قبل اسبوعين منحت هيلاري كلينتون مقابلة شاملة لجيفري غولدبرغ، الصحافي المختص في مسائل الشرق الاوسط. وأعطت فيها كلينتون اسنادا مئة في المئة، أو قرابة مئة في المئة، لحملة الجيش الاسرائيلي في غزة ومواقف حكومة اسرائيل تجاه السلطة الفلسطينية. وكل قارىء عليم يمكنه ان يفهم من المقابلة بان 1- وجهة كلينتون نحو الانتخابات للرئاسة بعد سنتين. 2- انها تحتاج في هذه اللحظة حاجة ماسة للمتبرعين اليهود. 3 – انها تسعى الى ابعاد نفسها عن اوباما وسياسته الخارجية.
بعد بضعة ايام من نشر المقابلة، تلقيت طلبا من أحد الشخصيات المعروفة في المؤسسة اليهودية في امريكا، مؤيد للحزب الجمهور. وحاول أن يقنع الاسرائيليين من خلالي بان كلينتون كاذبة: فهي لا تؤيد اسرائيل حقا.
ابتسمت. ليس في كل يوم يلتقي المرء بصهيوني صرف، مخلص لاسرائيل حتى آخر قطرة من دمه، غاضب على امور تقولها شخصية امريكية في صالح دولة اسرائيل.
المشكلة هي أن المتفرغ اليهودي الامريكي ليس وحيدا. فمكتب رئيس الوزراء في اسرائيل يقف الى جانبه، كتفا بكتف. واعتبارات سياسية داخلية كانت هناك منذ الازل في العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة. فهم نبشوا في الحملات الانتخابية عندنا؛ ونحن نبشنا عندهم. في معظم الحالات تجاهل الناخبون التدخل الخارجي وصوتوا كما يروق لهم. وفي بعض الحالات كان الاثر معاكسا.
لقد كان التدخل الفظ الاول بالذات من جانب الامريكيين. ففي احدى الوثائق القديمة في الخارجية الامريكية توجد برقية لجيمز مكدونالد، نائب (وبعد ذلك سفير) في الولايات المتحدة، يوصي بأن يقر لاسرائيل التي ولدت لتوها بقرض بدعوى أن بن غوريون مقبل على انتخابات وخصمه، مناحم بيغن، مشبوه بالعطف على الاتحاد السوفييتي. ويفيد التعليل بجهل السفير الامريكي في السياسة الاسرائيلية، ولكن القرض اقر وانقذ اسرائيل من الجوع.
لقد حاول اسحق رابين المساعدة في اعادة انتخاب نكسون في 1972؛ وحاول بل كلينتون المساعدة في انتخاب بيرس في 1996؛ ونتنياهو حاول مساعدة سلسلة من المرشحين الجمهوريين، آخرهم ميت رومني، خصم اوباما. ان الاستقبال المعانق الذي حظي بين رومني لدى زيارته الى البلاد عشية الانتخابات للرئاسة كان مثلا مزعجا في الولايات المتحدة.
بعد شهرين ونصف ستجرى الانتخابات المرحلية للكونغرس الامريكي. وسيخضع كل اعضاء مجلس النواب للانتخاب وثلث اعضاء مجلس الشيوخ. والديمقراطيون كفيلون بان يفقدوا اغلبيتهم في مجلس الشيوخ، فيمنحوا بذلك للجمهوريين سيطرة كاملة في المجلسين. اذا ما حصل هذا سيصبح اوباما أوزة عرجاء – حيث سيعرقل الجمهوريون كل مشروع قانون يتقدم به، كل خطوة ميزانية. وفي غضون يوم سيصبح ما كان عليه من قبل.
الانتخابات في الكونغرس – هذا هو ما يشغل الان بال الساحة السياسية الامريكية. كل حدث، من غزة وحتى الموصل، من كييف وحتى القاهرة، يقاس حسب تأثيره على نتائج الانتخابات في تشرين الثاني. من ناحية اوباما، هذا صراع حياة وموت. ومن ناحية خصومه ايضا.
في البيت الابيض يرون في نتنياهو جنديا في خدمة الجناح اليميني المتطرف في الحزب الجمهوري. وقد توصلوا منذ زمن بعيد الى الاستنتاج بان شلدون ادلسون، رجل القمار الذي استثمر 100 مليون دولار في محاولة لاسقاط اوباما، لا يعمل لدى نتنياهو بل نتنياهو هو الذي يعمل لديه. ويكاد لا يكون مهما ماذا يقول وماذا يفعل. عما هو مسؤول وعما هو مسؤول عليه الاخرون: كل ما ينبع من اسرائيل يعتبر محاولة للتخريب على فرص المرشحين الديمقراطيين في الانتخابات.
بالنسبة لاصدقاء نتنياهو الجمهوريون يوجد جدول أعمال مليء بالشؤون الداخلية، من منع الحقوق عن المهاجرين وحتى التراخيص لدور القمار ومنع زواج المثليين. ليس لدولة اسرائيل مصلحة في كل هذه الامور: ومحظور عليها ان تكون لها مصلحة.
مكتب رئيس الوزرا هنا يشرح بان بين اوباما ونتنياهو توجد خلافات رأي ايديولوجية. حتى لو كان شيء حقيقي في هذا، فليست هذه المشكلة. ولا الجانب الشخصي ايضا. المشكلة هي أن نتنياهو أصبح عدوا سياسيا داخليا للرئيس وحزبه.
هذا خلل بمقاييس داخلية، لانه يضع اسرائيل خارج الاجماع في أمريكا، لاول مرة منذ الخمسينيات من القرن الماضي. وهذا خلل أيضا بمقاييس عملية. لنفترض أن الديمقراطيين سينقذون حكمهم في مجلس الشيوخ: في البيت الابيض سيتذكرون اين كانت حكومة اسرائيل في هذا الصراع. ولنفترض انهم خسروا سيطرتهم في مجلس الشيوخ: الرئيس ، الذي فقد قبضته في المواضيع الداخلية سيركز على المواضيع الخارجية. هكذا فعل الكثيررون من اسلافه. اسرائيل ستلتقي اوباما مرة اخرى، هذه المرة كرئيس جريح. هذا حصل لنا في الماضي مع واحد آخر، هو جيمي كارتر.
يديعوت 18/8/2014
ناحوم برنياع