في البداية نشارك الشعب اللبناني الشقيق آلمه ومصيبته الكبرى التي حلت به يوم الثلاثاء الماضي، وراح ضحيتها مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين، ونشاطره الأحزان في هذه المحنة شديدة الوطأة. وانفجار ميناء بيروت المروع، والدمار الذي حاق به غير مسبوق على مر التاريخ، ونجم ذلك عن تخزين أطنان من نترات الأمونيوم؛ تزن 2750 طنا؛ كانت مودعة بمخازن الميناء منذ ست سنوات؛ وأجمعت مصادر على أن التخزين تم دون اتخاذ الإجراءات اللازمة للسلامة المطلوبة لهذه المواد القابلة للانفجار والاشتعال، وما يترتب عليها من تدمير وضحايا.
وعن المادة نفسها، فنترات الأمونيوم هي مادة كيميائية صناعية؛ تستخدم في صناعة الأسمدة، وتفجير المحاجر والمناجم، وكانت محط أنظار عصابات وجماعات مسلحة، وجعلت منها الجماعات الإرهابية عنصرا أساسيا في صناعة العبوات الناسفة، نظرا لوفرتها في الأسواق، وتزداد خطورتها إذا طالها تلوث، أو اختلطت بمواد نفطية، أو في حالة تخزين غير آمن، أو التعرض لحرارة شديدة، وهذه أسباب حدوث انفجارات دامية ومميتة، كالذي حدث لبيروت.
وفي تصريح لـ«رونالد إلفورد» مدير عام شركة «إلفورد تكنولوجيز»؛ البريطانية المتخصصة في التعامل مع المتفجرات والمواد سريعة الاشتعال؛ في تصريحه لوكالة «رويترز» وصف الانفجار بأنه «يصنف بأقل من قنبلة نووية، وأقوى من قنبلة تقليدية. وقد يكون من بين أكبر الانفجارات غير النووية على مر التاريخ»، حسب قوله. هذا بينما وصف ستيوارت ووكر من كلية الكيمياء الجنائية والبيئية والتحليلية في جامعة فلندرز الاسترالية؛ وصف «اللقطات المصورة للحادث إنها تبدأ بدخان أبيض ورمادي؛ تلاه انفجار أطلق سحابة ضخمة من دخان أحمر يميل للون البني، وسحابة بيضاء كبيرة، وقال هذا يشير إلى أن الغازات المنبعثة عبارة عن أبخرة نترات أمونيوم بيضاء وأكسيد نيتريك أحمر وبني سام وماء»، وأضاف: «لو صنعت متفجرات من نترات الأمونيوم، فلا يجب أن تظهر معها سحابة بنية اللون، وظهورها يعني أن معدل الأوكسجين غير سليم، وبالتالي لم يتم خلطه كمواد متفجرة، وعليه فانفجار بيروت يبدو حادثا لم يكن متعمدا».
هذا في الوقت الذي استغرب فيه «أندريا سيلا» أستاذ الكيمياء غير العضوية في جامعة كاليفورنيا الأمريكية؛ استغرب من فكرة ترك تلك الكمية الضخمة لمدة ست سنوات -يصعب تصديقها- دون مراقبة، وكانت قنبلة موقوتة. وسبق خلط نترات الأمونيوم، بمواد أخرى لصنع قنابل وعبوات ناسفة؛ استخدمها «الجيش الجمهوري الإيرلندي» في تفجيرات لندن في تسعينيات القرن الماضي، واستهداف مبنى اتحاديا في أوكلاهوما سيتي بالولايات المتحدة عام 1995، وأدى إلى مقتل 168 شخصا، وفي تفجيرات نوادي «بالي» الليلية الإندونيسية عام 2002، وراح ضحيتها أكثر من مئتي شخص، وتحتوي كثير من القنابل البدائية، أو يدوية الصنع التي تُستخدَم ضد القوات الأمريكية في أفغانستان على نترات الأمونيوم.، حسب ما بثت وكالة رويترز في 05/ 08/ 2020.
وأعلن مجلس الدفاع الأعلى في لبنان بيروت عاصمة منكوبة، وأعلنت الحكومة اللبنانية حالة الطوارئ فور حدوث الانفجار. وخلصت وكالة «رويترز» إلى التحقيقات الأولية التي أشارت إلى أن سبب الانفجار يعود إلى إهمال جسيم مستمر لسنوات، وبثت الوكالة تصريح لمصدر مسؤول عن سبب الحادث المأساوي يكمن في التراخي والإهمال الناجم عن تخزين شحنة ضخمة من مادة كهذه شديدة الانفجار في مستودع بميناء بيروت، واستعرض المصدر الإجراءات الخاصة بسلامة التخزين، وذكر بأنها عُرِضت على عدة لجان وقضاة، لكنهم لم يتخذوا أي خطوة لنقل تلك المواد من الميناء أو التخلص منها، وقال إن سبب الحادث المأساوي: «هو إهمال»، وبدأ الانفجار بحريق نشب في مستودع رقم 09، وامتد إلى مستودع رقم 12؛ حيث كانت شحنة نترات الأمونيوم مُخَزّنة فيه.
ونوه مصدر آخر إلى أن فريقا من الخبراء عاين شحنة نترات الأمونيوم قبل ستة أشهر، وحذر من أنه إذا لم يتم نقلها من الموقع «ستفجر بيروت كلها»، وفي تصريح صحافي لبدري ضاهر مدير عام الجمارك اللبنانية يوم الأربعاء الماضي (05/ 08/ 2020) بأن الجمارك قدمت 6 وثائق إلى السلطة القضائية حذرت فيها من خطورة المادة، وطلبت إعادة تصديرها، وذلك لم يحدث، وذكرت «رويترز» أنها اطَّلعت على وثيقتين أكدتا طلب الجمارك من السلطة القضائية عامي 2016 و2017 إلزام «المؤسسات البحرية المعنية» بإعادة تصدير الشحنة أو الموافقة على بيعها لضمان سلامة الميناء. وأكدت إحدى الوثيقتين تقديم الجمارك طلبات مشابهة في عامي 2014 و2015(!!).
دلائل تشير بأصابع الاتهام إلى الإهمال وعدم الاكتراث سواء من السلطات أو من ملاك السفينة، وانتهى الوضع إلى فجيعة، حصدت مئات الأرواح وخلفت آلاف المصابين، وحرقت الممتلكات ودمرت الأصول الخاصة والعامة
ومن أين جاءت الشحنة المميتة؟ الشحنة مصادرة من سفينة روسَز (Rhosus)، وترفع علم مولدوفا، وأبحرت من ميناء باتومي في جورجيا في 23 سبتمبر 2013؛ في طريقها إلى موزمبيق، وعرّجت على بيروت، حيث خضعت لفحص فني من قبل سلطات المرفأ، وتردد أن الخبراء اكتشفوا عيوبا كبيرة بها وقرروا منعها من مواصلة رحلتها، وسُمِح لمعظم طاقمها بالعودة إلى بلدانهم، وأُجبِر القبطان و3 من أفراد الطاقم على البقاء على متنها، ولم يتسن حل مشكلة السفينة بعد فشل كل محاولات الاتصال بمالكها. ومنعتها السلطات اللبنانية بعد التفتيش (في سبتمبر 2013) من مغادرة الميناء، ونوه موقع «شيب أريستيد. كوم»، وهو شبكة مختصة بالدعاوى القانونية في قطاع الشحن؛ نوه إلى أن سلطات الميناء قامت بنقل الشحنة إلى مستودعات المرفأ، تجنبا لمخاطر إبقائها على متن السفينة.
دلائل تشير بأصابع الاتهام إلى الإهمال وعدم الاكتراث سواء من السلطات أو من ملاك السفينة، وانتهى الوضع إلى فجيعة، حصدت مئات الأرواح وخلفت آلاف المصابين، وحرقت الممتلكات ودمرت الأصول الخاصة والعامة!! وزادت لوائح الهجرة من تعقيد الوضع، ومنعت أفراد طاقم السفينة من الدخول إلى البلاد، وعدم تزويد السفينة بالإمدادات والمؤن، بشكل حوَّل الوضع على متن السفينة إلى «قضية إنسانية»، وفشلت الجهود الدبلوماسية في حلها، وفي نهاية المطاف، اتصل أفراد الطاقم المتبقين بقانونيين متخصصين، دفعوا بأن حياة البحارة مهددة بعد أن تقطعت بهم السبل، علاوة على طبيعة شحنة السفينة الخطرة، وتلك المحاولة كُلِّلت بالنجاح وأصدر القاضي أمرا عاجلا مكن البحارة من مغادرة بيروت.
واستمر صمت مالك السفينة، ووُضِعت مسؤولية الشحنة شديدة الانفجار على عاتق سلطات ميناء بيروت، والواضح أن إشكاليات قانونية حالت دون بيع شحنة نترات الأمونيوم في المزاد العلني، وقد كانت السبيل الوحيد للتخلص من تبعاتها الخطرة. وهكذا، جرى وفق هذه الرواية، نقل أطنان هذه المادة القابلة للانفجار، في فترة ما بين يوليو 2014 وأكتوبر 2015 إلى مستودع بمرفأ بيروت، وبقيت فيه إلى وقوع المحظور.
وهل الوثوق من هذه الروايات ممكن؟، أم إنها لزوم ما يلزم للتعتيم على عمل شيطاني حيك بدهاء ضد لبنان؟ وحتى لو كانت الكارثة قد وقعت بفعل الإهمال، فمن وراء ذلك الإهمال المستمر لسنوات؟، وماذا عن عدم اكتراث ملاك السفينة؟ هل يمكن أن يكون بلا معنى؟ والمهم أن الكارثة وقعت وأصابت زينة المدائن العربية، وكانت مستعصية.. وكل من ضاقت السبل من المثقفين والمفكرين والسياسيين والفنانين، كانت زينة المدائن تفرد لهم أشرعتها؛ مُرحبة ومُبتسة؛ في شجاعة لا يعرفها إلا من خبرها وذاق حلاوتها، فاستحقت جدارة حَمْل لواء الصمود، وتحملت القبض على جمر الكرامة، فلم تفقد بوصلتها في أصعب الأوقات والمحن، وفي سباق الإنسحاب من المعارك المصيرية والضرورية.
وستنهض بيروت، وتعود كما كانت مرحبة ومبتسمة وشجاعة، فهي في كل الظروف رمز للحياة، والموت فيها رغم فداحته مجرد عابر يمر عليها بين حين وآخر.
٭ كاتب من مصر
هناك سؤال آخر: مالذي جري لأم الدنيا؟ كيف صار النيل حبشيا؟ كيف صارت تيران وصنافير صهيوعودية؟ كيف صار غاز المتوسط يوناينا؟ كيف ارتفعت الأسعار وفواتير المياه والكهرباء والبو تاجاز؟ كيف يصرخ سكان زينة المدائن ويطالبون بعودة الاستعمار الفرنسي الصليبي بعد فشل الحرامية الكبار الصغار في تهدئة الأوضاع؟ الحرامية الكبار والصغارفي مصر يعبدون البيادة من دون الله، ويرفضون الديمقراطية مايدة للإسلاموالمسلمين. ارحل أيها الحزن الطويل!
شكرًا جزيلًا أخي محمد عبد الحكيم دياب. هناك مسؤولية مباشرة مازالت غير واضحة ولكن هناك مسؤولية غير مباشرة وأقصد هذا النظام الفاسد في لبنان وهو أمر واضح للجميع. السؤال لماذا لايتحمل هؤلاء مسؤوليتهم ويعلنوا إنتهائهم وفتح الطريق لتنهض بيروت زينة المدائن ولبنان من جديد! نتمنى ذلك على جميع الأحوال.