«ماك»؟ من «ماك»؟ ودخول البيت الأبيض على ظهر دبابة؟!

حجم الخط
17

لم تحفظ الذاكرة، بحكم عوامل التعرية، من الإعلان التلفزيوني القديم سوى العبارة المنطوقة منه «ماك بتاعك.. وماك بتاعي.. وماك بتاعنا كلنا» دون تذكر المنتج، الذي كان يتم الإعلان عنه، لكن في البحث وجدته خاصاً بالإعلان عن وجبة طعام لواحد من المطاعم المشهورة، فهل كان الإعلان القديم بالفعل للترويج لوجبة «ماكدونالدز» العائلية؟!
إنه الإبداع في الإعلانات التلفزيونية زمان المتجاوز لحدود المطلوب، فيصبح الإعلان هو الموضوع، ولا يهتم المشاهد برسالته ولا بالمنتج، الذي يروج له، ويظهر هذا جلياً في أغنية «حسنين ومحمدين» للمطربة الشعبية فاطمة عيد، والتي كانت في سياق الحملة القومية لتنظيم الأسرة، لكنها كلما حلت في محفل طالبها الجمهور بأن تغنيها، فقد ضاع الهدف منها، وكذلك الأمر بالنسبة لإعلان «ماك» والذي ذكرنا به الدكتور «ماك شرقاوي» ضيف «أحمد موسى» في برنامجه على قناة «صدى البلد» في يوم تنصيب بايدن!
ولأن القوم في القاهرة يحسبون كل صيحة عليهم، ومشهد انتقال السلطة في حضور أربعة رؤساء سابقين للولايات المتحدة، دعاية ضدهم، فقد كان لا بد من استدعاء «ماك» الذي تم تقديمه على أنه «محلل أمريكي» وباعتبار أنه ما دام «ماك» فلا بد من أن يكون أمريكياً، فاسمه ليس شائعاً في مصر، وربما تأثر صاحبنا بالإعلان القديم «ماك بتاعك، وماك بتاعي، وماك بتاعنا كلنا» وربما استشعر أنه لكي يتأمر، فلا بد من أن ينسب نفسه لشجرة العائلة «الماكدونية» إذا صح أن الإعلان التلفزيوني، الذي شاهدته صبياً، كان للترويج بالفعل لوجبة «ماكدونالدز» العائلية!
ولأنه «محلل سياسي» فلا بد من أن يكون دكتوراً، فكل المحللين السياسيين عند المذيعين «دكاترة» وقديماً انفجرت أساريري لمستوى «الانشكاح» ومذيعة كانت متخصصة في الخطأ في اسمي، وفي كل مرة تنطقه بطريقة مختلفة، مع تعرضها للتبكيت من القائم على مكتب القناة في القاهرة، لكني في هذه المرة سعدت ولم انشغل باسمي الذي تعرض لانقلاب عندما جرى على لسانها، فقد ذكرته مسبوقاً بلقب «الدكتور»؛ «الدكتور عزوز سليم» فاعتبرته فأل خير، وكنت أتحدى الملل بالالتحاق بالدراسات العليا، يومها استدعيت صوفيتي السابقة، وقلت ما أدراني ألا تكون هذه الغائبة عن الوعي من أولئك الناس، من حيث أن من ذاق عرف، ومن عرف وصل، ومن وصل اتصل؟ وإلا فكيف لمثلي أن يستوعب أن تكون مذيعة وهي فاقدة لأي مهارة مهنية، وقد اختفت لتظهر كراماتها على قناة «الحدث» عندئذ أيقنت أنها من هناك، وإن لم تتحقق النبوءة بعد فلم أصير «دكتوراً» يبدو أنني سأتحول إلى مرحلة الأستاذية مباشرة.. أستاذية العالم!
ولأن المحلل لا بد وأن يكون «دكتوراً» فعندما قدم «عطوة كنانة» الشخصية الهزلية في برنامج «ما وراء الكلاويس» وقام فيه «باكوس» بدور المذيع، كان هو حتما ولا بد أن يكون «الدكتور» عيد سعيد مبارك عليكم، وكذلك «الدكتور ماك» الذي استضافه أحمد موسى من واشنطن، في يوم تنصيب بايدن، ليعلن وبصفته «المحلل السياسي الأمريكي» أن الرئيس «جو بايدن» دخل البيت الأبيض على ظهر دبابة، فأضحك الثكالى، وأشعر المذيع بالارتياح، لا سيما أنه قال هذا بدون أن يهتز له رمش!

الانقلاب على الشرعية

إن أزمة أهل الحكم في مصر، بذبابهم الإلكتروني، وأذرعهم الإعلامية، في أن الزعيم المفدى والمهيب الركن عبد الفتاح السيسي جاء لموقعه على ظهر دبابة، ورغم أنه خاض الانتخابات مرتين، إلا أنه من ظاهره وباطنه، وفي سره وعلنه، يعلم أنه في موقعه بانقلاب عسكري، إذاً، فليقولوا إن الرئيس الأمريكي نفسه جاء على ظهر دبابة، ليمكنهم التأثير في الصورة وما تحدثه دعاية انتقال السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية من تأثيرات في المصريين، الذين يتذكرون مع هذا المشهد، أن بلادهم كان يمكن أن تمر بهذه التجربة، لولا تدخل قاطع الطريق بانقلابه، ولم يصدق هو غير هذا، رغم أنه خاض الانتخابات لمرتين، وكانت هناك قرارات بفتح باب الترشيح وإغلاقه، وتشكيل لجان الانتخابات ولجان الفرز، ولجنة عليا للإنتخابات تعلن كل هذا، ثم تكلل جهودها الوطنية في إعلان الفائز، وأيهما فاز في هذه الإنتخابات المرشح عبد الفتاح السيسي، أم المرشح المنافس له وهو «الأصوات الباطلة» فكان لا بد من «الدكتور ماك» الخواجه الأمريكي، ليقول إن بايدن أيضاً دخل البيت الأبيض على ظهر دبابة!
فالقوم مولعون بالمقارنات، ومنذ أن نقلت الشاشات اقتحام الكونغرس من قبل الرعاع، والتدخل العنيف من قبل الشرطة الأمريكية لفرض الأمن، وهم يعتبرون هذا التدخل يخدم أهدافهم الإستراتيجية، وقامت دعايتهم بتبرير ما فعل النظام العسكري في مصر بقمع للمظاهرات، وقتل وحرق للمتظاهرين، وباعتبارهم هنا يمثلون الرئيس المنتخب بايدن، فاتهم أن ما يقابلهم في الحالة الأمريكية هو ترامب الذي أراد الإنقلاب على الشرعية، كما فعل السيسي، لكن تبين أنه «منقلب تحت التمرين» فانتهى انقلابه إلى خروجه من البيت الأبيض، لأن الجيش الأمريكي يحمي الشرعية، ولا يحمي الإنقلاب عليها، ولأن الكونغرس مؤسسة منتخبة، يقابلها في مصر قصر الاتحادية، الذي حوصر في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي أكثر من مرة وحاول الرعاع المصريون اقتحامه، وتُركوا وما يفعلون باعتبار أنها الديمقراطية!
وقد ذهبت بهم المقارنات بعيداً، إلى حد أن يُعلن عبر شاشة مصرية أن الرئيس الأمريكي المنتخب دخل البيت الأبيض على ظهر دبابة، على النحو الذي قاله «الدكتور ماك» الابن البار للعائلة الماكدونية، الضاربة بجذورها في أعماق المجتمع الأمريكي!!
أمران نساهما ضيف أحمد موسى، ونساهما المذيع نفسه، أنه وهو يقدم «الدكتور ماك» على أنه «محلل أمريكي» ويؤكدان أن دليل التضليل واضح، فلم ينجحا في ادخال الغش والتدليس على الناس، ويتمثل الأمر الأول في أن لهجة الضيف مصرية خالصة ، أما الأمر الثاني فان «شرقاوي» هو تقريباً لقب ليس معروفا سوى في مصر، وهو لقب لكثيرين من أبناء محافظة الشرقية، وإن لم يكن بالضرورة من لقبه شرقاوي من الشرقية، تماماً كما أن «حسن السوهاجي» رئيس مصلحة السجون السابق، ليس من سوهاج، ولكنه من الفيوم، وهو الذي بالغ في التنكيل بالمعتقلين السياسيين قبل احالته للتقاعد، وانتهى به المصير إلى المجهول، فلم يكن من المعينين في أي منصب تنفيذي، محافظ، أو وزير، أو نائب محافظ، أو حتى رئيس مجلس مدينة، كما لم يعين في أي منصب سياسي، عضواً في أي من مجلسي التشريع؛ النواب أو الشيوخ، وطوى النسيان اسمه!

السلالة المصرية العريقة

لا يجوز القول، إن وصف «الدكتور ماك» بأنه أمريكي نظراً لأنه يحمل الجنسية المصرية، فهذا ليس عرفاً معمولاً به في مصر، أو وسائل الإعلام، ولا حتى أن يقال إنه مواطن أمريكي من أصل مصري، وقد تتم نسبته لعمله في الخارج، ويكفي التأكيد أنه معنا من واشنطن فلان الفلاني، ليتأكد المشاهد أنه هناك، فلا يهم إن كان يحصل على الجنسية أو يتحرك بـ»الغرين كارت» فهل سبق لأي محطة تلفزيونية مصرية أن قدمت الدكتور مأمون فندي مثلاً، أو الدكتور فاروق الباز، على أنه «الأمريكي»!
المعنى أن كتابة اسم ضيف قناة «صدى البلد» على الشاشة متبوعاً بالمحلل الأمريكي، أكان مقصوداً في حد ذاته، لتضليل الناس فها هو محلل أمريكي، يقول إن بايدن دخل البيت الأبيض على ظهر دبابة، لتكون الرسالة المراد توصيلها للناس؛ فلماذا ترفضون أن يكون السيسي قد جاء للرئاسة على ظهر دبابة؟!
في البداية نظرت لـ «الدكتور ماك» على أنه من ذات السلالة المصرية العريقة، التي يمثل امتداداتها عدد من نجوم الشاشات المصريين الذين يعيشون في البلاد الديمقراطية، ومع ذلك يؤيدون الاستبداد، ويحتفون بالانقلابات العسكرية، والقائمة تبدأ من أستاذ العلوم السياسية في جامعة عريقة هي «جورج تاون» الدكتور مأمون فندي، ولا تنتهي بالأستاذ في نفس الفرع العلمي الدكتور نبيل ميخائيل، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» والحال كذلك فليس مستغرباً أن يقال إن سيف الإسلام القذافي درس العلوم السياسية في جامعة «جورج تاون» أيضاً!
لكن في النهاية وقفت على أن «الدكتور ماك» ليس من هذه السلالة، إنها من سلالة أخرى نعرفها جيداً، فهو لم يحصل على الدكتوره، وإذ منحت لي مذيعة «الحدث» الآن الدرجة العلمية بسبب الارتباك، فقد انتحل هو ذلك، وسهل له أحمد موسى هذا الانتحال، لتمرير الرسالة المقصودة!
لقد كان يعمل محامياً في مصر، وغادرها بعد فصله من النقابة، لافتقاده شرطا من شروط الاستمرار في العضوية، وليس اسمه «ماك» فالاسم الذي عُرف به في مصر محامياً ومن خلال موكليه، وفي حياته العامة والخاصة وفي شهادة الميلاد وفي حكم أصدره المستشار أحمد العشماوي هو «محمود» فما ضرنا لو أصبح «ماك» ليذكرنا بأيام الصبا عندما كان إعلان «ماك» ولم يكن يشغلنا المنتج، الذي يتم الإعلان عنه، فلم تكن «ماكدونالدز» قد وصلت الصعيد، فما كان يهمنا هو هذه الصيغة العبقرية: «ماك بتاعي.. ماك بتاعك.. ماك بتاعنا كلنا»!
العبقري «ماك» ليس «بتاع» قناة «صدى البلد» وحدها!

٭ صحافي من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول يحيى:

    لكلمة ماك معنى آخر اصله من الدارجة الفرنسية و يعني الشخص الذي يحمي بائعات الهوى اصل الكلمة maquereau و مايعادلها في الدارجة الفرنسية هي mac و اظن ان هذا المعنى ينطبق بالضبط على ماجاء من تووظيف المصطلح في المقال و معذرة ان أسأت الفهم للكلمة في المقال

  2. يقول علي:

    أمران نسيهما ضيف أحمد موسى، ونسيهما المذيع نفسه. أظنهما ثلاثة،والثالث هو القتال الباسل الذي خاضه الإخوان ضد طلائع معركة الجمل،فردوا الغزاة على أعقابهم وحرروا ميدان التحرير ،وانتصرت الثورة يومئذ على الدولة العميقة بقيادة الماريشال- الانقلابي فيما بعد- الذي خدع الإخوان ببعض المظاهر الدينية فظنوه رجلا صالحا،ولم يدركوا أنهكان يخطط لتأديب مصر وشعبها ثم تدميرها.

  3. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    استاذ سليم، نسيت اهم النجوم من بين من ذكرت ،و هو “الدكتور” توفيق حميد…..
    الذي يمتلك القابلية على قلب الحقائق و إظهار الباطل حق و الحق باطل بطريقة يحسد عليها، إلى درجة لو انه دخل يوماً إلى بيته ،و وجد السيسي ضيفاً عندهم في غرفة النوم نفسها، لسأله ان كان الفراش و الوسادة مريحة له ام لا؟!

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      قوية!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

  4. يقول مازن:

    انا اتذكر الاعلان الذي يشير اليه الكاتب في مقالته وهو لمزيل رائحة العرق باك وليس ماك.
    كل الشكر

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية