ماذا يريدون؟

حجم الخط
7

بعد خطاب الأمين العام لحزب الله مساء الجمعة 13 كانون الأول-ديسمبر، اتضح أن الصورة ليست واضحة.
فالطبقة الحاكمة عاجزة عن إقامة نصاب سياسي بعد عاصفة الانتفاضة الشعبية التي لا تهدأ. وعجزها ليس مجرد تعبير عن خواء لعبة الكراسي والمحاصصة فقط، بل هو أيضاً تعبير عن عدم القدرة على استنباط حلول لكارثة اقتصادية واجتماعة صنعتها هذه الطبقة بجشعها ونهبها.
سليم صفير، رئيس جمعية أصحاب المصارف، أتحفنا بإنجازات جمعيته، في مقال نشره في «النهار»، صباح اليوم نفسه الذي ألقى فيه السيد نصر الله خطابه، كأن الرجلين كانا على موعد.
صفير لا يرى أبواب المصارف وقد صارت حكاية الناس اليومية مع مدخراتهم المصادرة، ويتفاخر بقطاع احترف توظيف أموال المودعين في الدين العام، أي في أكبر عملية نهب في تاريخنا المعاصر.
صفير لا يرى، وأمين عام حزب الله لا يريد أن يرى. غريب أمر هذا التحالف بين المصارف وحزب المقاومة والممانعة!
نصر الله يأخذنا إلى ميتافيزياء الصراع مع أمريكا كي يفسر لماذا طارت أموال اللبنانيات واللبنانيين، ولا يرى فساداً ونهباً، وصفير لا يرى سوى قطاع مستقر، مؤكداً على ضرورة تشكيل حكومة، كي يحافظ الاستقرار على استقراره!
هذه هي معادلة السلطة الفعلية، أما تهويمات باسيل عن الانتقال إلى المعارضة، وأحلام سعد الحريري السعيدة، وإصرار نبيه بري على لعب دور ميليشيا النظام وضابط البرلمان، وإلى آخره… فليست سوى تعبير عن العجز والبقاء في مربع الكراسي الذي حولته الانتفاضة إلى ركام.
اللعبة الحقيقية تدور بين قطبي الحياة السياسية: جمعية أصحاب المصارف، والحزب المسلّح، والطريف أن الطرفين يلعبان «الغميضة».
نصر الله بصفته حامي النظام يريد الاستقرار ولمّ صفوف طبقة متهالكة، وصفير يريد الاستقرار أيضاً واستعادة الثقة بالمصارف. نصر الله تبنّى في الماضي مطالب ما أطلق عليه اسم «الحراك»، وصفير بشّرنا بأن أصحاب المصارف إصلاحيون أكثر من الثوار! لكن الرجلين يدعواننا اليوم إلى تناسي المطالب، لأن المطلوب هو العودة إلى ما قبل 17 تشرين- أكتوبر.
الرجلان في المأزق، ومأزقهما نابع من نفاد القدرة على الإقناع، واضمحلال الخطاب السياسي لطبقة أصيبت بالعجز والخَرس.
في السياسة يجد حزب الله نفسه عالقاً في ثلاث مصائد:
1-مصيدة التيار العوني، الذي عُرف عن مؤسسه العناد والذهاب إلى مغامرات غير محسوبة النتائج. وقد ورث الباسيل هذا العناد عن عمه. صحيح أن وزير العهد يبدو كاريكاتيريا في موقع زعامة كانت تتألق فيها نجوم الجنرال، لكن هذا لا يمنعه من التذاكي، والقول إنه سيلعب دورين، من فوق بواسطة رئيس الجمهورية ومن تحت بواسطة نواب التيار. أي أنه سيحكم ويعارض، يعرقل ويتذاكى. والطريف أنه أهدى مقاعد تياره الوزارية إلى «الحراك» الذي ألّف على شرفه أهزوجة «الهيلا هو». و»الحراك» الذي اتُهم بالعمالة للسفارات، سوف يهديه نصر الله مقاعد وزارية!
2- مصيدة التحالف مع نبيه بري، وهي مصيدة شلّت قدرة نصر الله على المناورة، وأوقعته في خانة مذهبية مقفلة، حولت مشروع المقاومة إلى تفصيل داخل الاصطفافات الطائفية والمذهبية.
3-ومصيدة الحريري، المصرّ على تطبيق إصلاحات «سيدر» وصندوق النقد الدولي، أي أن السيد سيجد نفسه عاجزاً عن مواجهة نظام العقوبات، وحليفاً لحلفائها. كما أن مصيدة الحريري تقود إلى مصيدة المصارف ومصيدة حماية قرارات الحاكم بأمرهم، السيد رياض سلامة.
هذه المصائد الثلاث تشير إلى حقيقة أن الطبقة الحاكمة لا تعي ماذا يجري في الشارع، ولم تفهم أن هناك انتفاضة شعبية، وأن الناس لم تعد تصدّق «وعود» الطبقة الحاكمة، ولا تخاف وعيدها.
ونصر الله، وهو يمثل المصلحة العليا للنظام الأوليغارشي، وحامي الطغمة الحاكمة، والذي لم يرشق المصارف وسياساتها الوحشية بوردة، يجد نفسه عاجزاً عن إنقاذ الطبقة الحاكمة من نفسها ومن جشعها السلطوي الذي يهدد بالإطاحة بها.
مرد هذا العجز ليس قلة الحنكة السياسية، ولا غياب الكاريزما، فالسيد عُرف بحنكته وبهالة كاريزمية حولته إلى الزعيم الأعلى في لبنان، بل هو الأزمة البنيوية في النظام، التي جعلت الشعب يخرج عن طاعة زعمائه وطوائفه، ويتهمهم كلهم بالسرقة والنهب والفساد والتشبيح. فالأزمة لا تعالج بحكومة وفاق ومحاصصة، بل تحتاج إلى تغيير جذري في قوانين اللعبة.
صفير وجمعيته ومعهم الحاكم رياض سلامة، علقوا في اللعبة، ولا يجدون مخرجاً سوى في مزيد من الديون ولحس المبرد، وتدفيع المودعين ثمن تمويل المصارف للمافيا الحاكمة وشراكتهم معاً.
ونصر الله يجد نفسه عالقاً في نظام اعتقد أنه سيطر عليه وجيّره في الصراع الإقليمي، واليوم يكتشف حدود هذه السيطرة وثمنها.
حدود السيطرة هو عدم استقرار النظام الإقليمي، والاضطرار إلى الالتحام بالنظام الطائفي الذي يشكل مظلة حماية داخاية.
أما ثمنها فكبير جداً، وهو أن تتحول المقاومة الإسلامية إلى الحارس الأول للمصارف وللاقتصاد الريعي، أي حارسا لهاوية الإفقار والتجويع.
والمفارقة المحزنة هي أن خطاب العداء لأمريكا وسياساتها في المنطقة، وهي سياسات تدعم الاحتلال الإسرائيلي، وتسعى إلى الاستمرار في نهب المنطقة وتسليط المستبدين على شعوبها، هذا الخطاب أفرغ من معناه.
شرط مقاومة هذه السياسات هو حرية الشعب. كيف يقاوم من يحرس جوعنا وإذلالنا؟ وكيف نؤيد نظام الأوليغارشية الفاسدة باعتباره نظاماً ممانعاً؟
هذا عين الهراء.
خلاصة القول أن الطبقة الحاكمة صارت عاجزة عن الحكم.
ولبنان أمام أزمة طويلة حبلى بالاحتمالات والمفاجآت.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    متى ستنتهي مسرحية المقاومة؟ مقاومة الإصلاح! حبذا لو كانت مقاومة الفساد!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول سنتيك اليونان:

      سيد كروي
      المقاومة لم تكن مسرحية وكونك في المروج انت معذور لعدم معرفتك تاريخ المقاومة ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول غادة الشاويش _بيروت سابقا عمان حاليا:

    صباح الخير سيد الياس ..نحن امام مهزلة عندما يحاول اوثان النظام الطائفي القديم وامراء الحرب الاهلية وجنرالات العسكر ورموز الطائفية والاقطاع السياسي في لبنان ان يقدمو رشوة للمتظاهرين بمقاعظ وزارية بدلا عن تقويض كل النظام القديم القائم على اساس محاصصة طائفية مثلت شربا لسم صغير اتقاءا للموت بالغرغرينا في وقتها واصبحت اليوم صيغة مستهلكة خشبية تكرس الفساد والتسلط والاستقواء اما حزب نصر الله وذميو طهران كلهم فليسو مقاومة بل مقاولة ضمن مشروع ايراني لاكل الاخضر واليابس والتحكم عبر ورقة الامن الاسرائيلي !كلون يعني كلون وعلى الثورة ان لا تقع في فخ الرشوة السياسية بمقاعد وزارية يطرحها تجار فجار حاذقون بالسياسة واحتواء الشارع والسهر في نايت كلاب سياسي منحط ثم اظعاء الفضيلة والقاء موعظة الاحد بعدها تجوع الحرة ولا تاكل بثدييها والشارع لن يرجع الا باقتلاعكم جميعا ومن دون رشاوي !

    1. يقول سنتيك اليونان:

      الى مدام غاده
      مع احترامي وتأييدي لمطالب الحراك العادلة إنما شعار كلن يعني كلن اللذي يرفعونه ويوءيده البعض يتعارض مع أصول الحرية والعدالة والديمقراطية الأصح ان يكون الشعار كلن الى المحاسبة والمحاكمة ولكن مع الأسف الناس لم تتربى ولم تتعلم على ضرورة مناقشة وتحليل كل ما ورثوه من افكار ومعتقدات
      ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول جورج طرابلسي:

    وإسرائيل تتربص لتنقض. هذا يجب أن لا يغيب عن تحليل أي حريص على لبنان ومصالح لبنان وشعبه.

    1. يقول أسامة كليّة:

      اخب جورج طرابلسي، طبعا تتربص لكنها تنتظر ان بنقض قبلها حزب الله على الشعب اللبناني! الساسة الاسرائيلة يعرفون كيف تؤكل الكتف اما حزب الله فقد انتخر في سوريا ولا اعتقد انه سيغامر في لبنان لانها ستكون الضربة القاضية له!

  4. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    شكراً أخي الياس خوري. منذ البارحة وأنا أتابع مايحدث في لبنان بأعصاب متوترة, ياترى إلى أين!. لابد لي أن أقول أن على اللبنانين الحذر الشديد أمام شبيحة حزب الله, فكما ذكرت أكثر من مرة سابقاً لقد حاولوا جَرّي ذات مرّة إلى مطب شيطاني هنا في كاسل (وسط ألمانيا), ولولا مسكت أعصابي يومها يعلم الله ماذا حصل.
    ومن ثم, لقد جاء في المقال أن مصيدة التحالف مع نبيه بري، … حولت مشروع المقاومة إلى تفصيل داخل الاصطفافات الطائفية. أسمح لي بالقول أنه ليس تَحُّول, بل أماطت اللثام عن هذا المستتر خلف قناع المقاومة. الطائفية موجودة وأحد من أكبر الدوافع للتدخل الفاضح في سوريا, مستتراً خلف قناع أصبح اليوم كلام ساذج.
    الحال مع الحريري يشبه الوضع مع بري. التيار الذي يقوده ليس أقل ارتباطاً بالطائفية (السنية السعودية) من طائفية حزب الله (الشيعبة الإيرانية). الفارق ربما هو أن الحريري خارج السلطة ضعيف وإذا شارك بالسلطة مع المنظومة التي يقودها عون ويحرسها نصر الله فهو كما يقول المثل “مجرد إجر كرسي” أي لايملك من أمره الكثير. ورغم ذلك يستعد للعمل على إعادة الوضع إلى سابق عهده, أي سذاجة هي التي تدفعهم “كلن”. الله يحمي لبنان منهم “كلن”. نريد لهذا الأمل الجديد أن يكبر ويكبر وينضج وبإذن الله.

إشترك في قائمتنا البريدية