كتب الأتراك العثمانيون تاريخ الشرق الأوسط لمدة ثلاثة قرون ونصف القرن من الزمان، ثم أبعدهم عن المنطقة تحالف بريطاني – فرنسي حتى منتصف القرن العشرين، ثم انتقلت قيادة الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة حتى العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.
الآن تتوق إسرائيل إلى رفع راية القيادة، وتواصل تقدمها في سباق ملء الفراغ الناشئ عن انتقال المجهود الاستراتيجي الأمريكي بعيدا عن المنطقة. الدور الجديد لإسرائيل الذي قد يمهد لما سميناه «عصر السلام الإسرائيلي» يعتبره رونالد لاودر رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، حقيقة تحدثت عن نفسها بقوة في قمة النقب، وليست مجرد «حلم طوباوي» كما أن نفتالي بينيت رئيس الوزراء يخطط لأن تتكرر «قمة النقب» دوريا في عواصم أخرى، وأن تنبثق عنها مواثيق وهياكل منظماتية على المستوى الإقليمي.
تتوق إسرائيل إلى رفع راية القيادة، وتواصل تقدمها في سباق ملء الفراغ الناشئ عن انتقال المجهود الاستراتيجي الأمريكي بعيدا عن المنطقة
وتشير قمة «سيدي بوكير» في نقب فلسطين، إلى بوادر تحول من حالة «اللا نظام الإقليمي» باتجاه عملية لتشكيل نظام إقليمي جديد بقيادة إسرائيل. وكان انعقاد القمة في المستوطنة التي أقام فيها ديفيد بن غوريون خلال حياته، ودفن فيها بعد موته، ينطوي على دلالات قوية، أولها تقديم واجب الشكر إلى المؤسس الرسمي للدولة أول رئيس لحكومتها، وإبلاغ روحه بأن حلمه بإقامة دولة قوية قد تحقق بالتحالف مع العرب، وليس مع الترك والفرس والأحباش ضدهم! التطورات التي جرت في الأسابيع الأخيرة، وتوجت بانعقاد قمة «سيدي بوكير» بقيادة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، ومشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة ومصر والإمارات والمغرب والبحرين، تؤكد قبول الدول العربية «السنية المعتدلة» بمركز إسرائيل الإقليمي، وتنحية تأثير الخلافات بسبب القضية الفلسطينية، لصالح تغليب أولوية مواجهة «التهديد الشيعي» بكل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر وفرص للأطراف المختلفة.
من دلالات الشكل إلى برنامج العمل
مع أن النخبة الإسرائيلية أبدت اهتماما كبيرا بقمة النقب، فإن آفاق ودلالات تلك القمة تتجاوز حدود المكان والزمان الذي عقدت فيه، وتنطوي على دلالات مهمة تتعلق بدور إسرائيل في السياسة الدولية، وموقع دول الخليج في السياسة الخارجية الأمريكية، وكيفية تجاوز أزمة الطاقة العالمية، خصوصا في نطاقها الأوروبي الخطير، ومكانة الشرق الأوسط عالميا، بعد أن تنتهي حرب أوكرانيا، التي دخلت من بوابة تركيا منعطفا مهما، قد يؤدي إلى تغليب المفاوضات على استمرار القتال ويقود إلى صفقة بين موسكو وكييف، أو قد تشعل الموقف في أوروبا، عبر بوابة أمريكا، وتؤدي لتوسيع نطاق الحرب خارج حدود أوكرانيا. ما يهمنا هنا، هو فهم إدراك النخبة اليهودية العالمية، والنخبة الإسرائيلية لما حدث في قمة النقب ودلالاتها. وبعد استعراض عشرات التصريحات والخطب والمقالات والدراسات واللقاءات المنشورة في إسرائيل حتى الآن، فقد وجدنا مفتاحا لفهم عناصر الإدراك اليهودي العالمي والإسرائيلي في هذا الخصوص. هذا المفتاح هو عينة تتكون من عدة مقالات وأوراق عمل، الأول والأهم هو مقال رونالد لاودر رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، الذي نشرته صحيفة «جيروساليم بوست» بتاريخ 3 إبريل/نيسان الحالي، والثاني ورقة عمل قدمها أودي ديكل مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب ضمن 8 أوراق عمل نشرها المعهد، يبحث فيها رؤى وبرامج ما بعد قمة النقب. وقد شارك في كتابة هذه الأوراق عدد من خبراء المعهد المتخصصين في العلاقات الإسرائيلية العربية، الذين شغل بعضهم مواقع مهمة في أجهزة الأمن والخارجية الإسرائيلية تتعلق بالتطبيع وعملية السلام، مثل أودي ديكل، وعوديد إيران، وشيما شاين، وعوفير وينتر وغيرهم. والثالث مقال ديفيد ماكوفسكي الخبير في العلاقات العربية الإسرائيلية، الذي يشغل حاليا مركزا مهما في معهد واشنطن، ونشره المعهد على موقعه كما نشرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» بتاريخ 28 مارس/آذار الماضي. كما أن وجهات النظر التي تم الاطلاع عليها تشمل حوارا أجرته صحيفة «جيروساليم بوست» مع مئير بن شبّات السكرتير السابق لمجلس الأمن القومي، وتصريحات وكلمات أدلى بها رئيس الوزراء نفتالي بينيت، ووزير الخارجية يائير لابيد. ومع ذلك فإن مقال رونالد لاودر رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، صاحب الدعوة إلى تشكيل حلف عسكري «سني – اسرائيلي» ومهندسها الفعلي، وورقة الجنرال (احتياط) أودي ديكل مدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، ومقال ماكوفسكي، تعتبر العمود الفقري لرؤية النخبة الإسرائيلية (من الليكود يمينا إلى العمال وميريتس يسارا).
إسرائيل الحليف الموثوق فيه
استمرارا لما قاله لاودر في مقاله الذي نشرته في أول مارس من العام الماضي صحيفتا «عرب نيوز» و «جيروساليم بوست» يعيد رئيس المؤتمر اليهودي العالمي التأكيد على أن دول الخليج العربية، أدركت، بما لا يدع مجالا للشك، أن إسرائيل هي الحليف الموثوق فيه، الذي يمكنها الاعتماد عليه بلا حدود في مواجهة إيران، التي تمثل التهديد الرئيسي لهذه الدول، بواسطة برامجها العسكرية والصاروخية، وسعيها لامتلاك سلاح نووي، ومن خلال استخدامها لوكلائها في المنطقة، خصوصا جماعة الحوثي في اليمن، لشن اعتداءات على مراكزها النفطية والعسكرية الحساسة. مقال لاودر يتهم الولايات المتحدة ضمنا بممارسة سياسة ذات طابع شبه انعزالي يحرص على تحقيق مصالحها فقط، من دون أخذ مصالح حلفائها في الاعتبار، بما في ذلك السعودية، التي تتعرض لهجمات مستمرة بالصواريخ والطائرات المسيرة. وقال لادور، إن هذه السياسة قادت الدول العربية المعتدلة للتوصل إلى يقين بأن «الحليف الوحيد الذي يمكن الوثوق به هو جارتهم الصغيرة، لكن القوية، إسرائيل». وانطلاقا من هذا اليقين فإن مجموعة من هذه الدول أقامت مع إسرائيل علاقات دبلوماسية كاملة، وعقدت معها اتفاقيات تجارية، وأعلنت مبادرات اقتصادية طموحة، وسيرت خطوط طيران لتعزيز حركة التبادل والسياحة والسفر، وتتبادل معها المعلومات الأمنية، وتسعى معها لإقامة هيكل إقليمي جديد يقبلها بلا شروط.
