ثمة مشكلتان وجدت أمريكا نفسها أمامهما في الثورة السورية: الأولى بديل النظام ؟
والثانية سقوط النظام السوري يعني -حتمًا- سقوط النظام الرسمي العربي، وبالتالي فإنّ نجاح الثورة السورية يعني تغييرًا جيوسياسيًا في المنطقة، يهدد كل ما بنته القوى الكبرى منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وما تمخّضت عنه مآلات الحرب العالمية الثانية .
قوة عظمى وحيدة
في عالم تهيمن عليه قوة عظمى وحيدة خلال عقود دون منافس يّذكر بعد نهاية الحرب الباردة، لاشك أنّ صناعة العدو” أسهل بكثير من صناعة الحليف، ولكنّ الأكثر تعقيدًا أن يكون العدو هو الحليف الذي لا يمكن التخلي عنه ! ربما أنّ الصورة الأوضح تكمن في العلاقة مع النظام السوري ، فهو نظام يحتاجه الجميع ، ولا يحتاجه الشعب المحكوم !
معادلة غريبة جدًا ، فهو نظام الضرورة لإسرائيل فهو عدو شكلًا، حليف مضمونًا، سواء بالتدمير الذاتي لسوريا “الجزء الأكبر من بلاد الشام” أو الحماية للحدود تحت شعارات ليس أولها الصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي، وليس منتهاها المقاومة والممانعة! وهو النظام الذي يحتاجه الغرب في الحفاظ على البناء الرسمي العربي، وكذلك هو نظام الضرورة في المشروع الطائفي الإيراني.
المشكلتان، رسّختا عند واشنطن قناعة تغيير الشعب وليس النظام ، وهكذا كان، ولهذا كانت المؤامرة الكونية التي تحدث عنها رأس النظام صحيحة ، ولكن على الشعب السوري، بل إن من المضحكات أن تتُهم المعارضة أنّها مدعومة من أمريكا وإسرائيل في الوقت الذي شتتا شمل المعارضة وأبقتا النظام ، بل من سحق الثورة هي أمريكا وإسرائيل !
الجامعة العربية كلمة السرّ للنظام الرسمي العربي:
جل الذين يتعاملون مع الجامعة العربية في كتاباتهم أو آرائهم ، يظنون أنّهم يتعاملون مع جسد ميت لا قيمة له، وهذا صحيح من الناحية الشكلية، لكن من حيث الجوهر فإن مشروع “إيدن” الذي انتهى لجامعة الدول العربية هو من رسم البناء الرسمي العربي، وفق قاعدة بقاء الكيانات ضمن مفهوم دول تجمع بينها “رابطة” مانعة للتجمع أو الوحدة أو الاتحاد أو أن تتحول لشكل من أشكال التعاون الاقتصادي أو التجاري أو سهولة حرية تنقل الأشخاص على غرار الاتحاد الأوروبي ، بل بقاء تلك الدول في حالة تنافر “شكلي” وثمة دور سياسي يميّع القضايا العربية الكبرى، ويحافظ على الاستبداد، ويكون قادرًا على تسهيل القضاء على أي نظام يبدو نشازًا في تلك المنظومة ، والأهم أن يحافظ على وجود إسرائيل ، فبقاء تلك الأنظمة مرتبط وجودًا وعدمًا بوجود إسرائيل!
الثورة السورية
الثورة السورية كبقية الثورات هددت هذا البناء الرسمي ، ولذلك كان لابدّ من التراجع قليلاً والترحيب بالتغيير، حتى يتم القضاء على تلك الثورات بثلاث وسائل:
الثورات المضادة، تحويل بلاد الثورات إلى جحيم، الاستعانة بالمحتل الخارجي.
ما ذكرناه آنفًا ، لم يكن من تخطيط تلك الأنظمة، بل من الراعي الرسمي لهذا البناء ” الولايات المتحدة” أمّا الأنظمة التي استجابت للرغبة الأمريكية فكان عليها دفع التكاليف المادية!
الغزو الإيراني الروسي كان بطلب أمريكي!
بعيدًا عن شعارات الشيطان الأكبر، والصراع الإيراني من جهة والأمريكي الإسرائيلي من جهة أخرى، إلاّ واقع الحال يقول إن العلاقة بين الإيرانيين والأمريكان تتخطى المصالح لتصل لمرحلة العلاقة الاستراتيجية، أو كما يقول الراحل محمد سرور زين العابدين في كتابه “وجاء دور المجوس” أمّا عن جرأة خميني على أمريكا، فجمال عبد الناصر كان أكثر جرأة منه ضد الولايات المتحدة الامريكية، ومنذ وصول ناصر حتى وفاته، وهو وأجهزة إعلامه يهاجمون الولايات المتحدة، وأجهزة الولايات المتحدة وصحفها تهاجمه، ثم تبيّن أنه كان ممثلاً وأن مايز كوبلاند – من كبار موظفي المخابرات الأمريكية- هو الذي ساهم في كتابة خطابه الذي هاجم فيه الولايات المتحدة الأمريكية وأعلن عن شراء صفقة أسلحة من تشيكوسلوفاكيا” !
ولهذا كان غزو العراق لصالح إيران وإسرائيل، ومقاتلة الثورة السورية كذلك ، وقد اختصر بن رودس ذلك في كتابه العالم كما هو أن أوباما كان معجبًا بالإيرانيين محتقرًا للعرب، وكان يهمه توقيع الاتفاق النووي ولذلك رأى أن المهمة أنجزت وغض الطرف عن جرائم إيران وأذرعها في سوريا، بل إن الإيميلات المسرّبة من البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة أوضحت أن صناعة تنظيم الدولة “داعش” كانت بالتنسيق بين أمريكا وإيران ! ليس هذا فحسب بل إن مرتبات الحشد الشيعي كانت تدفع من الخزينة الأمريكية حتى قبيل أشهر قليلة!
ما ينطبق على إيران ينطبق على روسيا، فروسيا دولة كبرى وليست عظمى، ولا تستطيع أن تدخل منطقة تعد منطقة نفوذٍ أمريكي بامتياز، وقد ذكر آندرو إكسوم في شهادته أمام الكونغرس الأمريكي أنّ النظام السوري كان على وشك السقوط عام 2015 ، وأنّه أبلى بلاء حسنًا في مواجهة “المتمردين” وأن سقوطه سيشكل خطرًا على إسرائيل، ولذلك كان التدخل الروسي لمنع سقوطه !
إنّ التبرير الذي يختبئ خلفه دعاة عودة نظام الإجرام إلى الجامعة العربية بقطع الطريق على إيران، إنّما هو في حقيقته مكافأة للنظام وحلفائه بعد أن أوقف الربيع العربي وجعل الشعب السوري عبرة لشعوبهم، وأن مقتل إيران كان في سوريا، وبدعم الجيش الحرّ، لكن الذي حصل أن الأنظمة العربية التي خافت على نفسها من التغيير دعمت الإيرانيين في مقاتلة الشعب السوري وذلك بالفصائلية والتنازع، ومنعت توحد الثورة السورية تحت رأس واحد وقيادة واحدة ، وكذلك دعمت الغزو الروسي بالمال ، وعاقبت كل من أراد دعم الثورة السورية ولو بالحد الأدنى من الدعم .
وما عودة النظام السوري للجامعة العربية، وهو الذي سقط بالشرعية الثورية، ومرتكب لجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وكذلك مجرّم بالخيانة العظمى كونه استعان على شعبه بقوى غازية إلاّ رسالة للشعوب العربية لقد انتهى الربيع العربي بانتصار الأنظمة!
كاتب سوري
واقعنا للأسف
صدقت والله
بارك الله فيك يا دكتور كما عوتنا كلمة الحق ترفرف في كتاباتك لا زلت ولا تزال من المحبين لي في طريقة اقناعك وصياغة مقالات الجملية التي اتعلم منها الكثير حفظك الله ورعاك استاذي الفاضل