انقشع غبار الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في التاسع من الشهر الحالي، واصبحت صورة الكنيست، (البرلمان الإسرائيلي)، الواحد والعشرين، كاملة الوضوح. لكن ما ليس واضحا بالتأكيد حتى الآن، هو تشكيلة الإئتلاف الذي سيشكِّل منه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حكومته الخامسة، وإن كانت دلائل كثيرة تشير الى انه سيكون ائتلافاً اكثر يمينية وعنصرية من الحكومة الحالية بالغة العنصرية اصلا.
امام نتنياهو الآن بديلان: بديل مستبعد، وهو تشكيل حكومة اتحاد وطني، تجمع حزب الليكود، (35 مقعدا من اصل 120 مقعدا في الكنيست)، وقائمة «كَحْول لَفان»، («ازرق ابيض»، وهما لونا العلم الإسرائيلي)، والمُكوَّنة من ثلاثة احزاب هي: «مناعة لإسرائيل» بزعامة بنيامين (بيني) غانتس، «هناك مستقبل»، بزعامة يائير لبيد، «الحركة الوطنية الرسمية» بزعامة موشي (بوغي)يعالون، بالاضافة الى غابي اشكنازي، الذي اشترط لانضمامه الى القائمة، ان يتوحد حزبا غانتس ولبيد. وهذه القائمة التي تشكلت قبل اقل من شهرين من الانتخابات، نجحت في حصد 35 مقعدا في الكنيست. واذا تشكلت مثل تلك الحكومة، فانها ستكون حكومة مستقرة للغاية، حيث انها تستند الى اغلبية مكونة من سبعين عضو كنيست، اضافة الى احتمال انضمام احزاب دينية واحزاب يمينية، واحزاب تسمي نفسها «احزاب وسط»، وهي «وسط» بالمقاييس الإسرائيلية الصهيونية فقط.
البديل الآخر امام نتنياهو، وهو البديل المرجَّح، هو تشكيل حكومة من الليكود والحزبين الدينيين، شاس ويهدوت هتوراة، ولكل منهما ثمانية مقاعد، بالاضافة الى قائمة «اتحاد اليمين» المكون من احزاب مغرقة في التعصب، ولها خمسة مقاعد، وحزب «إسرائيل بيتنا»، البالغ العنصرية هو الآخر، بزعامة افيغدور ليبرمان، ولكل منهما خمسة مقاعد، وحزب «كلُّنا» اليميني المعتدل، (مرة اخرى: بالمقاييس الإسرائيلية)، بزعامة موشي كَحَلون، وله اربعة مقاعد. وهذه ستكون، بالتأكيد، حكومة أبارتهايد وعزل عنصري، ويشكل كل واحد من هذه الاحزاب الصغيرة «بيضة القبّان»، القادرة على اسقاط الحكومة في أي لحظة تريد، ويستطيع كل حزب منها ان يبتز نتنياهو، الغارق اصلا في اتهامات امام القضاء بالرشوة.
سنعرف النتيجة حول هذه المسألة خلال الاسابيع القليلة المقبلة على ابعد حد.
لكن ما اسفرت عنه الانتخابات الإسرائيلية، تحمل في ثناياها حقائق واضحة، يجدر بنا دراستها بعمق وجدية، واستخلاص العِبر منها، إذ ليس ما هو اهم منها إلّا الإنتخابات المقبلة، والتي قد لا يطول انتظارها، بسبب احتمال حل الكنيست الجديدة، خلال اقل من سنتين، اذا اخذنا في الاعتبار قضايا إسرائيلية داخلية، ليس اهمها الاتهامات الموجهة لنتنياهو، وامكانية الزامه بالمثول امام القضاء، وربما الحكم عليه، ولكن ما قد يسفر عنه طرح ادارة الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، لما يسميه هو «صفقة العصر»، وكيفية تعامل احزاب الائتلاف الحكومي، وخاصة الاكثر تعصبا وفاشية وعنصرية بينها.
قد يكون من الايسر توضيح الاهم بين الدروس والعبر المستقاة من نتائج الانتخابات الإسرائيلية الاخيرة، وضعها في نقاط محددة، كما يلي:
1ـ ملاحظة تسارع غير مسبوق في انزلاق المجتمع اليهودي في إسرائيل في هاوية العنصرية والفاشستية، واليمينية الظلامية، حد اتهام كل يهودي غير بالغ اليمينية بانه يساري، واعتبار كلمة «يساري» تهمة وعيباً وشتيمة. وصل هذا الى درجة استخدام نتنياهو لكل ما أوتي به من كفاءة ديماغوجية مشهودة، لتشكيل قائمة «اتحاد اليمين» لتضم اعضاء من حركة «كهانا» العنصرية التي اخرجتها حكومات الليكود نفسه سابقا خارج القانون، واعتبرتها، رسميا، حركة عنصرية ارهابية، اضافة الى اتخاذ الادارات الامريكية السابقة نفس هذا الموقف من تلك الحركة العنصرية المعلنة.
