يُعد سوق الجمعة أحد أشهر الأسواق الشعبية بالقاهرة، يقع في منطقة السيدة عائشة بحي مصر القديمة يرتاده الراغبون في البيع والشراء من كل الفئات، ويحتوي السوق الشعبي الكبير على نوعيات كثيرة وغير متجانسة من السلع والبضائع التي تبدأ من طيور وأسماك الزينة ولا تنتهي عند شيء مُعين في تنوع فريد وغريب. فالسوق الذي نشأ منذ سنوات طويلة بشكل غير مُنظم يضم المئات من الرواد ويحتوي على مجموعات كثيرة من سلالات الطيور والحيوانات الأليفة التي يهوى تربيتها بعض الراغبين في اقتناء نوعيات خاصة من الطيور والكلاب والقطط ويعرفون تماماً سُبل تربيتها وطُرق التعامل معها ولديهم خبرة واسعة في أفضل أنواعها.
ومن عناصر الجذب القوية في سوق الجمعة والتي تدعو الجمهور للتهافت على ما يحتويه من بضائع ومُقتنيات انخفاض الأسعار بشكل ملحوظ والفارق الكبير بين ثمن الشيء داخل السوق وخارجه، لهذا يقطع الزبائن العالمين بالمزايا التجارية أشواطاً ومسافات طويلة حتى يصلوا إلى المكان المنشود بالسوق للحصول على ما يرغبون في شرائه.
وفي سوق الجمعة يبدو أن هناك اختلاطا بين الحابل والنابل وهي الحالة التي كان عليها بالفعل حين تم اكتشافه، حيث كان يتوافد التجار إلى منطقة السيدة عائشة بحي مصر القديمة لبيع الأشياء المُستعملة ويقفون بشكل عشوائي لفترة زمنية حتى يتموا مهمتهم لينصرفوا بعدها كل إلى سبيله ومقصده.
وبعد أن عرف الناس السوق ومكانه وأدركوا قيمته ومزاياه أصبحوا يترددون عليه بصفة دائمة يبيعون ويشترون ويقتنصون الفرص بمهارة في الحصول على الأشياء النادرة بأثمان رخيصة للغاية، فلم يعد الأمر مقصوراً فقط على الطيور والحيوانات وإنما شملت التجارة كل شيء، من قطع الموبيليا والأثاث إلى اللوحات الفنية الأثرية إلى الزهور النادرة والأباجورات التراثية والمناضد والمكاتب والكراسي وغيرها من المُستلزمات الشخصية والعائلية، وكذلك الدراجات البخارية والدراجات العادية وكماليات البيت كالثلاجة والغسالة والبوتاغاز والتلفزيون، حيث كل شيء قابل للبيع والشراء والتداول بلا تمييز أو تفضيل أو أي نوع من الفرز والتخصيص، فطالما وجدت السلعة جاءها من يشتريها ليدفع فيها الثمن المطلوب لرغبة في الاقتناء أو لاحتياج ضروري.
حتى السيارات المُستعملة أصبح لها مجال وزبائن وموطن ثابت داخل سوق الجمعة الذي لا يندر فيه طلب ولا تختفي منه سلعة حتى وإن كانت السلعة لبن العصفور كما يقول المثل الشعبي الدارج على ألسنة العوام.
هكذا عُرف السوق الشعبي الكبير بأنه مركز تجميع كافة الأشياء والمُستلزمات من الإبرة إلى الصاروخ، وهو وصف أطلقه أولاد البلد على السوق كناية عن ثرائه وتضمينه الشامل لكل ما هو مطلوب ونادر ومهم.
مجمع أسواق التونسي
ولأن سوق الجمعة ذاع صيته وكثر رواده وربحت تجارته نشأ له فرع آخر أو ربما يكون سوقا موازيا له يشغل مساحة 60 ألف متر ويقع على طريق الأوتوستراد وتحيط به المسالك المؤدية إليه من جميع الاتجاهات.
هذا السوق يُسمى مُجمع أسواق التونسي أو سوق الجمعة الجديد، ولا تختلف وظيفته عن نظيره التجاري القديم في شيء، اللهم غير نوعية الزبائن والتجار التي تختلف بشكل نسبي عن نوعية زبائن وتجار سوق الجمعة، فهم ليسوا ممن يسعون لاقتناء الأشياء للاحتفاظ بها كقيمة فنية أو إبداعية كما يفعل زبائن آخرون، ولكنهم يُصنفون كخبراء في المقام الأول قبل أن يكونوا تجاراً.
هؤلاء يعرفون قيمة الأشياء والمُقتنيات ويحرصون على شرائها بأي ثمن ليقوموا بعد ذلك ببيعها بأثمان متميزة لزبائن نوعيين من غير أبناء الطبقة الشعبية، ولأنهم يتمتعون بالذكاء التجاري ويجتهدون في دراسة السوق بشكل دقيق فهم لا يديرون تجارتهم بأسلوب عشوائي كما هو الحال بالنسبة لتجار سوق الجمعة الذين يتعاملون مع تجارتهم بطريقة تلقائية بسيطة ويرضون بالقليل من مكاسبها.
وللأهمية الشعبية لسوق الجمعة القديم تم إنتاج عدد من الأفلام ما بين تسجيلي وروائي قصير وطويل عن أجواء البيع والشراء ونُدرة السلع والأشياء الموجودة فيه وطُرق وأساليب البيع والتجارة والتداول والنظام المعمول به بين كبار التجار والأعراف والتقاليد التي تحكم مواثيق التجارة والتي من بينها كلمة الشرف التي يأخذ بها الكثيرون ككلمة فاصلة ونهائية تؤكد نزاهة التعامل والمرجعيات الأخلاقية للتجار في تعاملهم اليومي مع الزبائن.
ومن أبرز الأفلام كان فيلماً روائياً طويلاً للمخرج سامح عبد العزيز يحمل عنوان «سوق الجمعة» للتدليل على المضمون والرؤية والهدف، وقد لعب دور البطولة فيه نجوم من بينهم عمرو عبد الجليل وريهام عبد الغفور ونسرين أمين.
كانت الإشارات الدالة على ماهية سوق الجمعة وخصوصيته وما يدور فيه واضحة كل الوضوح وكفيلة بإعطاء المُشاهد فكرة وافية عن طبيعة التجارة الرائجة للمُقتنيات والأشياء ونوعية الطيور والحيوانات النادرة والغريبة في عالم آخر موازي لا يعرف الكثيرون عنه شيئاً.