ماذا سيقدم زيدان وكامبوس الى مشروع باريس سان جيرمان الجديد؟

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: تصدر الأسطورة زين الدين زيدان، عناوين الصحف والمواقع الرياضية العالمية الأسبوع الماضي، بعد التغير المفاجئ في موقفه من تدريب باريس سان جيرمان، استنادا إلى مصادر صحافية، تحظى بمصداقية لا بأس بها، اطلعت على ما يدور خلف الكواليس، بعبارة أخرى، هناك إجماع على اقتراب زيزو من الوصول إلى سُدّة الحكم في «حديقة الأمراء»، خلفا للأرجنتيني ماوريسيو بوتشيتينو، كجزء من مشروع أثرياء عاصمة الحب الجديد، الذي سيُشرف عليه العبقري البرتغالي لويس كامبوس، بعد توليه منصب المدير الرياضي، أو كما جاء في البيان الرسمي «مستشارا رياضيا للنادي»، بعد رحيل البرازيلي ليوناردو بالتراضي في الساعات التي تلت إعلان وضع حجر أساس مشروع العقد، بتأمين مستقبل كيليان مبابي حتى منتصف العام 2025.

من هو كامبوس

تخبرنا سيرته الذاتية، أنه من مواليد الفاو، وهي بلدة ساحلية صغيرة يسكنها حوالي 3000 شخص شمال البرتغال، ومثل ابن جلدته جوزيه مورينيو، كامبوس لم يمارس كرة القدم بشكل احترافي، مكتفيا بتفريغ طاقته في مرحلة الشباب، قبل أن يتابع دراسته في التربية البدنية في جامعة بورتو، تلك الفترة التي استكشف خلالها موهبته في عالم التدريب مع مراهقين أيه إس إسبوسيند، وبعد التخرج، عمل كمدرب لياقة بدنية مع دوري الدرجة الأولى البرتغالي، إلى أن قرر تغيير مساره المهني، بالاتجاه إلى الإدارة الرياضية، مستغلا موهبته الفطرية في اكتشاف الجواهر الخام، وكان ذلك بعمر 27 عاما. ورغم بدايته البطيئة، التي كانت سببا في حصوله على لقب «القبر»، لكثرة مشاريعه الفاشلة، التي انتهت بهبوط فرقه إلى الدوري الأدنى، مثل فيتوريا دي سيتوبال موسم 2004-2005 وبيرا مار بعد ذلك، إلا أنه لم يفقد الأمل ولا الثقة في نفسه، حتى بعد ابتعاده عن الساحة لمدة سبع سنوات، لانشغاله بعمله في شركته الخاصة، لتوفير المعدات والبرامج التكتيكية لأندية كرة القدم، منها تطبيق كان يسمى «لوحة مورينيو التكتيكية»، الذي ساهم في تقربه من «سبيشال وان» ووكيل أعمال اللاعبين الشهير جورجي مينديز، ليجني ثمار الصبر والمثابرة، بالحصول على فرصة العمر، التي قادته الى أمجاد ما بعد 2015، عندما جلبه مورينيو إلى «سانتياغو بيرنابيو»، لشغل منصب محلل تكتيكي وكشاف للجواهر الخام في العام 2012، لتتبدل أوضاعه من النقيض إلى النقيض، كما روى بنفسه لصحيفة «أو غوجو» المحلية «لم يكن ذلك عن طريق الصدفة، ليس لأن عيني زرقاوان أو لأنني وسيم. لقد دعيت لأن جوزيه مورينيو أدرك أن لدي الكفاءة للعمل معه، وقد ساعدني على كيفية تقدير قيمة الصرامة والمتطلبات في كرة القدم الحديثة»، وهي بالضبط الصفات التي كان يحتاجها، بجانب «صك» العمل في نادي القرن الماضي، ليشق طريقه، بما تُعرف روائعه في فرنسا مع موناكو وليل، حيث تقمص دور العراّب، الذي أوقف طغيان العملاق الباريسي مرتين منذ استحواذ صندوق الاستثمار القطري على أسهم «بي إس جي» بداية العقد الماضي.

صانع الأمجاد

هكذا لقبته الصحافة الفرنسية، بعد الطفرة التي أحدثها في منظومة الكرة داخل موناكو، بعد تغيير منصبه، من مستشار للرئيس فاديم فاسيليف، إلى وظيفته المفضلة، كمدير رياضي للمشروع، وتجلى ذلك في الاختلاف الجذري لسياسة نادي الإمارة المنفصلة، من كيان يعمل كماكينة صرف، للتوقيع مع ألمع وأشهر النجوم عام 2013 بمبالغ طائلة، من نوعية رداميل فالكاو وخاميس رودريغز وجواو ميتينو وأسماء أخرى كبدت الخزينة ما يقرب من 150 مليون يورو، إلى ناد يعتمد على المواهب الخام، بفضل شبكات كامبوس الواسعة، التي وضعت حجر أساس ذاك الفريق التاريخي، الذي أوقف هيمنة باريس سان جيرمان عام 2017، ونجح في الترشح للدور نصف نهائي دوري الأبطال للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمان، والحديث عن اكتشافه الأعظم كيليان مبابي وباقي الرفاق القدامى بيرناردو سيلفا وتيمو بكايوكو وفابينيو وليمار وبنجامين ميندي، وأسماء أخرى تعاقد معها بأرقام أقرب لوصف «رمزية»، وفي وقت قياسي أنعشت الخزينة بمئات الملايين، تماما كما تعهد في جملته المأثورة: «صدقوني… سأخلق روائع في ليل»، وقد صدق الرجل وبأثر فوري، بتوظيفه الذكي لأموال النادي في أول نافذة صيفية في منصبه. فعلى سبيل المثال، استفاد من رغبة وستهام في بيع خوسيه فونتي، وأتى بسيليك من دوري الدرجة الثانية التركي بـ2.5 مليون يورو، وصفقات مجانية أخرى مثل جوناثان بامبا ورافائيل لياو، وقبل كل شيء، أطاح بالأرجنتيني مارسيلو بييلسا، ليصبح في أعين الإدارة والجميع ذاك الرجل الذي لعب دورا محوريا في نهضة النادي الشمالي، وحدث ذلك بعد نجاحه في تحقيق الهدف الأول والرئيسي في موسمه الأول، بإعادة الفريق إلى أضواء وشهرة دوري أبطال أوروبا، والأهم من ذلك، جعل ليل يسير على خطى موناكو، كمؤسسة تحظى بسمعة عالمية في ما يخص بتصدير المواهب اللامعة، على غرار صفقة نيكولا بيبي، الذي تعاقد معه مقابل 10 ملايين يورو، وبعد فترة وجيزة، باعه النادي لآرسنال بحوالي 80 مليون بنفس العملة، وكذا أتى بالنيجيري فيكتور أوسيمين بما يلامس 12 مليون يورو، وفي عملية إعادة بيعه، أنعش الخزينة بأكثر من 70 مليوناً بخلاف متغيرات صفقة انتقاله إلى نابولي الإيطالي، ومن لا شيء، كسب ليل 35 مليون يورو لتمرير ذهاب لياو إلى ميلان.
وفي الأخير، ترك بصمته تتحدث عن نفسه، بالمشروع الذي خطف لقب الليغ1 من المنافس الباريسي المدجج بالأسلحة الثقيلة من نوعية كيليان مبابي ونيمار جونيور في نسخة 2020-2021، وهذا يعكس ويفسر سبب وقوع اختيار الرئيس ناصر الخليفي عليه، ليكون عراّب الخطوة أو المرحلة الأخيرة في مشروع إنهاء عقدة دوري أبطال أوروبا، ولو أن زميله السابق في اللوس بلانكوس كارانكا، توقع ذهابه لأحد عمالقة أوروبا قبل عامين، بتصريحه الشهير: «ليس من قبيل المصادفة أن يرتبط اسمه بتشلسي أو ميلان أو بأندية كبرى أخرى في العالم، عندما تنظر إلى اللاعبين الذين تعاقد معهم في موناكو وليل، فإن الفرق بين السابق والحالي مذهل، هو واحد من الأفضل». وبجانب ما سبق، يُعرف عن الخبير البرتغالي ثباته داخل غرفة خلع الملابس، بالأحرى ليس من النوع الصدامي، بل يُجيد فن «وضع الحواجز والمسافات» الصحية مع المدربين واللاعبين، لتجنب حدوث تجاوزات أو صراعات شخصية وراء الكواليس، وأيضا حفاظا على مبدأ التخصصية في العمل، بعدم القفز على مهام المدرب وأفكاره واختياراته للاعبين، إلا وقت المساءلة والحساب في نهاية الموسم، وهي أمور ربما كان يفتقدها باريس سان جيرمان في ولاية ليوناردو الثانية، التي شهدت حصيلة غير مسبوقة من الصدامات والصراعات الداخلية، أشهرها النزاع الأعنف مع المدرب الألماني توماس توخيل، الذي أسفر في النهاية عن طرد الأخير بعد ستة شهور فقط من تأهله لنهائي دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخ النادي، والأكثر قهرا، بعد شهور تعد على أصابع اليد الواحدة، قاد تشلسي لمعانقة الكأس ذات الأذنين في نسخة 2021، بخلاف مشاكله مع كيليان مبابي بعد إخفاقه في ملف إقناع النجم الفرنسي بتجديد عقده، وغيرها من الملفات والسياسات التي تحتاج لإعادة الترتيب مرة أخرى داخل الصرح الباريسي، وبالطبع يأمل الخليفي ومجلسه المعاون بأن يكون المفتاح والحل في يد صانع الأمجاد.
القطعة المفقودة

إذا كان كامبوس هو «عراّب» مشروع باريس سان جيرمان، فالفرنسي زين الدين زيدان، يمكن اعتباره أو وصفه بالقطعة النادرة، التي يبحث عنها رجل الأعمال القطري منذ وصوله لرئاسة النادي، كيف لا والحديث عن صاحب «الكاريزما الطاغية»، التي يحتاجها فريق النجوم الحالي، في حضرة أسماء بحجم الأعجوبة ليونيل ميسي، نيمار جونيور، كيليان مبابي وباقي النجوم، الذين يحتاجون نوعا خاصا من المدربين، من أجل السيطرة عليهم وتطويع قدراتهم الخاصة لمصلحة الفريق، كما فعلها في ولايته الأولى التاريخية مع ريال مدريد، عندما تفنن في استخراج عصارة جيل «لا ديسيما»، وعلى رأسهم الهداف التاريخي لكرة القدم كريستيانو رونالدو، الذي كان يعيش واحدة من أتعس فتراته مع الميرينغي، تارة لسوء توظيفه من المدرب رافا بنيتيز، وتارة أخرى لصراعه الشخصي مع نفسه من أجل الصمود في أعلى مستوى تنافسي، في الفترة التي بدأت تظهر فيها مشاكله البدنية في مركزه المفضل في حقبة العشرينات كجناح أيسر مهاجم، قبل أن يأتي المدرب الجزائري الأصل/الفرنسي الهوية، ويصنع نسخة صاروخ ماديرا المدمر في مركز الرقم 9. وأيضا بداية نضوج كريم بنزيمة، كانت على يد مواطنه، بعد الاستماع الجيد لنصائحه، بتغيير عاداته التي لا تساعده على إطالة عمره الكروي، ليتحول في غضون سنوات من مهاجم أقرب ما يكون لمثار سخرية الجمهور المدريدي قبل الشامتين، إلى الحكومة والقائد والهداف والأسطورة أو قل ما شئت إن كنت مدريديا، ونفس الأمر ينطبق على رجاله المخلصين الذين أعادوا زمن الميرينغي الجميل، باحتكار أعرق وأمجد كؤوس القارة العجوز 3 مرات تواليا في الفترة بين عامي 2016 و2018، مثل قائد الجيل سيرخيو راموس، الذي تحسن سلوكه ومستواه داخل الملعب، بطريقة غير مسبوقة قبل قدوم زيدان، والحارس الأمين كيلور نافاس ورافاييل فاران وتوني كروس ولوكا مودريتش وكاسيميرو وكل من تحولوا إلى أساطير حقبة زيزو الأولى.
وبالنظر إلى أوضاع باريس سان جيرمان وتقييم أداء نجومه تحت قيادة المدرب الأرجنتيني ماوريسيو بوتشيتينو، لن نستغرق وقتا للتأكد من أنها لم تكن الأفضل على الإطلاق، أو بالمقولة الشهيرة «كان بالإمكان أفضل مما كان»، والحديث ليس عن نتائج وأداء الفريق على المستوى المحلي، لأن الألقاب المحلية لا تعني أي شيء بالنسبة للمشجعين، وإن جاز التعبير «ليست معيارا» أو شهادة ضمان بالنسبة لأي مدرب من أجل البقاء في جنة «حديقة الأمراء»، بل لحصيلته غير المقنعة على المستوى الأوروبي، خاصة في محاولته الثانية لفك عقدة الكأس ذات الأذنين، التي ظهر خلالها الفريق بنفس الصورة والشخصية المهتزة التي كان عليها قبل الارتقاء بمستوى الطموح بالوصول إلى نهائي الأبطال مع توخيل، بمعنى آخر، عاد إلى نقطة الصفر، كفريق مفخخ بإمكانه إهانة وبعثرة أي منافس في مباراة، وفي الأخرى يظهر بصورة مغايرة وصادمة، والدليل على ذلك، التشابه الكبير في سيناريو الخروج أمام عملاقي الليغا ريال مدريد وبرشلونة في النسخة الأخيرة وما حدث في ريمونتادا مارس/آذار 2017، باكتساح وفوز مستحق في الذهاب على كتيبة كارلو أنشيلوتي في ذهاب دور الـ16، ثم بالتقدم في إياب «سانتياغو بيرنابيو» في أول 45 دقيقة، لكن بعد ذلك، انهار الفريق أمام كريم بنزيمة ورفاقه، بنفس الصورة المحفورة في الأذهان، في ليلة السقوط الكبير أمام نيمار وميسي في «كامب نو» قبل خمس سنوات، وهو ما ساهم بشكل أو آخر في انقلاب شريحة لا يستهان بها من الجمهور الباريسي على البوش، وبالتبعية ارتفعت الأصوات المطالبة بالتوقيع مع زيدان، على أمل أن يكرر معجزاته مع اللوس بلانكوس.

