ولكن، هكذا يسألني هؤلاء الذين لا يعرفون عما يدور الحديث. لكنهم غير مسستعدين للتنازل. إسرائيل هي الخشب المؤدي إلى سفينة الهوية والا نغرق جميعاً، كما قال لي احدهم.
في سنة 1948 انهار النظام اليهودي القديم، هجرنا الطائفة المبعثرة لمصلحة التركيز الرسمي والعلماني اليهودي. ومع الزمن فشلت عملية الذوبان. واليوم دولة اسرائيل هي عملياً فيدرالية تجمعات وخمائر متعددة. وبداخل هذه التجمعات تبرز وتسيطر التجمعات الدينية بالغطرسة وترفض كل من لايدعمها. وقوتها السياسية ملتصقة بال»التدين: وتحول اسرائيل إلى اكثر دينية بسبب الاستعلائية اليهودية لرجال هذه التجمعات وبسبب ان الدولة هي التي تسمح لهم بقرض التدين على المعارضين. وقد اختفى افراد الطائفة المدنية التي نشأت هنا. تراجعوا إلى ما وراء اسوار «الدولة اليهودية» بأمل ان تحافظ لهم على هويتهم حصرياً.
ولكن ما هي الدولة اليهودية؟ بالنسبة للكثيرين هي المجال الخالي من الغرباء- نقاء عرقي وهذا كل شيء. ولآخرين هي اللغة العبرية والاهلية الجماهيرية، وهي السبت كيوم راحة والأعياد. وسيكون هناك من يضيف العلم وخطوط قماش الصلاه الموجودة عليه، نجمة داود، الشمعدان، نشيد «الامل»، والحاخامبة الرئيسية. الاصوليون يعلنون الولاء لقانون العودة، للمؤسسات الوطنية، لقانون الوصايا، للزواج الديني، كدين موسى واسرائيل ولمنع تربية الخنزير. وإلى الاصولية في الاصولية اسرائيل بالاساس هي ازدهار الخلاص. أساس كرسي الله في العالم، اي هي الصك الوطني من الله، ولا اكثر.
إنني افهم الحاجة النفسية إلى شيء ملموس. «ان تكون يهوديا» فهذا شيء مجرد جداً. خصوصاً لاولئك الذين ليست لديهم تلك الممارسات اليومية كفريضة، انهم يهود بسبب تاريخهم البعيد والقريب. وبسب انه ليس لهم طريق خاصة بهم للتعبير عن هذا الانتماء. انهم بحاجة للدولة كحارسة للهوية، الدولة هي الكنيسة الجديدة بالنسبة لهم. بالنسبة للكارهين والمكرهين. المتدينين وغير المتدينين.
اسرائيل الحالية هي نموذج يهودي غير عادي، نموذج سلطوي هو ليس مملكة داود الاسطورية وليست مملكة المسيحيين المستقبلية. الخوف من المحرقة والحروب شكلت هذا المجتمع الذي ادعى انه مثال يحتذى به للوجود اليهودي القديم. تحول إلى دولة اللجوء، التي تبرر كل شيء من اجل انقاذ جسد كل يهودي.
وبذلك فانه من الواضح لماذا في هذا الوضع النفسي لا يملك احد الصبر للفحص الدقيق في السؤال «ما هي اليهودية؟» وكل واحد بطريقته يصيغ التعريف الذي يريده إلى ما لا نهاية. والنتيجة هي ان الشعب اليهودي لم يشهد في تاريخه فترة تحققت بها الاسس المكونة لليهودية الاسرائيلية. والسيادة والارض واللغة، والقوة والدين. وكانت اوقات تكلمنا بها العبرية ولكن ليس في جميع المناطق. وفي اوقات اخرى كانت البلاد اكبر من مساحتها الحالية ولكن ليس تحت سيادتنا. او ان السيادة كانت يهودية ولكن بدون قوة او دين او قدسية او مسيح.
ولماذا اعارض انا التعريفات المتجذرة في الروح الاسرائيلية؟ لان كل دولة يجب ان تكون علمانية مدنية، دولة قانون ومساواة، لجميع مواطنيها وتجمعاتها يحدد طابعها من الأسفل إلى الأعلى من قبل الأفراد والتجمعات التي تعيش فيها. وليس بالاملاء والفرض من الاعلى. انا مع اسثمار الموارد العامة والحفاظ على التقاليد التاريخية لجميع التجمعات في اسرائيل. وكلما كان التجمع اليهودي هو الاغلبية فهو الذي سيشكل طابع المجال الجماهيري. في الوقت الذي تحافظ به تجمعات الاقلية على قيمها باحترام. واذا تحولنا إلى اقلية سيتم الاحتفاظ بحقنا في الحرية وتقرير المصير.
وينبغي ان نكون دقيقين، ان نؤثر ونشكل هنا يعني ان ندوس ونشطب وجود التجمعات الاخرى – لا، باي شكل من الاشكال- لان تقرير المصير على حساب الاخرين لايعتبر في نظري ديمقراطيا ولايعتبر يهوديا. ان اليهودية في المكان لا تستند إلى قوة الاملاء اليهودية. (اكل الفصح والسبت) وغيرها. اليهودية الاسرائيلية القائمة الان هي تقنية بيروقراطية قسرية وعدوانية وهي ليست يهودية على الاطلاق. وليست ديمقراطية.
هل هذا هو التعريف الوحد لليهودية؟ بالطبع لا. فعندما يعود فلاديمير بوتن إلى القيصرية وتعود الخلافة الإسلامية إلى القرن السابع ويعود الحاخامون إلى القرن الميلادي الثاني ولبيت المقدس، فإن بإمكاننا نحن ايضاً العودة إلى نقطة الانظلاق في 1200 قبل الميلاد.
النص الوحيد الذي تلقيناه من الله مباشرة، حسب الاسطورة اليهودية الدينية، هي الوصايا العشرة، والمسئولية الشخصية للفرد. لا يوجد بها الارض الموعودة. وبيت المقدس والكهنة والحاخامية والسيادة والاكراه. وصايا الله ليست سوى وضع حد لغطرسة الانسان. والخطوط العريضة لهذا هو أن لا تكون يهودية القبلية، والبيروقراطية الوطنية. هذه الثقافة والسلوك والأفكار والقيم التي تجعل حرمة الدنيوية من مسؤولية الإنسان. وأسس العدالة الاجتماعية ونزاهة النظام الأساسي وقانون عمل منطقي في مركزه يوم راحة اسبوعية الزامية، مع الاعتراف بالقيود المفروضة على سلطة الإنسان، والقانون، والحقيقة، ومحاربة الظلم، والحد من الفجوة بين الأغنياء والفقراء، والمساواة بين الكبير والصغير، والحب الكره، وحتى الاحساس بالم الحيوانات.
هل نحن في هذا الاتجاه؟ لا على الإطلاق. دولة القيم هذه هي اطار اليهود الذين وضعوا لهم هدفاً على تعزيز أفضل حكم للإنسان، والتصرف – في العلاقات الداخلية والخارجية – وفقا للمعايير الإنسانية والأخلاق والعدالة الإنسانية دون تمييز. العنصري لا يمكن أن يكون مواطنا في بلد مثل هذه حتى الصالحون سيكونون بها مواطنين فخرييين. نظامها التعليمي يثقف مواطني المستقبل لإنشاء مجتمع يحب للاخرين مثلما يحب لنفسه. مجتمع يتذكر الأخطاء التي فعلها الاخرون له. ولكن لا يتشكل بواسطتها، ولا يجعلها السياسة العدوانية التي تبرر الشرور والظلم للآخرين. هذا هو المجتمع الذي يقف إلى جانب كل ملاحق في العالم بكل طرق التضأمن والمساعدة.
وهنا يسأل السؤال: ولكن تلك القيم التي يستحقها كل الناس، فما اليهودية أو الإسرائيلية فيها؟ ببساطة. التراث القديم، لدينا إرث تلك القيم الإنسانية، التي بالامكان نشرها لكل العالم. ولتكن اليهودية الفريدة من نوعها التي تضع هذه القيم على رايتها وتعكس اعمالها طموحاتها الانسانية. بذلك تتحول اسرائيل إلى رائدة دول العالم الانسانية الايجابية. لا تتاجر بالسلاح بل تلتزم بحقوق الانيسان. تسعى إلى السلام ولا تخطط للحروب. مجتمع يقول زعماؤه دائماً انا سوري انا نيجيري انا دارفوري ويعملون وفقاً لذلك وعندما يجرؤ حينها احد على الاعتداء على يهودي يقف جميع شركائه ليقولوا كلنا يهود. ويتصرفون وفقا لذلك. هذا هو التعريف الوحيد لليهودي القادر أن يعيش بتضافر كامل مع الديمقراطية» ولا يعلن في كل صباح جديد الحرب على الاخرين. هذا هو المجتمع الذي له دولة ديمقراطية لجميع مواطنيها وهو التعبير العميق والاساسي عن «اليهودية».
هآرتس 25/1/2015
ابراهام بورغ