ماهر الأخرس إذ يتضامن مع النظام السوري… أمريكا على صفيح ساخن.. و«جدار الصوت»: كل هذا الضجر!

حجم الخط
8

تساءلت، فيما يتاح لي مشاهدة الفيلم اللبناني «جدار الصوت» (من إخراج أحمد غصين)؛ كيف سأشعر تجاهه لو أنه استطاع أن يكون تحفة فنية، هو الذي أثار اعتراضاً شديداً منذ حوالى العام بسبب تصويره في مدينة سورية مدمرة هُجّر أهلها، على أنها بلدة جنوبية دمرتها إسرائيل في حرب تموز/يوليو العام 2006! لكن قبل أن يكتمل السؤال جاءت الدقائق الأولى من العرض لتضعك أمام همّ وحيد؛ متى ينتهي هذا الفيلم، البطيء، وثقيل الظل؟!
لكن لا بأس، ريثما ينتهي العرض، أن يراقب المرء ماذا أفاد صنّاعه من التصوير في دمار تلك المدينة السورية؟ هل يُظهِر التصوير حقاً استحالة اختيار مكان آخر؟

فيلم “جدار الصوت” قد يصبح وثيقة مصورة بدقة عالية تسجّل ما فعلت ميليشيا «حزب الله» في مدينة القصير (وفي المدن) السورية المنكوبة

في معظم مشاهد الفيلم لن يكون الدمار استثنائياً يعبّر بالفعل عن واقع التدمير في سوريا، كان من الممكن صناعته على أرض المعركة الحقيقية في لبنان. إلا في اللقطات الأخيرة التي يمشي فيها بطل الفيلم في شارع هائل الدمار، وكان يمكن الاستغناء عنها لأنها بالفعل خارج الخط الذي يقوم عليه الفيلم، أي حصار بضعة من السكان في منزل يفاجأون خلاله بأن جنوداً إسرائيليين اقتحموا الطابق العلوي فيه، ومعظم الدراما فيه ينشأ بفعل هذا الحصار. ثيمة تذكّر بالفيلم البلجيكي «عائلة سورية» (من إخراج فيليب فان لو) إذ يبرع الأخير في تصوير يوميات الحصار من دون الاضطرار إلى الذهاب خطوة خارج جدران المنزل.
يقول المرء لنفسه قد تفيد هذه المشاهد في أن تكون وثيقة مصورة بدقة عالية (ولا شك أن في جعبة المخرج لقطات أخرى مخفية) تسجّل ما فعلت ميليشيا «حزب الله» في مدينة القصير (وفي المدن) السورية المنكوبة.
أروح أتلهى بقراءة «تيترات» الفيلم النهائية، لألاحظ كمّ «التشكّرات» الملقاة هنا وهناك، من بينها لأسماء معروفة بتشبيحها للنظام السوري، لكن على كثرتها لن تجد «شكراً» واحدة لأصحاب البيوت التي صُوّر فيها الفيلم. قلنا حسناً، لن نسعد بالتأكيد بيدٍ مقطوعة، مسروقة، تلوّح لنا من بعيد.

تحت القصف

يقدم فيلم «تحت القصف» لفيليب عرقتنجي مقاربة فريدة للسينما مع الحرب، فعلى خلاف مواطنه «جدار الصوت» الذي انتظر مرور اثنتي عشرة سنة ليقدم حرب تموز/يوليو، حمل عرقتنجي كاميرته وراح يصور خلال الحرب وبعدها، ليظهر الفيلم إلى النور بعد حوالى العام.
معظم مشاهده واقعية، فيها تشابك بين الروائي والوثائقي، فقد زجّ المخرج بفريقه من ممثلين وفنيين في مواجهة عناصر الواقع؛ المدنيين وفرق الإنقاذ والضحايا، فيما ابتكر خطوطاً درامية تعكس نقاشاً حقيقياً غير مفتعل. فنحن أمام امرأة تركت مغتربها الخليجي وجاءت تبحث عن ابنها المتروك في الجنوب، تخوض الرحلة مع سائق مسيحي عازم على ترك البلد إلى ألمانيا، يسهل تصنيفه من قبل رجال الأمن بالعمالة لـ «جيش لحد» من غير ذنب، رحلة البحث عن الابن الطفل تشكل بانوراما اجتماعية واسعة لحال لبنان آنذاك.

فيلم «تحت القصف» لفيليب عرقتنجي مقاربة فريدة للسينما مع الحرب، فعلى خلاف فيلم «جدار الصوت»، الذي انتظر مرور اثنتي عشرة سنة ليقدم حرب تموز/يوليو، حمل عرقتنجي كاميرته وراح يصوّر خلال الحرب وبعدها، ليظهر الفيلم إلى النور بعد حوالى العام.

