تستمر القوات الروسية في محاولة الاستيلاء على مدينة بخموت شرق أوكرانيا، التي أضحت هدفاً رئيسيا بعد ان اضطروا للانسحاب من مناطق عديدة على وقع الهجمات المضادة للقوات الأوكرانية.
باريس ـ «القدس العربي»: تدخل الحروب الروسية-الأوكرانية يومها 284 على وقع تأكيد الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمريكي جو بايدن على «استمرار دعم» بلديهما لكييف، وتحرّر الخطوط الأمامية الرئيسية في جنوب أوكرانيا من بعض الجنود الرّوس، مع استمرار معاناة البلاد الكبيرة من الهجمات على بنيتها التحتية للطاقة.
خلال زيارته إلى واشنطن منتصف هذا الأسبوع، أعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الأمريكي جو بايدن، في بيان مشترك، التأكيد على «دعم بلديهما المستمر لأوكرانيا» وتعهدا بشكل خاص بتزويدها «بالمساعدة السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية لأطول فترة ممكنة» وذلك في بيان مشترك أعقب المؤتمر الصحافي الذي تلى لقائهما المشترك في البيت الأبيض.
من جهة أخرى، عبر الرئيس الأمريكي عن «استعداده» للتحدث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بشرط أن يكون الأخير «يبحث عن طريقة لإنهاء الحرب» في أوكرانيا، قائلاً: «عندئذ سأكون سعيدًا بالجلوس مع بوتين، بعد التشاور مع أصدقائي الفرنسيين وفي حلف شمال الأطلسي، لمعرفة ما يدور في ذهنه» وذلك رداً على سؤال عن نية الرئيس الفرنسي الاتصال مجدداً بنظيره الروسي في الأيام المقبلة، التي عبر عنها خلال مقابلة مع تلفزيون ABC الأمريكي.
فقد أعلن إيمانويل ماكرون عن عزمه التحدث مع فلاديمير بوتين، لا سيما بخصوص موضوعات الطاقة النووية المدنية ومحطة توليد الكهرباء في زابوريجيا، موضحاً أنه أراد قبل ذلك القيام بزيارة الدولة إلى الولايات المتحدة أولاً وإجراء مناقشة معمقة مع الرئيس بايدن. كما اعتبر ساكن الإليزيه أنه ما زال من الممكن العودة إلى طاولة النقاش والتفاوض لإنهاء الحرب، مشددا، في الوقت ذاته، على أنه «لن يدفع الأوكرانيين أبداً إلى قبول حل وسط غير مقبول لهم» لأنه لن يسمح ببناء «سلام دائم».
في موازاة ذلك، توصلت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي – بينها فرنسا – إلى اتفاق بشأن وضع حد أقصى لسعر برميل النفط الروسي قدره 60 دولارا لحرمان موسكو من وسائل تمويل حربها ضد أوكرانيا، وذلك انطلاقاً من آلية تنصّ على حظر خدمات النقل البحري (الشحن والتأمين وما إلى ذلك) للنفط الروسي بما يتجاوز الحد الأقصى، من أجل الحد من الإيرادات التي تجنيها موسكو من شحناتها إلى الدول التي لا تفرض عليها حظرًا، مثل الصين أو الهند. وستعزز هذه الخطوة التي رحبت بها واشنطن فعّالية الحظر الأوروبي الذي يأتي بعد أشهر من الحظر الذي قررته من قبل الولايات المتحدة وكندا. وأيضا، اتفقت دول مجموعة السبع وأستراليا على وضع حد أقصى لسعر النفط الروسي عند 60 دولارًا للبرميل، وفق ما جاء في بيان مشترك، عقب هذا الاتفاق الأوروبي المماثل. ويخشى خبراء من زعزعة استقرار سوق النفط العالمية من جراء هذا الإجراء، ويترقبون بقوة رد فعل دول منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك» التي تجتمع اليوم الأحد في فيينا. أما الجانب الروسي، فقد حذر من مغبة أنه لن يسلم نفطا إلى الدول التي تتبنى هذا السقف.
في غضون ذلك، اقترب الاتحاد الأوروبي من اتخاذ قرار تحديد سقف أسعار النفط الروسي، حيث تضع دوله الأعضاء اللمسات الأخيرة على اتفاق لفرض حد أقصى قدره 60 دولارًا للبرميل على سعر النفط الروسي المباع إلى دول ثالثة، وفقًا لمصادر دبلوماسية، وذلك انطلاقاً من آلية تنصّ على حظر خدمات النقل البحري (الشحن والتأمين وما إلى ذلك) للنفط الروسي بما يتجاوز الحد الأقصى، من أجل الحد من الإيرادات التي تجنيها موسكو من شحناتها إلى الدول التي لا تفرض عليها حظرًا، مثل الصين أو الهند. وقرر الاتحاد الأوروبي بالفعل منع بلدانه السبعة والعشرين الأعضاء من شراء النفط الروسي عن طريق البحر اعتبارًا من يوم غد الإثنين الخامس كانون الأول/ديسمبر الجاري، في خطوة من شأنها أن تقضي على ثلثي مشتريات أوروبا من النفط الروسي.
في الأثناء، تتواصل العمليات العسكرية على الأراضي الأوكرانية، حيث تستمر القوات الروسية في ضغوطها لمحاولة الاستيلاء على مدينة بخموت في شرق أوكرانيا، التي أضحت هدفاً رئيسيا للروس الذين اضطروا في الآونة الأخيرة للانسحاب من مناطق عديدة على وقع الهجمات المضادة للقوات الأوكرانية. وفي أحدث حلقات هذه الانسحابات، أعلن الجيش الأوكراني نهاية هذا الأسبوع عن سحب موسكو لبعض قواتها من بلدات على الضفة الشرقية لنهر دنيبر مقابل مدينة خيرسون – خط المواجهة الرئيسي في جنوب البلاد – ونشرها في مناطق الغابات على طول طريق أوليشكي – هولا بريستان السريع، وفق الجيش الأوكراني، الذي ذكر أيضا أن معظم الجنود الموجودين في المنطقة هم جنود احتياط تم حشدهم مؤخرًا، ما يشير إلى أن أكثر الجنود تدريباً قد غادروا المنطقة بالفعل، وفق رواية كييف.
وقد أمرت روسيا المدنيين بالفعل بمغادرة البلدات الواقعة على بعد 15 كم من النهر، وغادرت الإدارة المدنية بلدة نوفا كاخوفسكا على الضفة اليسرى لنهر دنيبر، وسط تأكيد الجانب الأوكراني أن موسكو كثفت من قصفها على الضفة الغربية لنهر دنيبر، ما تسبب في مزيد من انقطاع التيار الكهربائي في خيرسون، حيث باتت منشآت الطاقة الأوكرانية هدفها الرئيسي عقب معاناتها من هزائم عسكرية وصفت بالمذلة على الأرض، الأمر الذي تسبب في أضرار جسيمة ونقص حاد في الطاقة بات يؤثر على ملايين الأوكرانيين كل يوم.
فما تزال البلاد تعاني بشكل كبير من الهجمات على البنية التحتية للطاقة، في ظل استمرار تعطل حوالي 40 في المئة من شبكة كهربائها. وتؤكد شركة DTEK المشغل الخاص أن «روسيا دمرت حوالي 40 في المئة من نظام الطاقة الأوكراني بهجمات صاروخية إرهابية قُتل خلالها وجُرح العشرات من عمال الطاقة».
مقتل 13 ألف جندي أوكراني
منذ بدء الحرب
في خضم ذلك، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد تبادل جديد بين كييف وموسكو، أنه تم إطلاق سراح أكثر من 1300 سجين أوكراني في تبادلات مع روسيا منذ بدء الحرب في شهر شباط/فبراير الماضي. وأوضح مدير مكتب الرئيس الأوكراني أندريتش إيرماك، أنه «تم إطلاق سراح 50 مدافعًا عن أوكرانيا» بمن فيهم «المدافعون عن ماريوبول وآزوفستال» المدينة الساحلية في جنوب أوكرانيا، التي قصفت مصانع الصلب فيها في الربيع من قبل الجيش الروسي قبل أن تسقط.
وقال إن بعض السجناء كانوا محتجزين في أولينيفكا، وهو سجن تسيطر عليه روسيا في شرق أوكرانيا، والذي تعرض للقصف في نهاية شهر تموز/يوليو الماضي، ما أدى إلى مقتل العديد من أسرى الحرب الأوكرانيين، في ضربة نفت كل من كييف وموسكو المسؤولية عنها. للتذكير، كانت روسيا قد أعلنت في 20 تشرين الأول/اكتوبر الماضي أنها تحتجز «أكثر من 6 آلاف سجين أوكراني» وهو رقم لم تعلق كييف عليه.
كما أكدت كييف هذا الأسبوع أنها فقدت ما بين 10 آلاف من 13 ألف جندي منذ بدء الحرب في24 شباط/فبراير الماضي، كما قال ميخايلو بودولياك، أحد مستشاري الرئيس الأوكراني. في المقابل، سبق لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن أكد خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي أن 5937 جنديًا روسيًا قتلوا منذ بدء النزاع في 24 شباط/فبراير. غير أن جهات عديدة تعبتر أن الطرفين الروسي والأوكراني يقللان من حجم خسائرهما البشرية لتجنب أن يؤثر ذلك سلبا على معنويات قواتهما. وكان قائد الجيوش الأمريكية الجنرال مارك ميلي قد صرح خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر المُنصرم أن أكثر من 100 ألف جندي روسي قُتلوا أو أصيبوا منذ بدء الحرب، موكداً أن الخسائر في صفوف القوات الأوكرانية قد تكون مماثلة. والمؤكد أيضا ان
آلاف المدنيين راحوا ضحية هذه الحرب، التي تعد الأعنف في أوروبا منذ عقود.