يكثر الإسرائيليون هذه الأيام في طرح سؤال: من يمكنه/ا أن يحل محل نتنياهو في رئاسة الوزراء؟ من يمكنه/ا أن يشغل المنصب المعقد، المركب والمتطلب في مشهدنا السياسي هذا. لو كان الجواب مفهوماً من تلقاء ذاته، لكان من المحتمل أن نعفى من الهزة السياسية التي نعيشها منذ سنتين. للحظة قصيرة كان يخيل أن بيني غانتس، في لحظات ظهوره المؤثرة وسجله كرئيس للأركان، أن يكون محطماً للتعادل في المعركة السياسية بين الحملات الثلاث، ولكن هذا لم يحصل عملياً. كما أن المتنافسين الآخرين لم ينجحوا في زرع إحساس الثقة الحيوي في الجمهور بأنهم سيحدثون تغييراً. لا يزال هذا السؤال يحوم في فضائنا السياسي هذه الأيام، ربما أكثر مما في الماضي.
من الواضح أن الحكومة الحالية لن تصمد حتى نهاية الاتفاق الهاذي بين “أزرق أبيض”.
ليس هناك يقين حول موعد جولة الانتخابات التالية، ولكن من الواضح أن الحكومة الحالية لن تصمد حتى نهاية الاتفاق الهاذي بين “أزرق أبيض” والليكود. إن المحتال الذي يقود الليكود والسند العائلي المجنون الذي يعتمد عليه لم يقصدا منذ البداية الالتزام باتفاق التناوب، ورغم الضائقة وانعدام اليقين اللذين تخلقهما الأزمة الاقتصادية بالنسبة لنتائج الانتخابات في المستقبل، قد لا يكون هناك مفر منها.
مخاوف حقيقية تطارد نتنياهو،فآلاف المتظاهرين يحيطون ببلفور، ومئات آلاف العاطلين عن العمل يطلقون صرخة تنطلق من أعمال المهانة.
تطارد نتنياهو مخاوف حقيقية، فآلاف المتظاهرين يحيطون ببلفور، ومئات آلاف العاطلين عن العمل يطلقون صرخة تنطلق من أعمال المهانة، وثمة إحساس بالإهمال وعدم الثقة في الحكومة، أما وباء كورونا فيرفض التصرف حسب قواعد بيبي إملاءاته، ويواصل التفشي بوتيرة تبعث على القلق. كل هذه الأمور تشكل مانعاً لشهية هز الدولة بحملة انتخابية أخرى. ولكن الجنون الذي يلف نتنياهو قوي بقدر لا يقل. وإن ابنه المجنون، الذي يرى في آلاف المتظاهرين فضائيين ويحرص على إشراك أبيه في نظرته هذه، وبالطبع كل الجمهور، وزوجته التي ترقص مع الكلب في ساحة بلفور.. يشوشان ذاك المقطع القصير من سلوك نتنياهو الطبيعي، ويفرضان عليه معمعاناً سينتهي بانفجار كبير في النهاية. من هو الشخص الذي نريد أن يكون في رئاسة الوزراء؟ من سينقذ إسرائيل من الفاشي ومن العائلة الهاذية الذين سيطروا على منظومة حياتنا؟
***
قد أتمكن من الإشارة إلى هذا الشخص عند حلول اليوم. لقد درج عاموس عوز، الذي نفتقد صوته الجلي والصادق في الخطاب الجماهيري والطبيعي، على التشديد بأن رئيس الوزراء التالي موجود وهو بيننا. لا نعرف هويته تماماً، ولكنه سيطل عند حلول اللحظة المقررة. يتعين عليه أن يتحدث إلى الجمهور مباشرة، وببساطة وشجاعة، ثم يقول بضعة أمور دحرت إلى هوامش مشادة الصراخات والشتائم التي تسود في الساحة اليوم.
وعليه أن يتعهد بتنفيذ خطوة مهمة للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين على أساس اتفاق على إقامة دولة فلسطينية في نحو 95 في المئة من الأرض التي نحتلها اليوم واتفاق على تبادل للأراضي، بحيث تكون إسرائيل وفلسطين إلى هذا الحد أو ذاك من حيث المساحة كما في حدود 1967. لإسرائيل القوة والقدرة والوسائل أن تضمن هذه الحدود آمنة وقابلة للدفاع حتى في وجه الإرهاب.
سيتعين على الزعيم الذي يقوم أن يعلن على الملأ، بشجاعة وتصميم، بأن مواطني إسرائيل العرب هم متساوو الحقوق، وأن قيادة إسرائيل ستضم أيضاً ممثليهم المنتخبين. أما المقاطعة على أناس مثل أيمن عودة وأحمد الطيبي فستتوقف. أما من يمتنع عن قول هذه الأمور ويظن أن بإمكانه الخروج من معادلة الانتخابات 16 – 18 نائباً، ثم يريد أن خلق أغلبية نواب ترغب في إحداث التغيير من الـ 102 – 104 المتبقين، فسوف يعيش في هذيان عابث.
