مانديلا.. رجل القرن العشرين

حجم الخط
0

لقب ‘رجل القرين العشرين’ الذي لم يعلن بعد، له عدة مرشحين: في بداية القرن غير فرويد وآينشتاين الطريقة التي نفهم فيها أنفسنا والكون، ولاحقا كشف لنا هتلر عن غياهب الشر الوحشي الكامن في الجنس البشري والذي من شأنه أن ينطلق في كل لحظة تاريخية. غاندي كان الرمز الحي للصراع ضد الاستعمار والعنف في آن واحد. ومع ذلك، فاني اختار الرجل الذي رحل هذا الاسبوع في القرن الواحد والعشرين، نلسون مانديلا بصفته رجل القرن العشرين كأحد الشخصيات الهامة في تاريخ البشرية وذلك لان الكفاح الذي انتصر فيه في جنوب افريقيا، دولة الابرتهايد، يتجاوز جدا حدود بلاده.
على مدى كل القرن العشرين أديرت دول العالم، معظمها ان لم تكن جميعها، حسب مبادىء مشابهة للمبدأ الافريقي الجنوبي، ولكن بوسائل اخرى. رؤيا المساواة للثورة الفرنسية تحققت بشكل جزئي، وعمليا اقصي، اضطهد وحرم من حقوقه تقريبا كل من ليس رجلا مسيحيا أبيض محافظا: السود واليهود، الغجر والارمن، الفارقة والآسيويين، النساء واللوطيين، وفي الصيغة الشيوعية، كل من خرج عن المبادىء المطلقة للنظام. الانسانية، التي سارت الى الامام في القرن التاسع عشر، توجهت الى المطارح المظلمة حتى الهوة الاكثر ظلامية، الرايخ الثالث وما فعله.
في النصف الثاني من القرن العشرين تحرك البندول نحو القيم التأسيسية للحركة والمساوة، بما في ذلك بين الدول وداخلها ايضا. فالقيم القديمة لـ ‘نحن الاخيار اكثر من الجميع’، نحن العرق المختار، أو الشعب المختار، او الجنس المختار، ورثتها الفكرة الكونية: كلنا بشر متساوون، وللجميع الحق في الحرية، وحسب الفهم التوراتي، فان الجميع خلقوا على صورة الله. هذا هو الجوهر، هذه هي البشرى. وهي تحققت بهزيمة الرايخ الثالث وانهيار الاستعمار، وتحقيق الحقوق الوطنية للعديد من الشعوب بمن فيهم اليهود، في الحركة النسوية، في تعدد الثقافات، في انتخاب رئيس اسود في الولايات المتحدة، في سقوط الستار الحديدي وغيره. وقد احتاج هذا كله الى رمز حي. الرمز الحي هذا هو نلسون مانديلا، وليس احدا غيره. وعليه فهو رجل القرن العشرين.
ما فعله مانديلا جدير بلقب رجل القرن العشرين هو ايضا روح الزمن، كونه الانسان السليم في الكفاح السليم، حسب صورة النظام في جنوب افريقيا. ما فعله جدير باللقب هو استعداده لان يضحي ربع قرن من حياته لهدف قرره لنفسه: الغاء نظام الابرتهايد (التفرقة العنصرية) وبالطبع ذات الميزة الغريبة التي يحظى بها قلة: الكاريزما (الحضور). ولهذه اضيفة شخصيته اللطيفة، التي هي جزء من الرسالة. فانت لا يمكنك ان تكافح ضد العنف اذا كنت شخصا عنيفا، مثل ذاك المقاتل من اجل حقوق الحيوانات. فالايمان والعناد بعدالة الطريق لا يتطلبان اعتبار كل انسان عدو، بل معرفة التركيز على من يحمل القيم التي ضدها انت تقاتل، وبالمقابل القيم التي تقاتل في سبيلها.
في’ عصر ما بعد الحداثة، قيم القرن العشرين هي تقريبا كلمة فظة. القيم الاساس مثل الانسانية، المساواة والديمقراطية افسدها مفكرون نقديون ظاهرا حطموا القوة والحقيقة الكامنتين في هذه القيم. والقرن الواحد والعشرين يلوح في مجتمع التكنولوجيا فيه تذيبنا حتى الجنون وتنسينا من نحن، ما هو المهم وعلى ماذا نكافح. نلسون مانديلا، من الان فصاعدا ليس شخصية حية بل مخلوقا اسطوريا، هو نجم لامع في سماء التاريخ الانساني، جاء ليذكرنا بان الحرب في سبيل عالم القيم لدينا لم تنتهي، وان ثمة مراتبية بين القيم والمعتقدات ولا يزال هناك ما ينبغي الكفاح في سبيله.

معاريف8/12/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية