ماذا يعني “النصر” بالنسبة لأوكرانيا وروسيا؟

حجم الخط
1

واشنطن: لا تزال الحرب الروسية في أوكرانيا بلا نهاية واضحة تلوح في الأفق رغم مرور عدة أشهر شهدت خسائر كبيرة لكلا الطرفين وتداعيات طالت العديد من الدول الأخرى.

ويقول المحلل السياسي ألكسندر إي جيل، وهو محلل متخصص في الأمن والعلاقات الدولية،  في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إنه مع استمرار تطور الأحداث في أوكرانيا بطرق غير متوقعة في كثير من الأحيان، يعيد صناع السياسات في كييف وموسكو تقييم المعايير التي قد تحدد النصر المقبول (أو الهزيمة).

ويضيف جيل الحاصل على درجة الماجستير في الآداب في الأمن التطبيقي والاستراتيجية، أنه عندما أطلقت روسيا “عمليتها العسكرية الخاصة” في شباط/فبراير، كانت التوقعات بشأن كييف قاتمة. وتوقعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) أن القوات الروسية ستخترق بسرعة الدفاعات الأوكرانية وتستولي على كييف في غضون أسابيع. وعلى نحو مماثل، يتردد أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي تنبأ بأن الحكومة الأوكرانية لن تستمر لأكثر من اثنتين وسبعين ساعة.

وخلال الأشهر الأولى من الحرب، شاركت أوكرانيا في نظرة مماثلة. وكان الهدف الرئيسي لكييف هو ضمان بقاء دولة أوكرانية قابلة للحياة، ومن المرجح أن تحكم إقليما متضائلا إلى حد كبير. وبسبب الاحتمال الكبير لتكبد هزيمة عسكرية، اتخذ الدبلوماسيون الأوكرانيون ترتيبات مع الغرب لتشكيل حكومة في المنفى، تُنتقل بموجبها الحكومة إلى بر الأمان في عاصمة أوروبية أخرى بينما ستتحول بقايا الجيش الأوكراني إلى حرب غير متكافئة ضد القوات الروسية المحتلة.

وعلى الرغم من الصعاب، نجحت أوكرانيا إلى حد كبير في جهودها لمقاومة الغزو. وبحلول أواخر الصيف، كانت أوكرانيا في وضع قوي بما يكفي لشن هجوم مضاد، مما أجبر روسيا على التنازل عن الأراضي التي استولت عليها قبل أشهر فقط. وفي أوائل تشرين الثاني/نوفمبر، اضطر كبار المسؤولين العسكريين الروس إلى الاعتراف بأن موقعهم في خيرسون لا يمكن الدفاع عنه، وأعلنوا أن قواتهم ستنسحب عبر نهر دنيبرو لإنشاء خطوط دفاعية جديدة قبل فصل الشتاء.

وقد شجع النجاح في ساحة المعركة أوكرانيا على مراجعة أهدافها بالنظر إلى أن النصر العسكري الكامل يبدو الآن ممكنا إلى حد بعيد. وعلى هذا النحو، وضعت كييف نصب عينيها طرد روسيا تماما من جميع الأراضي التي احتلتها منذ شباط/فبراير. حتى أن بعض المسؤولين الأوكرانيين ناقشوا إنهاء ضم موسكو لشبه جزيرة القرم عام 2014 وقبضتها الخانقة على أجزاء من شرق وجنوب أوكرانيا.

وفي أيلول/سبتمبر، شدد وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف على أن أوكرانيا لن تتهاون في جهودها لاستعادة الأراضي المفقودة. وقال في الاجتماع السنوي الـ 17 لاستراتيجية يالطا الأوروبية : “لا يسعنا إلا أن نتحدث عن استعادة كاملة لسلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها داخل الحدود المعترف بها دوليا اعتبارا من عام .1991 وهذا يعني أن شبه جزيرة القرم أوكرانية ودونباس أوكرانية”.

وبالمثل، علق أندريه يرماك، رئيس إدارة فولودويمير زيلينسكي الرئاسية، قائلا: “سيكون هناك سلام عندما ندمر الجيش الروسي في أوكرانيا ونصل إلى حدود عام 1991”.

وفي مقارنات مع محاكمات نورمبرج، قال ريزنيكوف أيضا إنه سيتعين محاكمة كبار المسؤولين الروس على جرائم الحرب التي ارتكبت خلال النزاع. وقال: “ستكون هذه محاكمات نورمبرج في جوهرها حيث سيتم تقديم المجرمين الذين يقودون الآن الاتحاد الروسي والذين يصدرون أوامر جنائية إلى العدالة”.

وأضاف: “على روسيا أن تدفع، وعلى أجيالها القادمة أن تدفع”.

ويقول جيل إن مقارنات ريزنيكوف بما بعد الحرب العالمية الثانية هي إشارة غير دقيقة إلى الهزيمة الكاملة للجيش الروسي والإطاحة بحكومة فلاديمير بوتين.

وفي تشرين الأول/أكتوبر، ردد زيلينسكي مشاعر ريزنيكوف الواثقة. وقال زيلينسكي: “سنحرر بالتأكيد شبه جزيرة القرم، سنعيد هذا الجزء من بلدنا ليس فقط إلى الفضاء الأوكراني بالكامل، وأيضا إلى الفضاء الأوروبي بالكامل”.

ويشير هذا الخطاب إلى أن كييف تتحول نحو رؤية أكثر تطرفا للنصر. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت أوكرانيا قادرة على مواصلة هجومها المضاد، خاصة مع حلول فصل الشتاء. ولكن حتى الآن تم تبرير اعتماد مجموعة أكثر طموحا من الأهداف الاستراتيجية من خلال النجاحات التشغيلية. وعلى النقيض من ذلك، أجبرت الانتكاسات في ساحة المعركة وضعف أداء الجيش الروسي موسكو على تقليص طموحاتها.

وفي بداية الحرب، كان من الواضح أن بوتين تصور انتصارا كاملا. وكانت خطة روسيا الأولية هي الاستيلاء بسرعة على كييف وقطع رأس الحكومة الأوكرانية ، وكان من المتوقع أن تكون المقاومة خفيفة. ومع وجود كييف في أيدي روسيا وسجن حكومة زيلينسكي أو قتلها أو نفيها، سيكون الكرملين قادرا على إنشاء حكومة عميلة موالية لموسكو. وكان النصر الكامل سيرقى إلى الاستيعاب الكامل لأوكرانيا في مجال النفوذ الروسي. وسوف يشبه النظام الذي تم تنصيبه حديثا في كييف حكومة ألكسندر لوكاشينكو العميلة الموالية لبوتين في بيلاروس، بحسب ما يقوله جيل.

وفي الوقت الراهن، يبدو أن رؤية النصر هذه هي خيال من الماضي.

وكييف في وضع عسكري أفضل للاستفادة من التنازلات إذا جرت مفاوضات. وكان هناك بعض التذمر من حلفاء أوكرانيا الغربيين بأن كييف يجب أن تضغط من أجل الحوار.

ومع ذلك، تصر حكومة زيلينسكي على أنه لن تكون هناك مفاوضات حتى تنسحب القوات الروسية من أوكرانيا بالكامل.

وهذا يعني أن وقف إطلاق النار ليس في الأفق وأن القتال سوف يستمر حتى يحقق أحد الجانبين ميزة عسكرية حاسمة للضغط من أجل التوصل إلى نتيجة إيجابية. ومن غير المرجح أن يوافق أي من الطرفين على التوصل إلى حلول وسط على طاولة المفاوضات إلى أن يتغير ميزان القوى بشكل كبير بطريقة أو بأخرى.

(د ب أ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    النصر لروسيا يعني استرجاع الأملاك التي سرقها حلف الناتو وأمريكا ?

إشترك في قائمتنا البريدية