لندن ـ «القدس العربي»: عن دار الزمان السورية وفي 334 صفحة من القطع المتوسط، صدرت رواية «مبني للمجهول.. نقطة من أوّل السّطر» للروائي والشاعر السوري هوشنك أوسي. تجري أحداثها في دار لرعاية المسنين في مدينة أوستند (Oostende) البلجيكية، عبر سرد بعض نزلاء الدار لجوانب من ذكرياتهم.
هذه الرواية التي تعتبر السادسة في تجربة الكاتب الروائية، كسابقاتها، تتعدد فيها الأمكنة والثقافات والشخصيات، بينما تتشابك الخطوط الزمنية لسير الأحداث ابتداءً من الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى وصولاً لعام 2019. ومن الأمكنة التي تحضر في الرواية: بلجيكا، العراق، فيتنام، تركيا، كردستان، الكونغو، الجزائر، لبنان، وسوريا.
تتميّز أعمال هوشنك أوسي الروائية بتعدد الأمكنة والهويات والثقافات. في «مبني للمجهول» حاول أوسي غرس شخصياته الروائية الوهمية المتخيّلة في أحداث حقيقية جرت في البلدان سالفة الذكر، كي تضفي عليها لمسات من التخيّل الروائي الافتراضي. على سبيل الذكر لا الحصر، مراسل صحافي (بلجيكي) يجري حوارا افتراضيا مع الزعيم العراقي عبدالكريم قاسم، والزعيم الكردي المُلا مصطفى بارزاني. استخدم أوسي تقنية تعدد الرواة، في إطار راوٍ عليم، يضبط حركة المرويات. كما أتى البناء الروائي مركّبًا، يشبه المتاهة، بحيث يظهر كاتب بلجيكي (يان دو سخيبّر) في معرض الكتاب ليقدّم روايته الجديدة، يكون بطلها صحافي شاب يودّ كتابة رواية، فيجري حوارات مع نزلاء دار رعاية المسنين، ليصبح القارئ إزاء ثلاث روايات لثلاثة كُتّاب: هوشنك أوسي الذي قدّم «مبني للمجهول» داخلها «غير المرغوب فيهم» ليان دو سخيبّر، داخلها رواية للصحافي البلجيكي الشّاب توم فان ليندين.
رواية «مبني للمجهول» ذات محتوى فكري معرفي، اجتماعي وسياسي، وتحمل مواقف وأفكار نقدية حيال التاريخ والواقع الذي يعيشه الإنسان، بصرف النظر عن جنسه ودينه ووطنه. ويظهر ذلك من المقتبس الموجود على الغلاف الخلفي للرواية الذي نقرأ فيه: النَّاسُ أبوابُ بعضهم، والأقفالُ والمفاتيحُ. النَّاسُ ألغازُ بعضهمِ، والعَتباتُ والمتونُ. نتوهَّم أنّنا نتأقلمُ مع الزَّمن، هوَ مَن يفعل فينا أفاعيلَه، ويمارس علينا ألاعيبَه. مناوأة الزَّمن مِحنة، ومسايرته مِحنة. وما الإنسان إلاّ الصِّراع الممتدَّ بين هاتين المِحنتين. مقصدي: الحياة بكلّ ما فيها من حقائقَ وأكاذيبَ أوهامٌ وخرافات، صراعاتٌ وحروب، حبّ وكراهية، هي برهةٌ بين غيبين. غيبٌ قبل الوجود، وغيبٌ بعده. لا وجودَ لشيءٍ اسمُه العدم. هناك شيءٌ اسمُه الغيب، مبنيٌّ للمجهول. إذا توقّفتَ عن محاولاتِ اكتشافِه ضللت. وإذا واصلتَ اكتشافَه ضللت!