2ـ ازدياد حضور سياسي داخلي في إسرائيل للأحزاب الدينية (الحريديم)، في الكنيست، (وفي الجيش الإسرائيلي)، بسبب ازدياد نسبتهم في إسرائيل، استنادا الى نسبة التكاثر بينهم. وفي احصائية سابقة قبل نحو عشر سنين، كان معدل عدد الاولاد في عائلات اعضاء الكنيست اليهود العلمانيين والتقليديين اقل من اثنين بقليل، في حين كان عدد الاولاد في عائلات «الحريديم» يزيد عن سبعة. و..»العيال كبرت»، كما في اللهجة المصرية، واصبح لهؤلاء الاولاد حق في التصويت في الانتخابات المحلية والانتخابات العامة للبرلمان الذي يشكل الحكومات. اضافة لذلك، وتأثُّراً بالجو العام السائد في إسرائيل، فحتى هذه الاحزاب ازدادت عنصرية ويمينية. ونتذكر في هذا السياق الحاخام المتخلف عوفاديا يوسف، الذي برر تأييد حزبه «شاس» لاتفاقية اوسلو، بتغليب اهمية الحياة والسلام على اهمية وحدة «ارض إسرائيل».3ـ حزب «مَباي» (حزب العمال الإسرائيلي)، وهو حزب «مهندس دولة إسرائيل»، دافيد بن غوريون، وحالياً «حزب العمل»، الذي انشق عنه بن غوريون نفسه، وشكّل مع موشي ديان وشمعون بيرس حزب «رافي» ثم عاد اليه، وبعض من اعضاء حزب «احدوت هعفوداة» وغيرهم، ليصبح اسمه «المعراخ»، ثم ليتحالف مع منشقين من حزب الليكود، («حيروت» سابقا)، بزعامة تسيبي ليفني، وليصير اسمه «المعسكر الصهيوني»، عاد الى اسمه السابق «حزب العمل»، نال في الانتخابات الاخيرة قبل ايام ستة مقاعد في الكنيست، من اصل 120 مقعدا، بعد ان حصل في زمن مضى على اكثر من خمسين مقعداً، (هل يذكرنا هذا بحال حركة «فتح»؟؟). وسبب ذلك انه ليس عنصريا ويمينيا بالمقياس الإسرائيلي الحالي.
4ـ كل ذلك مهم لفهم واستيعاب ما يجري في إسرائيل، وانزلاق المجتمع اليهودي فيها الى حضيض عنصري بعد حضيض عنصري سابق. لكن ماذا عن الفلسطينيين العرب في إسرائيل، الذين يحملون «بطاقة الهوية الإسرائيلية»، (ولا اقول الهوية الإسرائيلية)، فهي مجرد «بطاقة» تعطيهم اشياء كثيرة، بينها حق المشاركة في الانتخابات؟؟.
هنا نصل الى «بيت القصيد».
يشكل الفلسطينيون في إسرائيل اكثر قليلا من 20% من المواطنين هناك. ولكن اصحاب حق الاقتراع بينهم تزيد قليلا عن الـ16%، بسبب ان نسبة عدد صغار السن، مقارنة باليهود في إسرائيل، واقل من 18 سنة، وهو سن الحق بالمشاركة في الانتخابات العامة. بعملية حسابية بسيطة، وفي حال افتراض مشاركة جميع اصحاب حق التصويت في إسرائيل، فإن باستطاعة الفلسطينيين العرب هناك ايصال نحو عشرين نائبا الى الكنيست.
بعملية حسابية بسيطة، وفي حال افتراض مشاركة جميع أصحاب حق التصويت في إسرائيل، فإن باستطاعة الفلسطينيين العرب هناك ايصال نحو عشرين نائبا الى الكنيست
في النتخابات السابقة شارك نحو 60% من العرب هناك في التصويت، واوصلوا في القائمة المشتركة، برئاسة الصديق ايمن عودة 13 نائبا الى الكنيست.
في الانتخابات الاخيرة قبل اسبوعين، وبسبب انقسام «القائمة المشتركة»، وبسبب تحالفات غير سليمة، غير مقنعة، ومشبوهة ومرفوضة وطنيا، شارك اقل من 50% في هذه الانتخابات. تقلّص عدد المقاعد للاحزاب العربية الاربعة في القائمة المشتركة، من 13 الى 10.
في مقابل ذلك تضاعف عدد المصوتين الفلسطينيين العرب في إسرائيل، لصالح حزب ميرتس اليساري الليبرالي، (الذي ضم في تشكيلته المحتملة للفوز بمقاعد في الكنيست ثلاثة اعضاء عرب)، اكثر من ثلاثة اضعاف ما ناله حزب ميرتس في الانتخابات السابقة. من 12000 صوت عربي، من اصل 60% من المشاركين في التصويت، الى نحو 40000 صوت عربي من نحو 48% من المصوتين. هذه رسالة من الفلسطينيين في إسرائيل، انها رسالة واضحة بليغة التعبير.
صديقي ايمن عودة:
حان الوقت لعمل جدي لتشكيل حزب من العرب الفلسطينيين في إسرائيل واليهود الليبراليين واليساريين العاقلين في إسرائيل، ليشكل هذا الحزب «بيضة القبّان» التي تمكن اهلنا في مناطق الـ48 للتاثير في السياسة الإسرائيلية لما فيه مصلحة هؤلاء الاهل، ولمصلحة مجموع ابناء شعبنا الفلسطيني في فلسطين وفي المنافي وبلاد اللجوء، ولليهود في إسرائيل ايضا، وللسلام ايضا وايضا.
لاينتهي هذا الكلام قبل تسجيل ملاحظة:
أَحَبُّ احرف اللغة العربية إلَيّ هو حرف الواو. فهو واو العطف، وواو المعيّة، وواو الجماعة، وواو القَسَم، وواو الرّفع. ويُحصي له بعض اللغويين خمسة عشر استعمالا ودلالة ومعنى. وهو الى ذلك رمز « الجبهة للسلام والمساواة».
لا نستبدله الا بما هو رمز لمصلحة اقامة تشكيل سياسي محلي إسرائيلي ديموقراطي، يحمل الخير لحاضرنا، ويفتح بابا لمستقبلنا.
٭ كاتب فلسطيني
من امن العقاب اساء الادب
هذا هو سبب تصاعد اليمين و العنصرية و الكراهية في المجتمع اليهودي في فلسطين و لو كان هناك تهديد يومي او حقيقي لقالوا ان الحياة و السلام اهم