الفرصة الأخيرة

في حال صدقت الأنباء التي تراهن على وصول زيدان إلى القيادة الفنية لـ«بي إس جي» قبل نهاية يونيو/حزيران الجاري، سيكون التحدي الأول والأهم بالنسبة لأسطورة ريال مدريد كلاعب ومدرب، هو إحياء مسيرة النجوم، الذين هبط مستواهم بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية، وفي مقدمتهم أغلى لاعب في التاريخ نيمار جونيور، الذي ما زال يبحث عن نسخته الضائعة منذ ليلة توهجه أمام فريقه الحالي عام 2017، أو بمعنى آخر، يبحث عن نصيحة ذهبية من صاحب الصلعة العبقرية، حتى يغير عادته ويسير على خطى بنزيمة وكل النجوم، الذين ساعدهم على إحياء مسيرتهم في الوقت المناسب، ونعرف أن الساحر البرازيلي أوشك على كسر ربيعه الـ30، وحال استمر وضعه الغامض كما هو عليه للموسم السادس على التوالي، سيكون بنسبة كبيرة، قد فقد فرصته الأخيرة للتواجد في أعلى مستوى تنافسي في كرة القدم، وربما انتهاء فرصه إلى الأبد في المنافسة على «الكرة الذهبية» كأفضل لاعب في العالم من قبل مجلة «فرانس فوتبول» أو «الأفضل» من قبل الفيفا، ومن يدري، قد يجد نفسه مجبرا على مغادرة النادي الباريسي، ونفس الأمر ينطبق على البرغوث ليونيل ميسي، الذي بصم على واحد من أغرب مواسمه في مسيرته الاحترافية، بحصيلة أهدافه المتواضعة، التي لم تكسر حاجز الـ11 هدفا، منها ستة أهداف فقط على مستوى الدوري الفرنسي من مشاركته في 26 مباراة، ما يعني ببساطة، أنه يحتاج مصالحة الجماهير الباريسية، باستعادة بريقه ونسخته الفضائية التي رسمها لنفسه على مدار أكثر من عقد ونصف العقد مع البارسا، وبطبيعة الحال، لن يجد أفضل من زيدان، لمساعدته على نثر سحره وإبداعه بالصورة المنتظرة منه مع باريس سان جيرمان، كما قدم من قبل «يد العون» للغريم الأزلي كريستيانو رونالدو، بابتكار مركزه الحالي، الذي جعله يجدد شبابه ويحافظ على جزء كبير من معدلاته البدنية في النصف الثاني من عقد الثلاثينات، ولك عزيزي القارئ أن تتخيل أن ينجح زيدان في إعادة نسخة هذا البرغوث جنبا إلى جنب مع نيمار ومبابي، وفي الوسط فيراتي وغايي أو فينالدوم مع خيار آخر أفضل جودة من الأرجنتيني لياندرو باريديس، ويا حبذا لو وجد زيزو وكامبوس وسيلة أو طريقة لجعل الدفاع بنفس جودة الوسط والهجوم المرعب، بالتوقيع مع مدافع من الطراز العالمي، بإمكانه إعطاء إضافة تحاكي فان دايك لدفاع ليفربول ودياز للسيتي ومثل هذه النماذج، بجانب الاستقرار على حارس واحد كبير من الثنائي نافاس ودوناروما، لضمان أعلى مستوى من الاستقرار داخل غرفة خلع الملابس، وإذا حدث كل ما سبق، فلن يعيق المشروع الباريسي نحو تحقيق هدفه المنشود، إلا سوء الطالع أو أحكام كرة القدم التي أحيانا لا تخضع للمنطق والعقل خصوصا في سهرات الثلاثاء والأربعاء الأوروبية، والسؤال الآن: هل ينجح كامبوس وزيدان في تحقيق ما عجز عنه كل من تناوب على رسم مشاريع باريس سان جيرمان بثوبه الجديد؟ دعونا ننتظر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية