ما تستطيعه الشعوب قبل اليوم التالي وبعده

حجم الخط
0

ما يقوله الرئيس الأمريكي جو بايدن وأركان إدارته قبل اليوم التالي لوقف حرب الإبادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، وكذلك ما يقوله بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت هما تمهيد واختبار لما تعتزم إسرائيل الكبرى وإسرائيل الصغرى تنفيذه من ترتيبات جيوسياسية على الأرض في اليوم التالي لوقف الحرب.
متى تتوقف الحرب ؟
القرار بيد نتنياهو وليس بايدن، ذلك أن ما يحاول الرئيس الأمريكي وموفدوه إلى كيان الاحتلال إقناع رئيس حكومة العدو به هو، «تخفيف حدّة الحرب» بقتل عددٍ أقل من المدنيين، مقابل الحصول على مساحة أكبر من الأرض، كي يُصار لاحقاً إلى تنفيذ الترتيبات الجيوسياسية المتفق عليها.

سواء توقفت حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في مستقبل قريب أو بعيد، فإن طوفان الأقصى، بجميع أطرافه الفاعلة، نجح في خلق حالة جديدة نهضوية وسياسية وتضامنية

لم يكشف الطرفان الإسرائيلي والأمريكي مضمون هذه الترتيبات، ربما لأنهما لا يريدان للحرب أن تتوقف الآن، غير أن نتنياهو سبق أن أعلن خطوطها العريضة: «سحق» حماس، وإنقاذ الرهائن (الأسرى)، ومنع وجود تنظيمات للمقاومة في قطاع غزة، بالإضافة إلى أمرٍ يضمره وهو، تهجير أهالي القطاع إلى صحراء سيناء المصرية. إلى هذه المرامي الأربعة، تصرّف رئيس حكومة العدو على نحوٍ يشير إلى أن جيش الاحتلال سيبقى في القطاع «لضمان أمن اسرائيل»، وأنه يرفض ما يُسمّى حلّ الدولتين، ولا يقبل بتسليم إدارة القطاع إلى السلطة الفلسطينية (محمود عباس). فوق ذلك، يشترط وزير حربه غالانت لعودة سكان المستعمرات الإسرائيلية في الجليل، إبعاد المقاومة الإسلامية (حزب الله) عن الحدود اللبنانية – الفلسطينية إلى شمال نهر الليطاني. لأن مطامع نتنياهو بعيدة المنال وصعبة التنفيذ، بسبب المقاومة الضارية التي تمارسها حماس وحلفاؤها في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، فقد مدّد بايدن لنتنياهو أسابيع إضافية لمحاولة تحقيقها. فما هي احتمالات نجاح أو فشل هذا المجهود الأمريكي- الإسرائيلي، السياسي والعسكري، على الأرض في مواجهة أطراف المقاومة عموماً؟ صعبةٌ جداً الإجابة قبل وقف الحرب، والإحاطة بالمكاسب والخيبات لكلٍّ من الطرفين المتحاربين. لكن من الممكن الآن استشراف التحديات التي تحيق بالجانب المقاوم ـ أطراف محور المقاومة تحديداً ـ بعد توقف الحرب وشروع العدو بمحاولة تنفيذ أهدافه. أرى، أن التحديات الماثلة وسبل مواجهتها وتلبية الحاجات الناجمة عنها هي على النحو الآتي:
أولاً: بات واضحاً أن قوى المقاومة في غرب آسيا عموماً، وعالم العرب خصوصاً، تواجه عدوين متحالفين ومتكاملين هما الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، وأنه محكوم عليها مواجهة هذين العدوين معاً. قد تختلف مواجهة أحدهما تكتيكياً، أي في النهج والوسائل والتوقيت، عن الآخر، لكن لا اختلاف استراتيجي بينهما في الهدف الأساس وهو، مواجهتهما معاً لأنهما يشكّلان تهديداً وجودياً لشعوب الأمة ومصالحها ومطامحها العليا.
ثانياً: سواء توقفت حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في مستقبل قريب أو بعيد، فإن طوفان الأقصى، بجميع أطرافه الفاعلة، نجح في خلق حالة جديدة نهضوية وسياسية وتضامنية على مستوى المشرق العربي وغرب آسيا، كما على مستوى العالم برمته. يمكن تسمية الحالة الجديدة «زمن الشعوب المنتفضة» دفاعاً عن حقوق الإنسان عموماً والحق في الحرية والعدالة وتقرير المصير خصوصاً، ذلك أن من شأن هذه الظاهرة العالمية المتصاعدة الإسهام في إجراء تغيير راديكالي في النظام الإقليمي الراهن، بل في النظام العالمي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945 الواقع إلى حدٍ بعيد، تحت هيمنة الولايات المتحدة.
ثالثاً: صحيح أن انتفاضة الشعوب في شتى أنحاء العالم، لاسيما في دول الغرب الأطلسي ضد الحرب الوحشية والعنصرية على الشعب الفلسطيني، كانت عارمة وشاملة، إلاّ أن شموليتها وحرارتها الاحتجاجية كانت أدنى وأَضيق في عالم العرب، الأمر الذي يستوجب مبادرة القوى الوطنية والتقدمية بلا إبطاء إلى درس وتحليل تحديات الصراع في الحاضر والمستقبل، بغية اجتراح تنظيم أو حركة على مستوى القارة العربية برمتها، لتحديد التحديات التي تواجه شعوب الأمة ورسم نهج ووسائل وأدوات مواجهتها، كما التنسيق بين مختلف القوى والتنظيمات العاملة محلياً في هذا السياق.
رابعاً: لا شك في أن إنجاز الأقلية المقاوِمة المبدعة في طوفان الأقصى قد هزّ وحرّك أكثرية شعوب الأمة الراكدة وأشعل فيها شرارة اندفاعٍ غير مسبوق في تاريخها المعاصر وإن كان دون طموح قادة العمل الشعبي الطليعي ومتطلبات النهوض إلى تحقيق الأهداف العليا في الوحدة، أو الاتحاد والحرية والعدالة وحكم القانون، والتنمية والإبداع الحضاري. مع ذلك، يمكن الترسمل على ما تحقّق حتى الآن من نهوض شعبي بغية تعميقه والتأسيس عليه، لبناء إطار أو مؤتمر عربي جامع تنضوي فيه القوى الوطنية والتقدمية الحيّة والناشطة في شتى بلاد العرب، ليقوم من خلال قيادته القومية ولجانه وخلاياه القطرية بتنفيذ الأهداف والمهام والأعمال الضرورية في النطاق المحلي، أو على المستوى القومي العام.
خامساً: إن مؤتمراً عربياً جامعاً يقود نضالاً طويل النَفَس ومنتجاً في شتى ميادين الحياة العامة، ومقاومةً مدنية ناشطة رديفة للمقاومة الميدانية، جديرٌ بأن تكون له أهداف للمدى القصير والمتوسط وأخرى للمدى البعيد على النحو الآتي:
*إلغاء أو تعطيل معاهدات الصلح والتطبيع مع العدو الصهيوني.
*تصويبُ نضالات شعوب الأمة بتركيزها على مناهضة سياسات إسرائيل الكبرى وإسرائيل الصغرى معاً، لكونهما عدواً واحداً يتناوبان الاعتداء عليها حسبما تقتضيه المصالح السياسية والاقتصادية.
*بناءُ مضمون جديد للعروبة بما هي هوية وثقافة أعلى من الروابط والعصبيات القطرية والمناطقية السائدة راهناً، قوامها اللغة والمعتقدات والقواسم والمصالح المشتركة والتضامن في مواجهة الأعداء الخارجيين، والأزمات الداخلية المعوّقة لأمن الوطن والأمان الاجتماعي والسلام.
* تركيزُ النضال من أجل تحرير فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، وعودة شعبها المشرّد إليها وترفيعه من مستوى قضية العرب الأولى إلى مستوى القضية المركزية لعالم العرب وعالم الإسلام، وصولاً إلى جعلها أيضاً اولى القضايا الإنسانية في العالم المعاصر.
* تفعيلُ الزخم والجدّية لتنفيذ قرار مقاطعة المنتجات المصنّعة في الدول المعادية للعرب، والمتحالفة مع الكيان الصهيوني العدواني، وجعل قيادها بأيدي الشعوب وليس الحكومات المتحالفة، أو المتهادنة مع العدو، أو المقصّرة في تنفيذ موجباتها الوطنية والقومية والإنسانية.
* تعزيزُ الضغوط السياسية والشعبية لحمل الدول العربية التي تمتلك فوائض مالية كبرى إلى توظيفها في دول عربية بحاجة إلى التنمية والإعمار، أو في دول صديقة غير معترفة بالكيان الصهيوني أو متعاونة معه.
* الدعوةُ إلى عقد مؤتمر عالمي في الجزائر للقوى والهيئات والحركات المعادية للاستعمار والهيمنة الأجنبية، السياسية والاقتصادية، والناشطة من أجل حقوق الإنسان وحق تقرير المصير، يكون في صدارة جدول أعماله إعادة تكريس الصهيونية حركةً عنصرية نازية معادية لحقوق الإنسان والحرية وتقرير المصير.
* التواصلُ مع حركات التحرير الوطني وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية من اجل تحقيق الأهداف المشتركة.
هذا أٌقل ما يمكن اعتماده من أهداف ومهام والنهوض بها بعد فجر طوفان الأقصى.
كاتب لبناني
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية