عمان ـ «القدس العربي»: التشدد أردنياً تجاه حركة «حماس» وأحياناً تجاه تعبيراتها وحواضنها الحزبية والإسلامية محلياً هو سلاح ذو حدين، أو لعبة محفوفة ببعض المخاطر إذا ما استرسلت فيها الحكومة على حساب جوهر موقف ومشاعر واتجاهات الشعب الأردني الذي لا يرى الآن إلا عدواً واحداً ووحيداً مستقبلاً، هو إسرائيل.
يميل السياسيون بالجملة إلى قراءة بعض التشدد الذي ظهر في الموقف الرسمي الأردني مؤخراً تجاه التواصل وما بعد ذلك مع «حماس» وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية، باعتباره خطوة لصالح استراتيجية النزول عن الشجرة مع الحلفاء والأصدقاء وبعدما توصلت المؤسسة الأردنية بقناعة لاتجاهين:
الاتجاه الأول يتمثل في الخلاصة التي تقول إن الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن، تغلق الباب تماماً أمام أي مقترحات أردنية أو غير أردنية تحت عنوان إعادة إدماج وتأهيل حركة «حماس» ضمن برنامج سياسي، فيما مجسات عمان تقول إن أي مرونة يظهرها الأردن تجاه التعاطي مع فصائل المقاومة الفلسطينية إذا ما غادر الرئيس بايدن وجلس في مقعده دونالد ترامب ستؤدي إلى استهدافات وعقوبات للأردن في محطة ترامب بعد دوره النشط جداً في الاشتباك مع العدوان الإسرائيلي.
الاتجاه الثاني هو ذلك الذي يقترح بأن مناورات الاشتباك ضد اليمين الإسرائيلي حققت أهدافها وأغراضها ضمن أولويات هضم واستيعاب تأثير 7 أكتوبر وما بعدها على الداخل الأردني. وهو الأمر الذي تطلب التصعيد الدبلوماسي، بمعنى صعود «برغبة» على الشجرة، فيما بدأت الآن مرحلة النزول عن تلك الشجرة، بمعنى العودة لمنح المصالح الأردنية المباشرة مع الأمريكيين حصراً ثم الفضاء الأوروبي المعادي أيضاً لـ«حماس» الأولوية الأساسية ضمن مبادرات التوازن التي اقترحها بحضور «القدس العربي» مرتين على الأقل وزير الخارجية أيمن الصفدي.
جبهتان في غاية الأهمية
جبهتان في غاية الأهمية للمصالح الأردنية تنشطان الآن لصالح استراتيجية إخراج حركة «حماس» من المعادلة والمشهد، كثمن يمثل الحد الأدنى لوقف الحرب، وهما الولايات المتحدة وتوابعها الغربية، والأهم الجوار العربي المتمثل بعدة دول صديقة وشريكة للأردن، بينها لا بل أبرزها مصر والإمارات.
المعنى هنا أن عمان حتى وإن تبنت مقولة استحالة تقويض «حماس» وهزيمتها بالحل العسكري، لا تستطيع إظهار أي تسهيلات أو مرونة في مسألة «حماس» والمقاومة الفلسطينية مادام جداران حليفان، أمريكي وعربي، منخرطين حتى مع السلطة الفلسطينية وأجهزتها في ثورة مضادة وناعمة، وسرية أيضاً أحياناً؛ لحرمان حركة «حماس» من مكاسب حسم المعركة أو حتى مكاسب الصمود. انتبه رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية مبكراً لهذا السياق عندما حاول تذكير الحكومات العربية رداً على استفسار مباشر من» القدس العربي» بأنه من الظلم الشديد مساندة وجهة النظر المعنية بإقصاء «حماس» عن المشهد.
ورغم مشاعر الخذلان التي شعر بها هنية مبكراً في السياق، فإنه أعرب عن أمله في أن تستدرك الدول العربية وتوقف حالة تعذيب الشعب الفلسطيني، فيما رأى قياديون آخرون في حركة «حماس» التقتهم «القدس العربي» عدة مرات، وكان آخرها الأسبوع الماضي، أن الجبهة العالمية التي نشطت لتقويض «حماس» والقضاء على المقاومة أخفقت ولن تنجح، لا هي ولا غيرها، بإخراج مقاومة الشعب الفلسطيني من المعادلة.
الانطباع لدى القيادي الدكتور موسى أبو مرزوق حصراً هو أن الجهد العربي والأمريكي لاستهداف المقاومة الفلسطينية جذره وأصله هو الحرب مع الكيان الإسرائيلي، وبالتالي من يصمد في مواجهة الجريمة الأمريكية الإسرائيلية سيجلس حتماً على الطاولة وسيضطر الآخرون للتعامل معه.
وفي العودة لتدوير الزوايا أردنياً، يمكن ملاحظة أن استرسال عمان في مجاملة سيناريو «غزة بلا حماس» في عرف السياسيين المحليين محطة ضرورية وملحة ليس فقط للحفاظ على توازنات المصالح والشراكات الأردنية، ولكن تجنباً للشر الأعظم الذي قد يحضر بقوة إذا ما عاد ترامب إلى الواجهة في واشنطن.
لكن في الأثناء، يمكن تلمس حرص المجسات الأردنية على الالتزام بالتوازنات دون فتح مواجهة مباشرة مع المقاومة الفلسطينية، فقد تكفل بعض المغامرين الطامحين بشيطنة المقاومة والحراك الشعبي المناصر لها في الأردن، فيما الاسترسال في مجاملة المعسكر الداعي لإقصاء «حماس» من المشهد قد يعني لاحقاً في أبرز تجلياته إشكالية أو مواجهة مع حاصل مجموع القوى الشعبية الأردنية، حيث غطاء لا ريب فيه يساند المقاومة بقدرات استثنائية، وحيث جدار شعبي في عمق المجتمع لا يمكن اختراقه، ومحاولة الاختراق مكلفة للغاية.
الورقة الرابحة
الحل الأمثل ـ في رأي سياسيين أردنيين كثر، من بينهم رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب ـ هو إعادة إنتاج القراءة والتنويع والحرص على أن تشكل سياسة «النأي بالنفس» عن سياسة استهداف وإقصاء المقاومة الفلسطينية، الورقة الرابحة للدبلوماسية الأردنية.
قوانين الفيزياء السياسية برأي الدكتور أنور الخفش، واضحة وحادة الملامح. وبوصلة مصالح الأردن مرحلياً تقول بوضوح إن الكفة التي ينبغي أن ترجح هي الطرف الذي كسب استراتيجياً المعركة، وهو المقاومة، مع التذكير بأن ذلك مفيد للمؤسسة مع شعبها، وبأن يمين إسرائيل أثبت أنه كان ولا يزال وسيبقى العدو الجوهري والوحيد للشعب الأردني حتى وإن رأت المؤسسات الرسمية خلاف ذلك تحت وطأة فلسفة التكيف والرهان على الأمريكيين. في مقاربة سمعتها «القدس العربي» من السياسي الأردني الخبير طاهر المصري، تفهم مباشر لجدوى وإنتاجية الحرص على معادلة تسييل المصالح وإعادة قراءة التطلعات بصيغة لا تدفع بمصالح الدولة في النهاية إلى البقاء فوق الشجرة، وتسمح في إطار تكتيكي بين الحين والآخر بخطوات غير مجازفة من الطبيعي ألا تعجب الشارع دون إسقاط الاعتبار القائل بأن المقاومة طرف ولاعب أساسي، بل إنه لا طاولة أصلاً بدون المقاومة بعد الآن.