ماذا لو قامت الإمارات بكل هذا؟

حجم الخط
21

دعونا نطلق العنان لخيالنا الجامح فنتمثل المشهد التالي في دولة الإمارات العربية المتحدة:
يؤمن الحاكم الفعلي للدولة الشيخ محمد بن زايد بضرورة عقد اتفاق سلام مع إسرائيل فيقرر التوجه بخطاب تاريخي إلى شعبه يشرح له فيه وجاهة هذه الاستدارة الكبرى وفائدتها طالبا منه الوقوف إلى جانبه في قرار استراتيجي بهذه الخطورة، رغم أن البلد لم يكن يوما دولة مواجهة فهو لم يسبق أن أطلق رصاصة واحدة نحو إسرائيل، ولا هي احتلت شبرا واحدا من أرضه، على عكس ما تقوله الإمارات عن جزرها الثلاث مع إيران.
بمجرد انتهاء هذا الخطاب تتحول البلاد برمتها إلى ورشة نقاش لا تهدأ، بين مؤيد ومعارض ومتشكك ومتردد، في حالة مجتمعية عامة من التدافع بين الأفكار لإنضاج الرأي الأصوب بمشاركة الجميع لأن القرار يهم الجميع.
ينخرط الكل في حراك لا يهدأ، نرى مختلف أنواع الحوارات التلفزيونية التي لا تصادر أي رأي، لا تقصي المتحمس للاتفاق ولا المعارض ولا المتوجس، كما تشرع الصحف الإماراتية في نشر مختلف أنواع المقالات بما في ذلك صحيفة «الخليج» التي لم تكن تذكر كلمة إسرائيل إلا ووضعتها بين قوسين، مهما كان السياق والمعنى. يُطلق العنان هنا لكل مواقع التواصل للتفاعل فنشاهد صراع التغريدات والتدوينات دون أن يتصدر المشهد من تعوّد الناس على أنهم لا يكتبون إلا وفق «إن هو إلا وحي يوحى» ودون أن يخاف المواطن من السجن، والمقيم من الترحيل الفوري في أحسن الأحوال.
لن تقف المسألة عند حدود الإعلام بكل أصنافه بل تنتقل إلى مختلف الجمعيات والمنتديات والجامعات والمساجد فيخوض الجميع في الأمر بلا خطوط حمراء ولا برتقالية ولا غيرها. هنا تجد الامام الذي يصرخ محذرا من «حرمة الصلح مع ناقضي العهود والمواثيق» والآخر الذي يحدثك عن «إن جنحوا للسلم فاجنح لها» وأن «جار النبي كان يهوديا» فيما يفضّل آخر النأي بنفسه عن فتن السياسة وأهلها فيستمر في الحديث عن نواقض الوضوء.

البلد لم يكن يوما دولة مواجهة فهو لم يسبق أن أطلق رصاصة واحدة نحو إسرائيل، ولا هي احتلت شبرا واحدا من أرضه، على عكس ما تقوله الإمارات عن جزرها الثلاث مع إيران

يتبادل خبراء الاقتصاد الآراء ليروا ما إذا كانت اتفاقية سلام مع إسرائيل يمكن أن تأتي بأية قيمة اقتصادية مضافة للبلد وأهله. ستبحث ندوات ومؤتمرات إمكانات الاستثمار والتعاون المشترك علَّ البعض يعثر عن فرص رفع معدل النمو وإحداث طفرة زراعية وصناعية غير مسبوقة، فيما سيعبّر آخرون عن مخاوفهم من أن العلاقات الاقتصادية لن تكون على الأرجح سوى في اتجاه واحد عبر صفقات عسكرية وبرامج تكنولوجية عالية الدقة، أغلبها في المجال الأمني المخابراتي الذي تتقنه إسرائيل وتتلهف عليه الإمارات لحسابات داخلية وخارجية وأساسا في اليمن وليبيا.
تتداعى مختلف أجهزة الدولة من عسكرية وأمنية ودبلوماسية لاجتماعات لا تتوقف لدراسة التكلفة الاستراتيجية لاتفاق سلام مع إسرائيل، ليس فقط في علاقة السلطة بالمواطنين والمقيمين، وإنما في مكانة الإمارات إقليميا ودوليا، خاصة وأن هناك خدمات مختلفة ستجد البلاد نفسها منخرطة في إسدائها للإسرائيليين. تبلورُ هذه الأجهزة موقفا يوازن كل العناصر في جردة حساب للخسارة والربح، بعيدا عن التخوفات أو الأماني، ليس فقط على مدى قريب أو متوسط بل على المدى البعيد بالخصوص لا سيما في علاقة البلد بمحيطه العربي والاسلامي فالخرائط لن تتبدل بعد الاتفاق.
كل هذا الحراك المجتمعي سيُتوج في النهاية بعرض الاتفاق مع إسرائيل على نقاش كبير داخل البرلمان التعددي المنتخب، تمهيدا لعرضه لاحقا على استفتاء شعبي سيكون هو الفيصل والحاسم في عقد الاتفاق من عدمه. سيسعى نواب الشعب إلى التعبير عن كل ما يخالجهم دون خوف أو تردد إلا من الرأي العام وناخبيهم. يشير كل نائب إلى ما يراه من محاسن أو مساوئ، فيما لا يخشى أي واحد فيهم من التساؤل الاستنكاري عن كيفية السماح للطيران الإسرائيلي برحلات من وإلى البلد ويمنع طيران بلد شقيق تربطنا به علاقات قرابة ومصاهرة لا توجد لنا مع إسرائيل، كما لن يتردد نائب آخر في القول لماذا لا نتصالح كذلك مع قطر فهي، على كل عيوبها، لن تكون في كل الأحوال أسوأ من إسرائيل.
بهذا الشكل سيكون قرار الإمارات قرارا مدروسا وواعيا وشعبيا وليس من حق أي كان وقتها أن يتدخل فيه لأنه، في هذه الحالة، لن يكون نزوة مسؤول حاكم بأمره، يقرر وحده، وبناء على حسابات لا تخصه إلا هو، أن يأخذ البلد برمته إلى وجهة لم يخترها ولم يكن له فيها رأي، وفوق ذلك دون أن يكون مُعرضا للمحاسبة من أحد، تماما كما فعل الرئيس الراحل صدام حسين حين أخذ العراق العظيم إلى مصائر مظلمة لأنه هو وحده من قرر الحرب على إيران أو غزو الكويت أو غيرهما من قرارات ما زال الشعب إلى الآن يسدد فواتيرها الباهظة.
لو فعلت الإمارات ما فعلته بعد كل ما تخيلناه سابقا لحقَّ على الجميع أن يقولوا لها «مبروك»… ولكن لا شيء من ذلك حصل طبعا. هل عرفتم الآن لماذا ليس مسموحا أبدا للعرب بالديمقراطية؟؟

كاتب وإعلامي تونسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    هل تتذكر يا أستاذ كريشان بماذا أفتى علماء السلطان بمصر عام 1977 عن تطبيع السادات مع الصهاينة؟
    نفس الإسطوانة المشروخة عن السلام مع المحتل الغاصب! فلسطين تفضح الخونة!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول انتصاراً للتاريخ للحقيقه:

    العراق كان مستقراً وقد رصد أكبر ميزانيه للتنميه آنذاك ولم يكن محتاجاً للحرب
    التغيير حصل في ايران وكان لابد للحماس الفائض أن ينفجر مزهواً بالشعار
    المقدس تصدير الثوره وطريق القدس يمر من كربلاء. من كان في شك من ان ايران
    هي التي بدأت الحرب عليه أن ينظر بالعين المجرده كيف توسعت ايران لتسيطر على
    مجموعة دول ضمنها العراق.

    1. يقول انتصاراً للتاريخ للحقيقه:

      بعث الرئيس العراقي آنذاك رسالة تهنئه وحسن جوار للخميني فـرد الخميني برساله ناريه٠
      قبل نشوب الحرب الايرانيه العراقيه: قصفت طائرات ايرانيه العراق اُسقطت إحداها واُسر
      الطيار٠ الحرس الثوري كان يشن هجمات ليليه على المخافر الحدوديه العراقيه٠ أستخدم
      الحرس الثوري مجاميع عراقيه مدربه مجهزه مواليه لها لمهاجمة العراق وزعزعة استقراره٠
      الايرانيون يعاملون العراق على انه ولايه تابعه لهم٠

      لم أكتب هذه المعلومات إلا لأن الكاتب أشد لصقاً بالحجا وبالحق إتصافا. تحياتي.

  3. يقول ناصح أمين:

    إنّ أحداً لا يمكنه أن يركب ظهرك ما لم يكن محنيّاً
    فلا تأس عليهم
    مَن يُرِد الخيانة فَلْيخُن …. حسمها الله منذ ١٤٠٠ سنة ( و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين )….

  4. يقول م. محمد جبرؤوتي:

    بسم الله الرحمن الرحيم. حياك الله أستاذ محمد. يجب أن ننتبه لأمر هو أن هذه الأنظمة العفنة مكثت على أنفاس الشعوب لمدة طويلة مكنتها من إجراء غسيل دماغ لكم كبير من طبقات المجتمع وفي الإمارات يمكن القول أن الفساد جمعي حيث أن الحكومة تعطي الفرد دخلا شهريا سخيا مقابل ألا يتدخل في الشؤون السياسية وهذا يمكن تسميته رشوة لتصفية القضية الفلسطينية ومن وافق على التطبيع غسلت دماغه واتبع مدرسة الضلال المبين.

  5. يقول م. محمد جبرؤوتي:

    حياك الله أستاذي.. ليس من الصواب أن ان تنعت محمد بن زايد بالحاكم إنه عبد موديرن يتلقى أوامره من الحركة الصهيونية.

  6. يقول م. محمد جبرؤوتي:

    الهدف من اتفاقية السلام بين الإمارات العربية والكيان الصهيوني ضرب نفسية المسلمين لكن رغم كل المصائب التي حلت بالبلاد العربية ورغم ظهور مدرسة الضلال المبين واتباع منهج أبو جهل في التطبيع والخيانة وفي هذه الظروف الحالكة رغم كل ذلك يمكن إعادة فلسطين كاملة بالعناصر التالية: الثقة بالله .. الإعداد والتدريب .. حفر الأنفاق .. الموقع الاستراتيجي .. والنخوة .. هذه العناصر متوفرة لكن متى تصل النخوة التي عند الشعب إلى حفيد رسول الله صل الله عليه وسلم.

  7. يقول م. محمد جبرؤوتي:

    حاكم واحد إن انتخى ونادى شباب المسلمين إلى النفير العام سيقلب كل الموازين فالغنائم التي في إسرائيل كبيرة جدا تكفي لإعادة اعمار الوطن العربي وصيانته وتنميته وتنقيته.

    1. يقول بوحمد - قطر:

      الى المدافعين عن صدام حسين و وصفه بالشهيد: ما قولكم بغزوه الكويت و رفضه الخروج منها حتى أجبر بالقوة؟ هل هذا فعل إنسان مؤمن يخاف الله؟ و نكتفي بهذا بدون الخوض في كيفية وصله للسلطة و عدد الذين قتلهم من شعبه و كيف كان يعيش حياة الرفاه الفاحش هو و أسرته في ظل الحصار الذي جلبه هو على بلاده بينما كان العراقييون يعانون ضنك العيش!

  8. يقول م. محمد جبرؤوتي:

    لم أر في حياتي شخص شجاع كريم أساء للشهيد صدام حسين لم يسء إليه إلا جبان وأنت أستاذي أحسبك شهما وكريما ولك مني خالص التقدير.

  9. يقول م. محمد جبرؤوتي:

    ليس من المنطق ولا العقل ولا الدين أن نظن أن صدام حسين قد.هزم المهزوم هو الذي يذهب إلى النار لما استشهد صدام حسين كنت أحج عنه ولحظة استشهاده أخذتني سنة ورأيته في الجنة.

  10. يقول م. محمد جبرؤوتي:

    تصوير الشهيد صدام حسين على أنه خسر تجعل الأجيال تبتعد عن الثبات ومفاهيم التضحية والشهادة هذه أحد حجج المطبعين يقولون: انظروا ماذا حدث لصدام بسبب دعمه للقضية الفلسطينية.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية