«مبارك إخوان»… عندما قطعوا الإرسال على المخلوع!

حجم الخط
7

لولا «الملامة»، لقالوا إن الرئيس المصري المخلوع مبارك، إخوان!
و«الملامة»، من اللائمة، ولا أظنها تحتاج إلى شرح أو تعريب، فقد غنت المطربة وردة قديماً، «لولا الملامة يا هوى..»، وغنتها «إليسا» حديثاً، على نحو كاشف بأن «الملامة» معروفة، لدعى عموم العرب، وليست مفردة عامية مصرية فقط!
بعيداً عن مهرجان لطم الخدود، وشق الجيوب، على مواقع التواصل الاجتماعي، ممن أرق ضميرهم الثوري أن يذهب مبارك إلى المحكمة على رجليه شاهداً، بعد أن كانت الثورة قد حولته إلى متهم، فإن الشهادة أحبطت الأذرع الإعلامية لعبد الفتاح السيسي، وبعد أن استعدوا لها، باحتفالية عظيمة، إذا بها تأتي بما لا تشتهي السفن، وفي الأحداث العظيمة في تاريخ الانقلاب العسكري، فإن قناة «صدى البلد»، وربما الجهات التي تدير الاعلام المصري، تدفع بأحمد موسى إلى تغطية مفتوحة، ولا تنتظر حتى موعد برنامجه في المساء، وإذا تصادف الحدث في يوم من أيام الراحة، جيء به، لينصب الفرح، وكأن هناك من لا يزال يشاهد أحمد موسى حتى الآن؟!
وكما هي العادة، جاء المذكور ليوم الزينة، وقد جمع الناس ضحى في قفص الاتهام، وجاء مبارك ونجلاه إلى المحكمة، شاهداً في القضية التي يُطلق عليها اعلامياً افتحام السجون، وهي قضية تولدت منها قضية أخرى، هي قضية التخابر مع حماس، بيد أن مبارك خيب رجاءهم، وبدا لي أنه فعل هذا «عامداً متعمداً»، فتم قطع الإرسال على الشهادة دون أن تكتمل، وغادر أحمد موسى الأستوديو، على وعد باستكمال التغطية التي لم تبدأ مساء، لكنه في المساء لم يجد ما يقوله، ولم يجد في الشهادة ما يشفي الغليل!
قناة «صدى البلد»، فازت بالبث الحصري لوقائع الجلسة، تماماً كما فازت بذلك للمحاكمة الأخيرة لأركان نظام مبارك، والتي كللت بالبراءة، وقول القاضي لهم «عودوا إلى مواقعكم»، وقد تعامل قبلها مع المتهمين باجلال وتقدير. والبث الحصري للجلسات تمثل سابقة في تاريخ القضاء المصري. فهل هو بث مدفوع الأجر؟ ولمن يدفع؟ ولماذا تختص به قناة بعينها، ومن ينظم هذه العملية، الدائرة، أم وزارة العدل، أم جهة أخرى خارج الوزارة والمحكمة، لا تعلمونها الله يعلمها، ولماذا لا يعرض الأمر مثلاً لمن يدفع أكثر، بدلاً من احتكار «صدى البلد» لذلك في كل مرة؟!

قصة «المحور»

قبل الثورة، وفي المؤتمر السنوي العام للحزب الحاكم، كان العطاء قد استقر على قناة «المحور»، فهي التي تنقله حصرياً، وقيل إن الأمر تم بمبادرة خاصة من صاحب القناة، وحتى لا يقال إن البث هو لقناة خاصة، وحتى لا تطلب الأحزاب الأخرى معاملة بالمثل في حال قيام التلفزيون المصري الرسمي ببثه، وهو مملوك قانوناً للدولة وليس للحزب، وظللنا لفترة طويلة نتعامل مع «المحور» على أنها قناة خاصة مملوكة لرجل الأعمال حسن راتب، إلى أن ذكر حمدي قنديل الحقيقة في مذكراته باعتباره كان شاهداً على عملية تأسيس أول قناة تلفزيونية خاصة، فاتحاد الإذاعة والتلفزيون يملك فيها النسبة التي تمكنه قانوناً من إدارتها، فقد كان النظام متردداً في السماح للأفراد الاعتباريين أو الطبيعيين بتملك القنوات التلفزيونية، فلجأ إلى هذه الحيلة، لكنه مع هذا تنازل عن الإدارة لشخص «حسن راتب» طواعية، والذي يتصرف في القناة تصرف المالك فيما يملك، وقد أصر أن يكون حاضراً في البداية مع لجنة اختيار المذيعات، وفشل أعضاء اللجنة في افهامه أن هذا عمل مهني بحت، وهو علاقته بالاعلام هى نفسها علاقته بلقب «دكتور» الذي يسبق به اسمه!
وهو ذاته، الذي طل مؤخراً على الشاشة وبجواره الفنانة يسرا، وقد ظل يمتدحها من منطلق اسلامي، حتى ظننا أنه يتحدث عن خصال السيدة «رابعة العدوية»، أو على واحدة من أمهات المسلمين. وكان اللقاء الطيب المبارك بمناسبة الاحتفال بالهجرة النبوية أو المولد النبوي، لا أتذكر!
وقد تم السماح بتملك الأفراد القنوات التلفزيونية، وانتفى الغرض من حرص السلطة على أن تظل الأمور في قبضتها، فلا أعرف سبباً لاستمرار اتحاد الإذاعة والتلفزيون، مالكاً لقناة «المحور»، ولا يتنازل واقعياً عن ملكيتها وادارتها لفرد، وهل تدر قناة «المحور» ربحاً حتى يظل الاتحاد حريصاً على نصيبه فيها؟ وإذا كانت تخسر وهذا هو المتوقع فلماذا هذا السفه في الانفاق على قناة فاشلة، واتحاد الإذاعة والتلفزيون، لديه ترسانة من القنوات الفاشلة والخاسرة، وليس بحاجة لزيادة الأعباء المالية على كاهله. والسؤال: وهل يعلم المسؤولون الجدد عن الإعلام شيئاً عن هذه الملكية؟!
أتمنى أن تكون مذكرات حمدي قنديل قد تعرضت لمسألة التأسيس فقط، وأن اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ترك القناة بعد هذا لرجل الأعمال المذكور، فما يهمنا هنا، أن الحزب الحاكم كان قد أدخل على الجماهير الغش والتدليس، بادعاء أن مؤتمره العام يبث من خلال قناة خاصة، ليؤكد حياد التلفزيون الرسمي. والأمر يحتاج إلى توضيح من القناة ومن اتحاد الإذاعة والتلفزيون عن مآل الملكية في قناة «المحور»، التي تبين أنها لم تكن أول قناة خاصة كما يتردد!

إلى «صدى البلد»