يتعين على زعيم المستقبل أن يعلن بأنه سيغير ترتيب الأولويات المالية بشكل دراماتيكي، فيخصص 10 مليار شيكل أخرى على الأقل في صالح إصلاح جهاز التعليم لتحسين ثورة “أفق جديد” التي بادرت إليها الوزيرة السابقة يولي تمير. وسيتعين على زعيم المستقبل أن يتعهد بتحرير إسرائيل من الأرثوذكسية الأصولية وتبدي سماحة ومساواة تامة تجاه اليهود الإصلاحيين والمحافظين. إسرائيل جيل الزعامة القادمة ستغير قانون الهجرة بشكل يسهل وصول اليهود إلى البلاد حتى لو لم يكن تهويدهم وفقاً لمعايير ليتسمان – درعي – غيفني، ورفاقهم. سيتعين على دولة إسرائيل أن تخصص مليارات شواكل أخرى لميزانية الرفاه ورفع الحد الأدنى للأجور. مئات آلاف العائلات تعيش على أجر شهري تحت الحد الأدنى للأجور، وهذا ليس في ذروة وباء كورونا فحسب، بل عندما يبدو وكأن وضعنا الاقتصادي متين ومزدهر.
لن يكون هناك مفر من تقليص ميزانية الدفاع، التي تصل الآن إلى 80 مليار شيكل في السنة، بنحو 15 – 20 مليار شيكل على الأقل. فالميزانية الحالية مبذرة. أعرف جيداً احتياجاتنا الأمنية. لقد هزمت إسرائيل حزب الله، وضربت حماس ضربة قاضية، وصفت المفاعل النووي في سوريا، وعملت بنجاعة بقوة وبجسارة ضد التحول النووي الإيراني… وكل هذا بميزانية أقل بنحو 25 مليار شيكل من الميزانية المضخمة في السنوات الأخيرة. وحدها سياسة الفزع وخلق الهستيريا المبالغ فيها أدت إلى تضخم غير معقول للميزانية، على حساب جهاز التعليم واحتياجات الرفاه وترك جهاز الصحة لمصيره.
سيتعين على الزعامة القادمة أيضاً أن تقلص الاستثمارات المبالغ فيها في البنى التحتية الاستيطانية في الضفة الغربية. فالضفة ستكون فلسطينية، والفلسطينيون سيطورونها ويبنونها. وليس نحن.
ستعلن الحكومة المستقبلية بأنها تستثمر مليارات أخرى من الشواكل في تطوير البنى التحتية للمواصلات في النقب وفي إقامة بلدات جديدة، بما فيها البلدات التي يسكنها البدو الذين يسكنون النقب. الأرض وتنمية البنى التحتية اللأزمة لإسكان النقب ستكون كلها على حساب الميزانيات الوطنية.
***
لأسفي، فإن أياً ممن يدعون قيادة إسرائيل غير مستعد للتحدث، بكلمات صريحة لا لبس فيها، عن كل هذه المواضيع.
كل واحد يحاول أن يناور بين ما هو صحيح وما هو مجدٍ، بين الحقيقة والمسار الالتفافي؛ لأن الحقيقة قد تغضب بعض المصوتين المحتملين ممن لا يريدون أن يسمعوا كل ما ينبغي أن يقال.
ولكن معظم الجمهور يريد أن يسمع الحقيقة، بما فيها الحقيقة المؤلمة التي يصعب التسليم بها… يريد أن يعرف من المستعد لعرض أفق مستقبل مع سلام وتنازلات وانسحابات وإخلاءات – ولكن مع فرصة لحياة أخرى مع جيراننا. يريد الجمهور أن يتوقف السياسيون عن بيع أساطير عن التعليم، وأن يبدأوا في استثمار المليارات كي يضمنوا مستقبلاً لأبنائنا وأحفادنا. لقد مل الجمهور الإسرائيلي من الاستسلام المستمر أمان مطالب الزعماء الأصوليين، الذين يقبضون على كل شيء. فنحن نريد أن نعيش في دولة يسودها تسامح أكبر نحو المختلف والآخر.
أستمع بانتباه وبأذن مفتوحة للتصريحات والتعهدات ولخطاب المعارضة ولأولئك الذين يقودون الأحزاب المشاركة في الحكومة، ولا أسمع أحداً يقول ما يمكن به أو يؤمن بما يقول.
إن الزعيم الذين سيحل محل نتنياهو سيتحدث بشكل مختلف ويؤمن بالأمور التي يقولها، ولن يقول ما يريد الناس أن يسمعوه، بل ما ينبغي أن يفعله كي نخرج من الضائقة نحو مستقبل مع أمل.
بقلم: إيهود أولمرت
رئيس الوزراء السابق
معاريف 7/8/2020