ماذا يريد أوجلان من أردوغان؟

أصبحت الجزيرة التي يسجن فيها زعيم حزب العمال الكردستاني ‘pkk’ عبدالله أوجلان قبلة المفاوضين لحل المشكلة الكردية في تركيا، فالزيارات متواصلة إلى الجزيرة ولا تقتصر على حزب السلام الديمقراطي الذي يمثل قطاعاً كبيراً من أكراد تركيا، والذين يواصلون زيارة أوجلان مرتين في الشهر تقريباً لاطلاعه على مواقف أبناء الشعب الكردي وسماع توجيهاته، والحديث عما يمكن أن ينتهي إليه التفاوض السلمي مع الحكومة التركية بزعامة رئيس الحكومة أردوغان، إلا أن لقاءهم التاسع عشر تم تأجيله حتى إشعار قريب آخر.
الحكومة التركية تواصل التفاوض مع أوجلان بواسطة رئيس المخابرات الوطنية هاكان فيدان، وهو الشخصية الأمنية الأكبر والأكثر قرباً من رئيس الوزراء أردوغان، بل يعتبره أردوغان أمين سره وموضع ثقته، وقد قام بزيارة قريبة إلى أوجلان في الأسبوع الماضي، وبحسب التسريبات فإن الزيارة كانت طويلة أكثر من العادة، وكان لهذه الزيارة تأثير مباشر على إلغاء الزيارة المقررة لحزب السلام الديمقراطي بعد زيارة فيدان مباشرة، مما دفع المحللين والمتابعين إلى الحديث عن احتمالين، أدى أحدهما إلى تأجيل زيارة وفد حزب السلام الديمقراطي المقررة إلى الجزيرة ولقاء أوجلان.
الاحتمال الأول: ان هاكان فيدان حمل رسالة إلى أردوغان من أوجلان وينتظر جواباً عليها، وبالأخص أن هاكان حمل عدة مطالب من أوجلان، ولا بد أن يسمع جواباً عليها قبل أن يلتقي وفد حزب السلام الديمقراطي.
الاحتمال الثاني: وقوع خلاف شديد بين وجهتي نظر أوجلان وأردوغان، وأن هاكان طلب من أوجلان إمهاله فترة حتى يشاور أردوغان، وقد يكون قد وعد أوجلان أن يبذل جهده من أجل اقناع أردوغان بإمكانية التجاوب الإيجابي مع مطالب أوجلان.
وأيَّا كان الاحتمال الأرجح، فإن المشكلة لا تنحصر بين أردوغان وأوجلان فقط، وإن كان بيدهما الكثير من القدرات والامكانيات السياسية لإبرام الاتفاق النهائي وإقناع شعبيهما بجدوى الاتفاق التاريخي بين الشعبين التركي والكردي.
إن النقطة الرئيسية التي يطالب بها أوجلان في الاتفاق النهائي للمشكلة الكردية في تركيا أن تكون للاتفاق ضمانات قانونية، اي أن تسير المفاوضات في مسار قانوني لضمان الاستمرار في المحادثات أولاً، حتى لو تغيرت الحكومة التركية، وحتى تكون المفاوضات أكثر انتاجية، وتحقق ثمرات محسوسة من هذه المفاوضات ثانياً.
هذا المسار القانوني للمفاوضات يتولاه نواب حزب السلام الديمقراطي في البرلمان التركي، وقد طالبوا الحكومة بهذا المسار القانوني للمفاوضات التركية الكردية من خلال مسودة قانونية.
أما النقاط الأخرى التي يطالب بها أوجلان فتكاد تكون شخصية، ولكنها قد تؤدي إلى تحسين مستوى المفاوضات وإنجاحها، لأنها تعبّر عن ارتياح طرفي التفاوض كلا منهما اتجاه الآخر، فمن هذه المطالب التي يشترطها أوجــــلان: تغيير بعض السجناء، وهم في الغالب من الذين لا يرتاح أوجلان من وجودهم في الدائرة القريبة منه، ويطلب أوجلان تحسين شروط الاحتجاز في الجــــزيرة، كما يتمنى أو يطالب أن يتم السماح له بإجراء حوارات ومقابلات صحافية، وأن يكون له تواصل مع الإعلام.
