتمر لرفض امريكا اقامته في مدينة الداخلة بالصحراء الغربية،و هذا ما ادى بالمغرب لرفض احتضانه.
الاتفاق على عقد المؤتمر بمدينة الداخلة تمَّ بحضور أنتوني بلينكن في النقب 1.
بالنقب أو بدونه الصحراء مغربية وستظل كذلك.
في حزيران ١٩٦٧ قابل السفير العراقي انذاك مسؤول مكتب الشرق الاوسط في الخارجية الاميركية وقال بعد سماح الولايات المتحدة الامريكية لاسراءيل بالعدوان على الدول.العربية فلن يكون هناك عربي يدافع عن العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية. ساءلت السفير عن جواب المسؤول الاميركي قال “على العرب الذين يقيمون علاقات بلدانهم مع الولايات المتحدة الامريكية ان يدافعوا عن تلك العلاقات. الحقيقة هذا هو الوضع من عام ١٩٦٧ الى الان: اسراءيل لا تريد اي وجود سياسي فلسطيني. وكل المفاوضات هي لكسب الوقت لضم الاراضي الفلسطينية المحتلة وتهجير الفلسطينين من ارضهم.
الدول العربية لا حول ولا قوة لها. هناك من يتأمل بقيام إيران بمواجهة اسراءيل ولكني من العراق هاجرت قبل اكثر من خمسين عاما واعرف ألماسي التي حلت بالعراق من قبل المليشيات التابعة لإيران.
ولذلك لم يبق لي غير دعاءي الى الله وقلمي.
بعد قرار أممي تقسيم فلسطين 1947 وإقامة دولة يهود 1948 باتت قضية فلسطين برعاية نظام عربي ودخل جيش الأردن للضفة الغربية والقدس ودخل جيش مصر لقطاع غزة ثم اضطرا لإنسحاب 1967 وبعد حرب 1973 قرر نظام عربي أن منظمة التحرير ممثل شرعي فلسطين ونقل مسؤولية الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة من الأردن ومصر للفلسطينيين 1975 ووقعت مصر ثم فلسطين ثم الأردن سلام مع إسرائيل ولم يعد بإمكان الأردن ومصر إرسال جيشيهما للضفة الغربية والقدس وقطاع غزة حتى لو حصل بها فوضى وانقسام فلسطيني وتبعيتهم لإيران وتصادمهم مع إسرائيل.
نحن لا نتوقع من هذه الاجتماعات سوى تحسين الحياة نسبيا للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الاسرائيلي. الشعب الاسرائيلي لا يحب السلام والتعايش مع الشعب الفلسطيني والدليل على ذلك اختيارهم لحكومات متتطرفة. فالشعب اليهودي مشارك بجرائم الاختلال البغيض. تحياتي معالي الدكتور المعشر