ما علينا، فما يعنينا في كل هذا أن «المحور» هي التي أسست لعملية البث الحصري، لأمور خارج الدراما، فالمسلسلات هي التي تبث حصرياً، ومن هنا فما تقوم به قناة «صدى البلد»، تمتد جذوره إلى عملية نقل المؤتمر السنوي العام للحزب الوطني، الدوافع نفسها، فـ «صدى البلد» قناة خاصة مملوكة لرجل الأعمال «محمد أبو العينين»، وبالمناسبة فإن كلا من «حسن راتب» و»أبو العينين»، وإن كانا من مؤيدي مبارك، فقد كانا كذلك من مؤيدي الرئيس محمد مرسي، الآن قنواتهما تحسبنا نحن عليها، وعندما كتبت مقالي «الفلول في بيتك يا سيادة الرئيس» في مثل هذه الأيام من عام 2012، وذلك بعد تعيين الرئيس لعدد من المنتمين للنظام البائد في مجلس الشورى، كان «أبو العينين» في طائرة الرئيس متجهاً للصين، وكان «حسن راتب» يظهر جينات التدين، ويقول في حكم الاخوان شعراً، لم يقل مثله إلا في الفنانة يسرا.
من باب الحياد، ربما تم تمكين قناة خاصة بنقل شهادة مبارك، مع أنها كان يمكن أن تحيي الموتى، وتذكر الناس بقناة وُلدت ميتة، هي «دي أم سي»، لكن من الواضح أن المستهدف هو الإيحاء بأن الأمور تتم بعيدا عن تصرف السلطة، و»دي أم سي» معروفة بأنها قناة السيسي وتديرها أجهزته الأمنية، والمسمى المعروف لها هي «قناة المخابرات دمس»!
لكن من الواضح أن «صدى البلد» أيقنت بعد الدقائق الأولى من شهادة مبارك أنها اشترت الترام، فلم تجد على النار هدى، وغادر أحمد موسى دون استكمال الشهادة، ودون التغطية المفتوحة، لقد خاب ظنهم، وكانوا يظنون أن مبارك سيجدها فرصة لينصب مهرجاناً بيد أنه لم يفعل، وبدا عازفاً حتى عن فكرة الانتقام، وطلب الإذن للرد على كثير من الأسئلة، وهو يدرك أنه لن يحصل عليه، لكنه ترك مساحة هائلة للعقول أن تذهب بعيداً، إلى حد اتهام السيسي نفسه بالتقصير والعجز، الأمر الذي حد منه، المأتم الذي نصبه كثيرون حزناً على الثورة، وكأنهم لم يدركوا أن الثورة قد هُزمت مع أول بيان للمجلس العسكري، وهذه القضية بالذات علامة هزيمة، فقد تفجرت قضية فتح السجون رسمياً في وجود الرئيس محمد مرسي، فأي ثورة منتصرة التي تسمح بهذا العبث؟! وبدا الحكم مشلولاً عن اتخاذ ما يلزم، في اتجاه قاض تجاوز حدود وظيفته، وحدود القضية المعروضة عليه، وبدأ في توجه اتهام الخيانة لرئيس الدولة، وهو ما يكون وفق اجراءات خاصة، وليس على النحو الذي فعل!
أحياناً تكون النفس مهيأة لشيء، وتبحث عن الأسباب، وفي الأسبوع الماضي وكما أن السيسي والفنانة «رجاء الجداوي»، جمعت بينهما الرغبة العارمة في البكاء، فقد كانت رغبة بعض المنتمين للثورة جارفة في إقامة مأتم وممارسة طقوس الحزن، وكان البحث عن المبرر قائم على قدم وساق. قال السيسي لرجاء الجداوي إنها «شيك طول عمرها» فبكت، وكانت «رجاء» في حالة تسخين سابق على ذلك، وهي تتحدث عن أصحاب الاحتياجات الخاصة فبكى السيسي، ولا نعرف دوافع «الجداوي» في البكاء، لكن السيسي كان في مهمة استدرار عطف الناس، وهو يعد العدة للانقضاض على الدستور، ليخلد في الحكم مدى الحياة، ولم يقدم انجازاً يمكنه من هذا، فأراد كما قال الصحافي محمد منير على قناة «الجزيرة مباشر»، أن يبدو «ينبوع حنان» و»برميل عواطف»!

مبارك المهزوم

مبارك لم يدخل المحكمة منتصراً، فمبجرد دخوله، متهماً أو شاهداً أو مدعياً بالحق المدني، هو هزيمة، وإن شاهد خصومه في القفص، فالكل مهزوم والمنتصر الوحيد هو شخص عبد الفتاح السيسي، الذي لم يكن بمقدوره أن يمر من الشارع الذي مر فيه مبارك قبل أسبوع. وإن مسنا قرح فقد مس مبارك قرح مثله، فالثورة عزلته، والسيسي عزل الثورة وعزله أيضا، ولهذا فإن مؤيدي مبارك، لو أقسمت لهم على الماء فتجمد، ثم قلت إنها ثورة شعبية أطاحت بزعيمهم المحبوب فلن يصدقوك، لأنهم يصرون على أن الانقلاب العسكري لم يجر ضد مرسي ولكن ضد مبارك، ليحكم عبد الفتاح السيسي. بالمناسبة أنصار مبارك الجادين هم ضد السيسي أيضاً، وتقريباً فإن السيسي لم يعد له من أنصار سوى أهل بيته!
المهم، فما طلب مبارك إذن بشأنه لا يتصل اتصالاً حقيقياً بموضوع القضية، التي تدور حول اتفاق جنائي بين الاخوان في مصر وحركة حماس على اقتحام الحدود وفتح السجون في يوم 28 يناير/كانون الثاني 2011، وقال مبارك إنه لا يعرف شيئاً عن هذا الموضوع، وفي معرض آخر لم يتحدث عن معلومات ولكن عن استنتاجات، والأحكام تصدر بالجزم واليقين وليس بالظن والتخمين، إن شئت فقل إن مبارك ومن الناحية القانونية أفسد القضية، ودمر مصداقية دليل الإدانة، ولهذا قطعوا الارسال عليه، وغادر أحمد موسى الأستوديو، ولولا «الملامة» لقالوا إن مبارك إخوان!
وفي حكمه، كان هناك كلام يتردد عن أنه انخرط صبياً في حركة الإخوان، وأحد الوزراء بعد اختياره، اقترب منه، وقال له هامساً: حتى لا يفاجئك الأمن بما لا تعرف. وقال له مبارك: ماذا هناك؟ فأخبره أنه كان في شبابه منتميا للاخوان المسلمين، لكنه تركهم منذ زمن، فرد عليه مبارك مستهينا بالموضوع برمته: كلنا مررنا بهذه التجربة!
تقريباً أنا الوحيد الذي لم يمر بهذه التجربة!

٭ صحافي من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    مع الأسف إستمرار الكذب لشخص بأرذل العمر! الصدق الوحيد لهم سيكون بالحساب بعد الموت!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول ابن الجاحظ:

    أحببنا أم كرهنا…..مشاكل الامة……. سببها الاصلى……. اقحام الدين فى السياسة……

    1. يقول محمود يوسف محمد علي-مصر المحروسه:

      إبن الجاحظ,
      بل سببها إبتعادنا عن الدين بل ومحاربته.تذكر أن العسكر الذين يحكمون جل بلاد العرب منذ عقود يحاربون الإسلام علانية تاره وخفية تاره,وهم من أوصلوا بلادنا لما هي فيه,فلا داعي لخداع النفس.

    2. يقول محمود يوسف محمد علي-مصر المحروسه:

      إبن الجاحظ,
      بل سببها إبتعادنا عن الدين بل ومحاربته.تذكر أن العسكر الذين يحكمون جل بلاد العرب منذ عقود يحاربون الإسلام علانية تاره وخفية تاره,وهم من أوصلوا بلادنا لما هي فيه,فلا داعي لخداع النفس..

    3. يقول بولنوار قويدر-الجزائر:

      السلام عليكم
      تحية طيبة مباركة
      أمّا بعد
      أخي(ابن الجاحظ) إنّي أساند رأي أخينا (محموديوسف محمد علي-مصر المحروسة) لا يعني أنّي مختلف معك بعيد عن هذا تبقى أخونا في الله وفي الإنسانية وقد قيل:(الإختلاف في الرأي لا يفسد صلابة محبتنا..)
      من خلال تجاربنا مع هذه الأنظمة قد تعلمنا منهم أنّه لا خلاص من الإستبداد إلاّ بالرجوع إلى الإسلام الذي حرر وأعتق الرقاب وخلّص سيطرة الإنسان من الإنسان …
      ولله في خلقه شؤون
      وسبحان الله

    4. يقول المختار:

      و متى حكم الدين منذ رحيل الإستعمار حتى تقول الدين سبب المشاكل. غياب الأخلاق و الفياد هما سبب المشاكل و لو جعلنا ديننا مرجعية للحكم ما كان حالنا كهذا.

  3. يقول الصعيدي المصري:

    الثورة المضادة والتي نعرفها نحن المصريين بسهرة 30 سونيا وبعد ان تمكنت من تلابيب السلطة ترمي ثورة يناير بالمؤامرة بعد ان كانت لا تستطيع الافصاح عن هويتها المعادية لها في بدايتها – السيسي نفسه تدرج ببطء من تمجيد لثورة يناير الى ان وصل حاليا باتهامها بأنها مؤامرة خارجية دعمتها شياطين من خارج البلاد
    والان جاء الدور على تعديل وربما كتابة دستور جديد يخول له الاستمرار في الرئاسة الى ابد الآبدين وربما يتم حذف الاعتراف يثورة يناير من الدستور ومن الكتب والمناهج الدراسية التي ذكرتها على استحياء
    ينسى السيسي ةمبارك ودولة العسكر العميقة انه لم يعد بإمكانهم تزوير التاريخ لعد ان دخل على الخط وسائل اخرى للمعرفة اهمها ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي ممن لا يخضعون لمنطق ذاكرة الاسماك
    لقد نجح عبدالناصر لفترة طويلة في خداع المصريبن ببطولات كاذبة في وقت كانت فيه مصادر المعرفة تقتصر على الميديا الرسمية وهو مالا يتوفر للسيسي الان وما يشكل له معضلة في محاولة يائسة لغسل الادمغة التي اصبحت تنافس السلطة الرسمية بل وتهزمها في توثيق ونشر الحقيقة

إشترك في قائمتنا البريدية