هذه المطالب حملها هاكان فيدان إلى أردوغان وقد وعد أوجلان أن يقنع أردوغان خلال الأيام القادمة، بضرورة وصول الصحافيين إلى الجزيرة ولقاء أوجلان، فلو تم ذلك لأصبح أوجلان سجيناً سياسياً مميزاً، وقادرا على التواصل مع أبناء شعبه في تركيا وخارجها، وعلى تواصل مع العالم السياسي الخارجي، ومؤثراً وفاعلاً في مجريات الأحداث السياسية في تركيا، بل ومؤثراً في الأحداث السياسية في المنطقة والعالم، مع احتمال أن يكون لهذه اللقاءات والحوارات الصحافية، إن تمت، أثار سلبية وربما زيادة المشكلة الكردية بدل السير في حلها.
مبعث هذه المخاوف أن مشكلة اوجلان ليست مع أردوغان والحكومة التركية والشعب التركي فقط، وإنما مع المتشددين الأكراد الذين يوصفون بالصقور، وهؤلاء يخالفون أوجلان في إمكانية الحل السلمي مع الحكومة التركية، وتذهب نظرتهم إلى أن الحل الوحيد الممكن هو الحل العسكري، الذي من خلاله يفرضون على الحكومة التركية حل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وشروطهم للحل السلمي ومطالبهم من الحكومة التركية أكثر تشدداً من مطالب اوجلان نفسه، ومن هذه المطالب:
1 ـ إيقاف بناء مخافر للشرطة التركية في النقاط الحدودية وما سواها.
2 ـ اختلافهم مع الحكومة التركية على مسألة بناء السدود في المناطق الكردية، واختلافهم حول توسيع صلاحيات الإدارات المحلية.
هذه المطالب قديمة وتم تقديمها للحكومة التركية مراراً بدون تجاوب مقبول من طرفهم، بل إن الحكومة التركية لم تعد تفكر بها كما كانت في السابق بعد انفجار أحداث تقسيم في منتصف العام الماضي، وبعد أحداث السابع عشر من كانون الاول/ديسمبر من العام الماضي أيضاً، التي أخذت الحكومة التركية إلى التفكير في مشاكلها الخاصة مع المعارضة التركية ومؤامرات جماعة فتح الله غولن، التي انفجرت قبل الانتخابات البلدية الماضية، التي لا يستبعد محاولة تجديدها قبل الانتخابات الرئاسية القادمة في العاشر من آب/ أغسطس من هذا العام.
لا شك بأن الحكومة التركية، بالأخص رئيسها أردوغان، تحرص جداً على نجاح المفاوضات مع عبدالله اوجلان، مع إدراكها للصعوبات التي يواجهها اوجلان مع الصقور الأكراد الذي لا يرحبون بالحل السلمي والتفاوضي، ولكن الحكومة التركية تعول على الأطراف المعتدلة من أبناء الشعب الكردي، الذين يشكلون الأغلبية الكردية، ومن حسن حظ الحكومة التركية وأردوغان أن عبدالله اوجلان لا يزال يقف إلى جانب المعتدلين، والخشية ان يتحول في حال فشل المفاوضات إلى الطرف المتشدد، وعندها ستكون حكومة العدالة والتنمية أمام المشكلة الكردية من جديد، وكأنها كانت تركض وراء سراب لا يروي من ظمأ.
أمام أردوغان خطوات لا بد أن يخطوها وكذلك على أوجلان خطوات لا بد أن يخطوها أيضاً حتى يلتقيا في منتصف الطريق المؤدي إلى السلام التركي الكردي، ووجود أوجلان في السجن لا يحقق مزية لأردوغان، لأن اوجلان السجين قريب من شعبه، مثل أردوغان القريب من شعبه عن طريق الانتخابات الديمقراطية والانجازات الاقتصادية والنجاحات السياسية، والفرصة التاريخية أمام أردوغان وأوجلان قد لا تتوفر مرة اخرى وكل واحد منهما يؤمن بالحل السلمي، ويدركان خسارة وفداحة الحل الأمني الذي فشل فيه السابقون من المتشددين الأتراك والصقور الأكراد.
لذلك فإن أمام هاكان فيدان طريقا واحدا لا رجعة عنه وهو أن يمسك بيدي الزعيمين التاريخيين عند شعبيهما وفي عصرهما، ليجمهما في مصافحة تاريخية طال انتظارها من الشعبين التركي والكردي، من أجل تحقيق السلام وإنهاء الصدام، هذه اللحظة التاريخية ينبغي ان تكون قريبة مهما طالت المفاوضات، ومهما كثرت الزيارات إلى الجزيرة، وعسى أن تكون اللقاءات الصحافية مع أوجـــلان منبراً لمخاطبة الشعب الكردي والتركي بأنهما أبناء شعب واحد في تركيا، وإن كانا أبناء قوميتين شقيقتين.

كاتب تركي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية