لعلها أسوأ مرحلة يمر فيها تنظيم “الدولة” منذ مقتل البغدادي الأول، أبو عمر عام 2010. يقول من عمل في التنظيم يوما، إن عدد عناصره حينها، انخفض إلى 25 فقط في بغداد و120 في نينوى.
صحيح أن التنظيم استعاد قوته وتماسكه بعد فترة قضاها في الصحراء الغربية للعراق، وفي مناطق نائية وسط أودية حوران عامي 2009 و2010 لحين انبعاثه مجددا بالتزامن مع قمع الحراك السني عام 2013 وسيطرته على الفلوجة ثم الموصل 2014 لكن الهزيمة التي تعرض لها اليوم، قاسية ومدمرة، أكثر من أي وقت مضى. فقد تفتت هيكله التنظيمي وقتل أغلب قياداته التاريخية، ابتداء من الببلاوي إلى نائبي البغدادي أبو معتز القرشي وأبو علاء العفري (الأنباري) وصولا للعدناني والبغدادي، والعشرات من ولاة المناطق، ولم يتبق تقريبا أي قيادي معروف من المرحلة السابقة، لدرجة أن الخليفة الجديد القرشي يعد مجهولا بالنسبة للكثيرين حتى الآن، ويعتقد في بعض الأوساط أن أبو ابراهيم القرشي هو نفسه الحاج عبد الله القرشي، وهو قيادي من تركمان تلعفر في محافظة نينوى وسبق أن عاش في الموصل لسنوات.
في الحقيقة، لم ولن يؤثر غياب البغدادي على التنظيم سوى معنويا، فهو فقد عددا من قياداته الرئيسية التي كانت تملك ربما أهمية تنظيمية وعسكرية أكبر من البغدادي عمليا، كما أن التنظيم يعمل منذ سنوات ضمن إدارات تستند إلى قوى اجتماعية محلية توفر له دعما في كل منطقة، لذلك فمقتل البغدادي لن يؤثر فعليا سوى على الجانب المعنوي، وحتى لو بقي حيا، فانه لم يكن قادرا على إخراج التنظيم من حالته المرتبكة المتداعية مؤخرا.
فالوجود العسكري للتنظيم بقي محصورا في ثلاثة جيوب رئيسية، جبال حمرين وما حولها من قرى بين بيجي وكركوك، وصحراء الأنبار قرب الرطبة حيث أودية حوران، والبادية الشامية شرق تدمر والسخنة، ويبدو الجيب الأخير الأقوى والأنشط وهو يستفيد من الاشتباك الحاصل في سوريا وفوضى التنازع القائم بين “قسد” والقوات التابعة لحكومة دمشق وميليشياتها والأتراك، بحيث تركز قوات النظام الآن على الانتشار في مناطق الأكراد شمالا وتتفرغ عسكريا لمعركة إدلب. أما “قسد” فلم تعد معنية بقتال التنظيم بعد الهجوم التركي، لذلك يبدو وجود التنظيم في الصحراء الشرقية لسوريا، في مأمن مرحليا، وبعيدا عن أي هجوم كبير قريب لاستئصاله.
لكن الوجود الأقوى للتنظيم يبقى في خلايا نائمة لعناصر سابقين في بعض المجتمعات المحلية في سوريا والعراق، من من تركوا التنظيم وذابوا في عشائرهم أو عائلاتهم، أو من الذين يؤمنون بفكر التنظيم وطروحاته، خصوصا مع فشل الكثير من القوى الفصائلية والسياسية السنية في العراق وسوريا، ففي قرى الموصل الريفية، وبعض البلدات في الأنبار وفي قرى دير الزور والرقة، وغيرها من مناطق السنة في العراق وسوريا، يتواجد الآلاف من المؤيدين للتنظيم، لكن من دون نشاط تنظيمي أو عسكري، منهم من أنجز تسوية بمساعدة عشيرته، ومنهم من حظي بحماية من قوى الأمر الواقع الجديد، بحكم صلاته العشائرية أو العائلية.
وتنشط هذه العناصر في بعض الأحيان، بل وتنفذ عمليات عسكرية كلما سمحت القبضة الأمنية. فمنذ عامين، تشهد قرى دير الزور، عشرات العمليات شهريا، ضد قوات “قسد” ويكفي أن نذكر بشخص واحد يدعى “أبو فروة” نفذ وحده عشرات العمليات ضد قوات “قسد” التي تتنقل في شوارع وقرى دير الزور، مخبئا بندقيته في معطفه الشتوي “فروته” ومتنقلا بدراجته النارية لتنفيذ عملياته، حتى تم قتله مؤخرا. أما “دواسين الظلمة” فهم خلايا أخرى تنشط ليلا وتنفذ اغتيالات ضد عناصر عربية متعاونة مع “قسد”.
ولكن، ما دامت السيطرة الأمنية، للقوى المهيمنة في العراق وسوريا قائمة، فلا يتوقع أن يمثل التنظيم خطرا حقيقيا في المستقبل القريب، وأقصى ما يمكن له فعله، هو تنفيذ هجمات خاطفة على مواقع عسكرية نائية، وعمليات اغتيال، لكن من المستبعد ان يتمكن من السيطرة على مدن مركزية أو مواقع استراتيجية في العراق أو في سوريا.