الدور المنتظر للسعودية
وقد لاحظ لاودر أهمية مشاركة السعودية والفلسطينيين في مرحلة ما بعد قمة النقب، لأن حضور السعودية يضيف قوة كبيرة إلى هيكل التعاون الإقليمي الشامل في المنطقة، وهو ما أكد عليه أيضا يوسي بيلين الوزير والقيادي السابق في حزب العمل، ويعتبر أنه قد تأخر كثيرا. ويرى لاودر أن مشاركة الفلسطينيين ضرورية جدا لتحييد تأثير النزاعات الفلسطينية – الإسرائيلية، وتجنب خيار «الدولة الواحدة» الذي يعتبره «كارثيا» وهو الوصف الذي يستخدمه دائما قادة الحركة الصهيونية العالمية منذ نشأتها، في ظل سعيهم لإقامة دولة يهودية نقية على أرض فلسطين. ويرى لاودر أن إقامة تحالف «إسرائيلي- أمريكي- عربي» يمثل حجر زاوية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، والمحافظة على أمن الطاقة الذي ينشده الغرب، على ضوء القلق الذي تعاني منه أوروبا منذ غزو روسيا لأوكرانيا. وتحمل سطور مقال رونالد لاودر قدرا كبيرا من التفاؤل الواثق من أن مسألة إقامة نظام إقليمي بقيادة إسرائيل في الشرق الأوسط ليست حلما طوباويا، وإنما هي الآن حقائق تتحدث عن نفسها على الأرض، وأن هذه الحقائق يمكن أن تستمر بواسطة زعماء لديهم رؤية تاريخية كتلك التي تحلى بها أنور السادات ومناحيم بيغن والملك حسين وشيمون بيريز وإسحاق رابين. وإذا كان مقال لاودر يترك انطباعا بأن إسرائيل يمكن أن تملأ وحدها الفراغ الذي تخلفه وراءها السياسة الأمريكية في المنطقة، فإن مقال ماكوفسكي وورقة ديكل، تصححان بسرعة هذا الانطباع، بالتأكيد على أن إسرائيل ليست قوة عظمى لديها القدرة على أن تحل في المنطقة بديلا عن الولايات المتحدة (ماكوفسكي) وأن مساندة الولايات المتحدة للنظام الإقليمي الجديد واستمرارها في تحمل التزاماتها تجاه دول الشرق الأوسط، ودورها في توسيع نطاق «اتفاقيات إبراهام» وتعميقها هي شروطا للنجاح، بحيث تصبح تلك الاتفاقيات إطارا شاملا للتعاون العسكري والاقتصادي والسياسي والتكنولوجي بين إسرائيل والدول العربية السنية المعتدلة، وكذلك مع تركيا (ديكل) الذي يؤكد أهمية مبادرة تأسيس التحالف الأمني للشرق الأوسط «ميسا» وهو التحالف الذي كان قد طرحه لاودر من قبل باسم «منظمة الدفاع للشرق الأوسط» كحلف عسكري ضد إيران. وأكدت أوراق العمل التي نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أن الدول العربية المعتدلة وإسرائيل تشترك معا في المصالح، وتواجه معا التهديد الإيراني، وتتطلع معا إلى المزيد من التعاون، وهو ما يضعها في صف واحد في مواجهة إيران، وكذلك في مواجهة سعي واشنطن للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. وتتفق تلك الأوراق على أن دول المنطقة لن تستطيع منع الولايات المتحدة من توقيع الاتفاق الذي سيكون ضارا بمصالح المنطقة ككل، ومن ثم فقد وجبت وحدة الموقف لمواجهة تداعياته، ومنع ايران من امتلاك سلاح نووي أو تهديد جيرانها.
كاتب مصري
شر البلية ما يضحك حقا وصدقا، نظام اقايمي جديد بقيادة دويلة إسرائيل ، هههههههه
اللهم انصر اخواننا في فلسطين واكسر اللهم شوكة المحتل اللعين إسرائيل كسرا لا جبر بعده أبدا أبدا آمين آمين آمين يارب العالمين