كان باري لندو، خلال سنوات، مُخرجاً كبيراً لبرنامج “60 دقيقة” في قناة “سي.بي.اس” الأمريكية. وعمل إلى جانب المراسل الأسطوري مايك فالاس، مؤلف الكتب الذي يعيش في باريس ولندن. وقد زار مؤخراً إسرائيل مع زوجته الفرنسية اليزابيث بعد عشرين سنة على آخر زيارة له هنا. ولكن مشكلة مع مؤسسة “يد واسم” شوشت على زيارتهما وتسببت بحزن كبير لهما. “زوجتي كاثوليكية وأنا يهودي. اعتقدنا أن شرف الصالح من بين الأمم سيمنح للأغيار الذين عرضوا حياتهم للخطر من أجل إنقاذ اليهود أثناء الكارثة. لقد كنا مخطئين”، كتب لي.
وإليكم القصة. جد زوجته وجدتها كانا عضوين في المقاومة الفرنسية وأنقذا نحو ألف شخص هربوا من المعسكرات الألمانية ومن مناطق الاحتلال الألمانية. الجد انطوان ماس كان رئيس مجلس قرية مايسنتال في شمال شرق فرنسا. ومنح المأوى لمئات الأشخاص الذين هربوا من النازيين، في قبو مصنع الزجاج الذي أداره. كان عدد منهم من اليهود. كانت مايسنتال تحت سيطرة ألمانيا. وماس وأبناء عائلته عرضوا حياتهم للخطر في عملية الإنقاذ التي قاموا بها. بعد الحرب منحه الرئيس الفرنسي شارل ديغول وسام شرف. والآن اعتقدت حفيدته بأنه يستحق أيضاً لقب “صالح من بين أمم العالم”.
جيسيكا كوهين، من قسم الصالحين من بين أمم العالم في “يد واسم” التي توجهت إليها الحفيدة برفقة وثائق ورسائل من الناجين ردت بأنه لا شك أن ماس كان رجلاً شجاعاً، وكان مدفوعاً بمشاعر إنسانية وفتح أبوابه لأشخاص في ضائقة. ولا شك أيضاً بأنه من بين الذين أنقذهم ثمة أشخاص يهود، لكن ذلك غير كاف بالنسبة للمؤسسة. “لا يمكننا الإثبات بأن نشاطاته استهدفت إنقاذ اليهود”، كتبت كوهين، وأضافت: “إن تعريف صالح من بين أمم العالم يتعلق فقط بالأشخاص الذين عرضوا حياتهم للخطر من أجل إنقاذ اليهود لكونهم يهوداً”.
أبناء الزوجين لندو كانوا مصدومين. “أن تعرض حياتك للخطر من أجل اليهود لكونهم بشراً دون علاقة بالدين، هذا غير كاف بالنسبة لمؤسسة “يد واسم”. إذا لم تنقذهم لكونهم يهوداً فلا تزعجنا”، كتب لندو، “بصفتي يهودياً لم أصب بالصدمة فقط، بل خجلت من ذلك. هناك شيء ما مظلم ومهين في هذه المقاربة. هذا هو الارث نفسه الذي يقول “نحن الشعب المختار، وأنتم لا”، الذي يحرك سياسة إسرائيل ورؤية يهود كثيرين في العالم”.
الزوجان لندو غادرا البلاد. وأنطوان ماس لن يحظى باللقب المأمول في نظر حفيدته. ومع ذلك، يصعب تجاهل استنتاجات لندو القاسية. لقد اعتدنا منذ زمن على ظاهرة أن الكارثة هي لنا فقط ولا يوجد مثيل لها أو لنا. ولكن عندما يتم اختبار إنقاذ اليهود على الخلفية القومية، وهو الضيق والمثير للغضب، فهل سيكون إنقاذهم فقط لكونهم يهوداً أم بشراً، وكأن هذا يغير في الأمر شيئاً، تعترينا الدهشة بسبب الدور الذي أخذته على عاتقها “يد واسم”.
إلى جانب نشاط المؤسسة المهم والمثير للانطباع في الحفاظ على ذكرى الكارثة وتوثيقها، والذي لم يتم الاستخفاف به على مر السنين، فإن هذه المؤسسة الفاخرة ترتكب خطأ التطرف القومي والتعالي اليهودي والإسرائيلي. “يد واسم” كان يمكن أن تكون منارة عالمية للضمير. واستناداً إلى مكانتها العالمية كان يمكن أن تتصرف كمؤسسة عالمية وليس مؤسسة ضيقة، وأن ترفع صوتها ضد الجرائم الإنسانية في العالمية حتى لو كانوا ضحاياها من غير اليهود، وأن تصرخ ضد ما يفعلونه بالأقليات المضطهدة مهما كانوا.
العالم كان سيصغي لـ”يد واسم”. ولا يجب التقليل من ذكرى الكارثة من أجل إظهار الاهتمام بمصير الشعوب الأخرى غير الشعب اليهودي.
وهناك خطوة جريئة أخرى، التي هي بالتأكيد كبيرة على “يد واسم” ومن يؤيدونها: الاحتجاج أيضاً على ما ترتكبه الدولة اليهودية ضد أبناء شعب آخر. لا توجد طريقة أسمى من أجل التذكير بالكارثة. ولا يوجد استنتاج أسمى من عدم تكرارها. حتى عندما يدور الحديث عن ألم شعوب أخرى، وبالتأكيد عندما يدور الحديث عن جرائم ضد القانون الدولي وضد الإنسانية تقوم إسرائيل بارتكابها. ولكن لا يوجد لـ”يد واسم” الشجاعة ولن تكون لها في أي يوم.
بقلم: جدعون ليفي
هآرتس 24/11/2019