الفيلم ارتُجل سريعاً هكذا في فوضى الحرب. وهو فوق ذلك لم يركن إلى هذه البطولة في تصوير مشاهد حية، ولم ينس الاشتغال على مختلف خطوطه، وقدّم ممثليه، خصوصاً جورج خباز وندى أبو فرحات، بأداء متفرد، مؤثر وجميل.

الأسير ماهر الأخرس

الأسير الفلسطيني ماهر الأخرس، الذي أضرب عن الطعام لمئة وثلاثة أيام احتجاجاً على اعتقاله الإداري من قبل الاحتلال الإسرائيلي، خيّب كثيرين ممن تضامنوا وتعاطفوا مع قضيته، عندما حيّا، في فيديو احتفى به إعلام النظام السوري «مواقف سوريا المشرفة أمام المؤامرة» كما حيّا «جيشها وحكومتها الداعمة لقضيتنا». الأمر الذي أثار جدلاً ونقاشاً كما حدث في مواقف مماثلة، مع عهد التميمي، وسمير القنطار، وليلى خالد.

ليفكّر ماهر الأخرس من موقعه كأسير، يستحيل على نظرائه في معتقلات نظام الأسد أن يتمكّنوا من الاحتجاج والإضراب عن الطعام والظهور على الإعلام والذهاب إلى المشفى…

دافع البعض عن الأخرس، داعين إلى تقدير ظروف الفلسطينيين المشغولين بتفاصيل العيش المرّ والاحتلال الأكثر مرارة، بل وكذلك ظروف الأسر التي قد تحجبه عمّا يجري في سوريا، لكنها بالطبع ليست ذريعة كافية، فبإمكان العالم أيضاً، أن يتذرع بالانشغال بقضاياه لإهمال قضية الفلسطينيين. ولا ننسى كذلك أن الأخرس في الاعتقال منذ شهور فقط، ولا شك أنه كان على معرفة بما يجري خلال السنوات الفائتة.
ليست الثورة السورية هي المعيار، ولا مؤسسات المعارضة بالطبع، وفي الأساس لم يسأل أحدٌ الأسيرَ الأخرس عن موقفه من الثورة أو يشترطه، لكن ليفكّر الرجل فقط من موقعه كأسير، يستحيل على نظرائه في معتقلات نظام الأسد أن يتمكّنوا من الاحتجاج والإضراب عن الطعام والظهور على الإعلام والذهاب إلى المشفى… فكّر بخليل معتوق (محام) وعدنان الزراعي (ممثل وكاتب سيناريو) وزكي كورديللو (ممثل ومخرج) وابنه مهيار (ممثل) وعبدالعزيز الخيّر (السياسي الأكثر سلمية في العالم) وسواهم الآلاف. ولن يسعنا التعريج على الذين قضوا خلال العشرية المرعبة، وما قبلها، فهل يستحق نظام هذا حال المعتقلين لديه التضامن وتوجيه التحيات الطيبات؟!

أمريكا غير المتجانسة

سيريالية تماماً صورة ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الانتخابات الأخيرة، كما عكسها إعلام النظام السوري، فحسب برنامج «نور خانم» على «تلفزيون سوريا» رأى محللوه أن «أمريكا ستشهد حرباً أهلية، وأن الولايات المتحدة على سطح صفيح ساخن» كما تحدّث شيخ معمم عن أن «هناك 600 مليون قطعة سلاح منتشرة بين الناس، وميليشيات تظهر بشكل علني» و«هناك سجون خاصة» و«أمريكا من الداخل مهزوزة» إلى محلل تحدث عن غياب التجانس فيها، قائلاً بأن «لا ثقافة حب ودعم للمجتمع» ورغم أن محللاً يقول إن «الشعب مغلوب على أمره» فإنه لا يتردد في تمني «أن تحدث حرب أهليه لهذه الدولة» إلى جانب تصوير الأمريكيين على أنهم الآن يتراكضون من أجل المساعدات الاجتماعية، واقتناء الحاجات الضرورية، فيما البيوت والمحال في محيط البيت الأبيض قامت بالتحصين بأبواب الحديد والخشب خوفاً من الفوضى. وصولاً إلى الحديث عن غياب الديمقراطية في ذلك البلد، بدلالة وجود حزبين فقط، الجمهوري وخلفيته وهابية، والديمقراطي وخلفيته إخوانية!

أحد ألمع كتّاب النظام كتب في عزّ الأيام السورية الصعبة «دمشق آمنة أكثر من نيويورك»!

إذا تخطى المرء مرحلة التأكد من أن ذلك فعلاً لسان حال إعلام النظام، فإنه سيقع حتماً في سؤال أهم؛ هل يصدق الناس، العاديون، في ظل النظام كل ذلك؟ كيف يشعرون إزاءه؟ لكن لحظة، لم أنا مندهش إلى هذا الحد؟! إذا كان أحد ألمع كتاب النظام كتب في عزّ الأيام السورية الصعبة «دمشق آمنة أكثر من نيويورك» فلماذا أستغرب أن يصدق الناس كل تلك الأكاذيب؟!

 كاتب فلسطيني سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ما فعله نظام بشار مع شعبه لم يفعله طاغية في جميع العصور!
    الثورة لازالت في قلوب السوريين تنتظر الوقت المناسب لتظهر من جديد!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول Dr Arabi,UK:

    ولكن لماذا تتوقع من الجميع أن يحذوا حذوك في كراهيتك للنظام السوري،حتى المناضل ماهر الأخرس

  3. يقول Passerby:

    ماهر الأخرس يتضامن مع النظام الأسدي بسبب أسماء الأخرس وهذا المضرب عن الطعام يعتقد أنها ستنفعه أو أنها قريبته؟ سجون إسرائيل على علاتها أفضل مليون مرة من سجون الأسد وهذا لا يعني أن إسرائيل غير مجرمة بل هي تبز النظام الأسدي بالإجرام وكلاهما وجهان لعملة واحدة بالنسبة للشعب السوري أو للمخلصين منه.

  4. يقول شاهر السعيد:

    عزيزي المحرر اتمنى عليك نشر تعليقي كما هو من باب حرية الرأي الذي احسب ان صحيفتكم ترفعه عالياً:

    ماهر الاخرس وبقية المناضلين المذكورين في المقال لديهم بوصلة واحدة تشير الى فلسطين. عندما يرون ان الذي تقوم اسرائيل بقصفه في سوريا هو الجيش السوري، وعندما يرون ان الذي يقف ضد سوريا في مجلس الامن هم امريكا وفرنسا وبريطانيا، وعندما رأوا نتانياهو يستقبل زعماء المعارضة السورية، من البديهي عندما ترى كل ذلك ان لا تقف في نفس الصف الذي يصطف فيه كل هؤلاء. لا اعتقد انه هناك شخصاً منصفاً يمكن ان يشكك في وطنية المناضلين المذكورين في المقال، لذا اسأل الا يدلنا ذلك على امر ما؟ هل هناك وطني غيور يقبل ان يكون في نفس الاصطفاف مع امريكا وبريطانيا وفرنسا واسرائيل؟

    1. يقول Dr Arabi,UK:

      هذا والله كلام الزين.

  5. يقول صليبا:

    النظام السوري ” نظام الأسد وابنه ” أسوأ نظام على وجه الارض منذ الخليقة .
    أكيد هناك من لا يعجبه هذا الكلام ، ومن لايعجبه عليه مراجعة كل كتب التاريخ منذ خلقت الأرض.
    لن ير نظاما قتل وشرد وسجن ودمر وخرب وحاصر ومنع الاكل والشرب عن المحاصرين وأفسد الاخلاق والتربية وكذب ونافق مواطنيه مثل هذا النظام.
    لا اعتقد ان هناك عاقلا يشك بأن السجون الاسرائيلية الفلسطينيين هي جنة اذا ما قرنت بالسجون السورية للمواطنين السوريين.
    هل كان على سبيل المثال لسمير قنطار ،
    (مجموعة القنطار خطفت داني هاران وابنته عينات هاران وعمرها اربعة سنوات فقط ، وقد قتل القنطار الاثنين.)
    كل من يقتل أطفال ارهابي ، ارهابي .

    خلال وجوده في السجن الإسرائيلي سُجل القنطار كطالب في الجامعة المفتوحة الإسرائيلية بتل أبيب والتي تستخدم طريقة التعليم من بعد. ومنحت الجامعة المفتوحة للقنطار شهادة بدرجة بكالوريوس في الأدبيات والعلوم الاجتماعية.
    اذا حلم السجين السوري بالدراسة وافصح عن حلمه ستعلق مشنقته .

    1. يقول الشاهر السعيد:

      كلام معظمه سليم. نظام الاسد نظام مجرم، ولكن الاكثر اجراما هو من يتحالف مع ويتغطى ببريطانيا وامريكا وفرنسا واسرائيل. من وقف مع هؤلاء فقد حدد معسكره

  6. يقول داوود الاردني:

    ان ماهر الاخرس وليلى خالد وسمير قنطار وغبرهم من المناضلين من المقاومه الفلسطينين من الجهاد والشعبيه والديمقراطيه حتى معظم الصف السياسي وجميع الصف العسكري من حركه حماس يقدرون ويشيدون بدور سوريا وقيادتها بدعم المقاومه والشعب الفلسطيني وهذا ما يهم القاده والمناضلون الفلسظينيين.
    فكيف نتصور ان يعادوا من يدعمهم ويقفوا مع من يقف ضد النظام السوري من الامريكان والاوروبيين والاسرائيليين وغيرهم من اعراب العرب.
    فمن كان بوصلته فلسطين فسيكون موقفه كموقف هؤلاء المناضلين ومن كان موقفه خلاف ذلك فما عليه الا تقدير موقفهم وعدم مهاجمتهم.

إشترك في قائمتنا البريدية