ما مستقبل الامة العربية بعد الصراع الطائفي؟

حجم الخط
0

هذه النعرة الطائفية، السنية الشيعية كانت مدفونة منذ امد بعيد، فمن الذي بعث فيها الروح؟ ولماذا الان؟ هل وقع الفريقان في الشرك الذي نصب لهما ؟ ام دخلا اليه بكامل الارادة مدفوعين باحقاد تاريخية وعقائدية لم يستيطعا ان يتجاهلاها؟ علامات الاستفهام تتوالد بكثرة، تتيه بحثا عن اجابات منطقية بعيدا عن العواطف الجياشة التي تعطل الادراك، بل تشله.
غير بعيد، عندما نجحت الثورة الايرانية (1979) في الاطاحة بنظام الشاه القريب (جدا) من امريكا، رحبت الجماهير العربية بهذا التغيير الجذري في المنطقة واعتبره الكثيرون ايجابيا. حتى عندما اندلعت الحرب الايرانية العراقية (1988-1980) لم توصف بانها حرب سنية شيعية، كان المصطلح الاكثر انتشارا وقتها انها حرب عربية فارسية (في الاعلام القومي العربي)، اي انها كانت صراعا قوميا وليس طائفيا.
نشأ حزب الله بعد الاجتياح الاسرائيلي لبيروت (1982) واخذ على عاتقه مقارعة اسرائيل حتى تم الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان في مايو 2000، بعدها اندلعت الحرب الاسرائيلية على لبنان في 2006، كل هذا بدا متجانسا مع مباديء الثورة الايرانية المعلنة وادبيات حزب الله العسكرية المعلنة. حتى الى تلك الايام لم تطفوا على السطح الشعارات السنية والشيعية. حصل ايضا تقارب سني شيعي على مستوى المرجعيات، على قاعدة الالتقاء عند القواسم المشتركة، وبدا الامر منطقيا.
تدريجيا بدأت مفردات جديدة تاخذ طريقها للانتشار مثل المد الشيعي، والتشييع، والهلال الشيعي، والخطر الشيعي على امن الخليج، والخطر النووي الايراني، وكانه اريد لهذه الامة ان تبدأ صراعا جديدا في المنطقة، سنيا شيعيا، بدلا من عربيا (او اسلاميا) اسرائيليا. وانساق الجانبان بسهولة فائقة الى الحملات الاعلامية، وصدقوها. الحروب هكذا تبدا اعلاميا، وما تلبث ان تندلع شرارتها الحقيقية وينتشر هشيمها بعد ان تهيأت لها الاسباب والمبررات.
اندلعت الثورة السورية، وبدلا من ان تنتصر كثورة على الاستبداد والقهر والكبت والطغيان كمثيلاتها في تونس وليبيا ومصر (واليمن مجازا)، تدخلت ايران بكل ثقلها ماديا الى جانب النظام الآيل للسقوط، ثم تدخل حزب الله عسكريا وبطريقة مباشرة لدعم النظام تحت مسميات المقاومة والممانعة وحماية المقدسات. الخطاب الاعلامي تطور مع الحدث فظهرت الان المفردات التاريخية مثل العثمانية والصفوية والاموية، واستحضر علي والحسين (رضي الله عنهما) وكان المعركة الان هي الجمل وصفين وليست معارك القصير وريف دمشق.
يخطىء الشيعة حين يعتقدون ان السنة قتلوا الحسين، فهل يعقل ان يسمى مسلما من يقتل حفيد الرسول ويحمل راسه الشريف في استعراض بشع من الكوفة الى دمشق؟ ويخطئون حين يسبون ويلعنون الصحابة مثل ابي بكر وعمر (في الماضي) وقد تنبه الى مثل هذا الغلو الامام المرحوم محمد حسين فضل الله عندما حرم هذا. يبدو ان ترسبات الماضي السحيق لم تمت. مقاتلو حزب الله المشحونون يدكون القصير بالصواريخ وهم يهتفون يا حسين. الغالبية العظمى من المقاتلين السوريون معتدلون الا ان احدا لا ينكر ان هناك تنظيمات تكفيرية (قريبة من القاعدة) تكفر الشيعة وتحض على قتلهم، ولكنها تكفر السنة ايضا ان خالفوهم الراي في معتقداتهم المتطرفة.
كيف اخطات ايران وحزب الله ( والمالكي ) حساباتهم واصطفوا الى جانب النظام السوري المستبد ضد الشعب السوري الثائر؟ هل ببساطة وقعوا في الفخ الامريكي الذي اراد ان يحرمهم من التعاطف العربي الشعبي الواسع مقابل الحملات الامريكية والاسرائيلية؟ اما انها فعلا طائفية ولا نريد ان نصدق ان الفاجعة حدثت فعلا.
اذا كانت نوايا ايران وحزب الله طائفية بحتة بامتياز، فلماذا يتسترون خلف الشعارات الرنانة مثل المقاومة والممانعة ويعلنونها صراحة انها حرب سنية شيعية؟ المتيقنون من الامر سيقولون انها التقية، اي ان عقيدتهم تحتم عليهم ان يعلنوا عكس ما في صدورهم. او ان يقولوا ما لا يفعلون. السؤال الكبير هو لمصلحة من هذه الطائفية العفنة؟ اظن ان الكل يعرف الاجابة على هذا السؤال الساذج.
لا شك ان تدخل حزب الله العسكري المباشر سيطيل من عمر النظام (الى حين) وهذا سيزيد من حجم الدمار والقتل في سوري ولكن الثورة ستستمر، وقد تمتد شرارات النار الطائفية الى العراق (غير المستقر اصلا) ولبنان (المبني اصلا على نظام طائفي ببركة فرنسا) واليمن والبحرين والمنطقة الشرقية في السعودية. يبدوا ان تركيا قد تداركت الامر وتصالحت مع الاكراد ( قبل فوات الاوان ) قبل ان تتدخل ايران لبث الفوضى هناك لان تركيا تقف ضد النظام السوري.
اخشى ما نخشاه الان ان يطول القتال في سورية فتاريخ المنطقة يقول ان الحروب السابقة والتدخلات الدولية والاقليمية تجعل هذه الحروب طويلة الامد، مدمرة، وليس فيها منتصر. الشواهد على هذا : الحرب الايرانية العراقية (8 سنوات ) والحرب الامريكية في العراق (9 سنوات ) وقبلها الحرب الاهلية اللبنانية (16 سنة ) ويا ليت التاريخ لا يعيد نفسه، وما تسليح روسيا للاسد الا محاولات، تصب في نفس الاتجاه، لاطالة امد هذه الحرب. لقد بدأت في اذار /مارس 2011، وقد دخلت سنتها الثالثة، ويا ليت الثورة السورية تنتصر، فقد يعي حزب الله الدرس ويدرك انه فقد البوصلة واتجه شرقا الى حمص، خطأ، بدلا من ان يتجه جنوبا، الى حيفا وما بعد حيفا، كما وعد

‘ كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية