لم يعد يمر يوم والا ربطت فيه الصحف الرياضية والمواقع المختصة اسم السعودية بضم نجم من أحد الدوريات الاوروبية الخمسة الكبرى، بل بنجوم من العيار الثقيل، وبعروض يسيل لها اللعاب، ولا يرفضها أحد مخير، ما قاد الى التفكير في الاسباب الحقيقية خلف نوايا المملكة والاهداف التي تسعى الى تحقيقها عبر انفاق أذهل العالم، بل قاد متابعي الدوري الاشهر، البريميرليغ، الى ابداء القلق على نجومهم.
ربما الأهداف المعلنة من ضم نجوم من خامة كريستيانو رونالدو، الذي فتح الباب لزملائه في أوروبا، بانتقاله مطلع العام الى النصر السعودي في مقابل ثروة هائلة، فتبعه بنزيمة وكانتي ونيفيش وكوليبالي وغيرهم، هي باختصار نظرة من «رؤية 2030» الشاملة، والتي ترتكز على إطار عمل استراتيجي تم تصميمه من قيادة المملكة لتقليص الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد، وتهدف إلى تعزيز مجتمع نابض واقتصاد مزدهر وأمة طموحة. لكن الشق الرياضي منها، والذي يحوي العديد من النشاطات، بينها استضافة كأسي السوبر الاسباني والإيطالي وسباقات فورمولا-1 ونزالات الملاكمة، يأتي أبرزها ضم أكبر النجوم، وينقسم الهدف الى اثنين، الأول هدف «رياضي- سياسي»، والثاني «رياضي– كروي».
طبعاً هناك ما هو معلن من سياسات المملكة، وهناك ما نستطيع تخمينه من رؤية صفقات ضم لاعبين بأرقام فلكية، فعدا عن صفقة رونالدو، التي ذاع صيتها، وأشيع بأنه سيتقاضى 400 مليون دولار على مدار عامين، فان البقية من النجوم ستحظى بمبالغ أقل، لكنها تبقى أضعاف ما كانوا يتقاضونه في أثرى دوري في العالم، وهو الإنكليزي. ومن خلال الهدف الأول، الذي تهدف المملكة عبره الى تنويع مصادر الدخل عبر تحفيز القطاع السياحي، والذي يأتي عبر الترويج للبلاد من خلال التنويع في اختيار جنسيات النجوم الجدد، مع ضمان وجود عشرات، بل مئات الملايين، من المتابعين والأنصار يتابعونهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يشكل أفضل دعاية مجانية ممكنة، حيث سينشر النجوم كل حين وآخر صوراً من هنا وهناك عن الحياة في مدن المملكة، والأماكن السياحية والتراث المحلي وحتى الأكل الشعبي، مثلما يفعل كريستيانو، ما سيشكل مكسباً اقتصادياً وسياسياً.
وأيضا الهدف سيكون «رياضيا – كرويا»، حيث سترتفع حدة التنافسية بين الأندية، كما سيزيد التركيز على استقطاب وإنتاج المواهب وبناء الأكاديميات الاحترافية، وسيسمح أيضاً بتحوُّل الأندية إلى الربحية، وجعلها محطة مرغوبة للمحترفين، وتلقائياً وصولاً الى الهدف الذي أعلن عنه النجم رونالدو، وهو تحقيق مركز متقدم في مصاف الدوريات العالمية، وجعل الدوري السعودي من بين أفضل خمسة في العالم.
وقد يتفاجأ البعض من جملة تحول الأندية الى «الربحية»، لكن في الواقع هذا هو الذي لم يركز عليه كثيرون في خضم المبالغ الهائلة التي تنفق على ضم النجوم، لكن كثيرين أهمل حساب القوة الشرائية الكبيرة لدى الجماهير السعودية المحلية وقدرتها على الانفاق لمشاهدة مباريات دوري متخم بالنجوم والمساهمة في شراء المنتجات والتذكارات الرياضية، خصوصا في ظل شراسة المنافسات بين الأندية، خصوصا الرباعي الهلال والنصر والاتحاد والأهلي، حيث يحظى كل ناد بقاعدة جماهيرية ضخمة، تجمعها الشراسة في التشجيع. كما يتوقع ان ينضم اليها الكثير من الجماهير العربية لمتابعة ما ستفعله كوكبة النجوم الأوروبيين في دوري روشن، ما يعني ان حقوق البث التلفزيوني سترتفع قيمتها، وما يعني أيضاً أن الأندية ستحصل على مكافآت مجزية من رابطة الدوري، خصوصاً ان المؤشرات الأولية فاقت كل التوقعات بعد ضم رونالدو في مطلع العام الجاري، حيث اشتركت أكثر من 140 وسيلة إعلامية ومنصة رياضية في نقل مباريات نادي النصر، ولهذا السبب جاء هذا التملك من صندوق الاستثمار السعودي للاندية الاربعة الكبيرة، لضمان التنوع، ولضمان ان الطلب سيكون ليس لمشاهدة فريق واحد فقط، بل لمشاهدة منافسات الدوري بكل فرقه ونجومه.
وفي حين كان هناك الكثير من القلق والتوتر الذي أصاب عددا من المؤثرين والمحللين في الكرة الإنكليزية، على اعتبار ان الأموال السعودية ستفرغ ملاعبهم من النجوم، فانه من المبكر الحديث عن خطف المواهب في عز عطائها، لان غالبية النجوم الذي يتم جذبهم الى السعودية هم من الذين تخطوا حاجز الثلاثين، والذين شارفت مسيراتهم على نهايتها، رغم بعض الاستثناءات، على غرار روبن نيفيش ابن الثامنة والعشرين، كما أيضا ما زال مبكراً الحديث عن ضم الدوري السعودي لأفضل نجوم العالم في مقتبل أعمارهم على غرار مبابي (24 عاما) أو هالاند (22 عاما) أو بيلنغهام (19 عاماً).
وهناك ما شكك بالتجربة السعودية، واعتبرها مماثلة للصينية التي اندثرت في غضون عامين بعد انفاق هائل مشابه على ضم النجوم، لكن الاختلاف ان صندوق الاستثمار السعودي، الاثرى في العالم، هو الذي يدعم هذه التجربة، أي انها برعاية حكومية، في حين ان الحكومة الصينية هي التي وضعت القيود على محاولات المستثمرين في ضم النجوم الى الكرة الصينية، عدا عن أن السعوديين يعشقون كرة القدم الى حد الهوس، ومنتخب بلادهم تأهل الى ستة من آخر 8 بطولات كأس عالم، والهلال هو الأكثر فوزاً في آسيا بدوري الأبطال، أي ان الجذور متينة لنستنتج ان هذه التجربة قد تؤتي ثمارها.