تخيل شخصاً، ضئيل الجسد، فقير الخيال والموهبة، شحيح الذكاء، محدود الآفاق والثقافة والقدرات، نشأ في محيطٍ غير منفتحٍ على الآخر، ولا يرى في كل المختلفين عنه وعن ذويه في الشكل والقيم والسلوك والمشارب سوى «أغيارٍ»، ربما بالمعنى اليهودي الأضيق للكلمة، نماذج من خلق الله الذي رُبي على أنه «يخلق ما لا تعلمون»، جائزٌ التعامل معهم، من منطلق الحاجة والضرورة والمصلحة، إلا أنهم في الحساب الختامي آخرون، لا يعنون له شيئاً ولا يكترث لمصيرهم؛ لقد غرس فيه الواقع والمحيط المسكون بالريبة في «الآخرين» اللؤم وعلمه الصمت، فهو لا يبوح بما يضمر، فما يجول في صدره سرٌ خبيء قد يكلفه الاطلاع عليه الكثير، يوزع ابتساماتٍ بلهاء، محايدةً وبليدة، على المحيطين، وربما بسخاءٍ يزيد من سماجتها، يتملق ليعبد طريقاً للصعود، ولن يتورع عن استغلال وسحق من علا عليهم.
لكن إياك أن تتصور أن ذلك الضئيل الصموت راضٍ أو قانعٍ، أو أن داخله هادئٌ كصفحة بحيرةٍ رائقة، وأن رأسه خاوٍ، على النقيض من ذلك تماماً، فهو يخفي ويختزن وراء وجهه المحايد ذي الملامح العادية جداً، كماً هائلاً من النقمة والغضب والحقد، على كل ما حوله ورغبةً عارمةً في الانتقام من ما يراه وضعاً يؤمن إيماناً راسخاً بأنه يستحق أفضل منه ؛ يرغب في ما في أيدي الناس، مما لا يستطيع الوصول إليه؛ هو ليس بلا أفكار، بل لديه العديد منها، كما يمتلك قناعاتٍ ثابتة وقد اكتسبها جميعاً من المحيط، وخطب المساجد، وجلسات الوعظ وحكايات الخالات والعمات إلخ؛ الأكيد أن لديه ثقةً عظيمة في نفسه وفي دماغه، فهو يفهم أكثر من أي حاصلٍ على أعلى الشهادات، بل أكثر من الجميع؛ ليس بحاجةٍ إلى مرآة ليرى واقعه وضآلته، فهو يعرف نفسه وقدراته جيداً، وهو الأذكى والأدهى والأحوط والأعمق والأكثر فهماً وحنكةً، وهو صاحب رأيٍ في كل شيءٍ وسديدٍ دائماً.
السيسي يتعامل مع الشعب المصري كعبءٍ أو مصيبة لا مفر منها، عائق في سبيل مسيرة تصوراته والدولة، فهم شعبٌ من الحمقى، تمرد وثار فعطل وخرب
هو الرعديد المهادن يرى نفسه شجاعاً مقداماً، وسوف يبتلع الإهانات للاستمرار والوصول، لكن يا ويل كل من عاداه أو صغَّر من شأنه، أو عامله باستهانةٍ واستخفاف، إذا قدِر واستطاع، فسوف ينتقم منه شر انتقام، فتحت مظهره الوادع يخفي عدوانيةً وقسوةً لا تعرف رحمةً ولا شفقة. ذاك هو الرجل الضئيل (خاصةً في بلادنا)، وتلك أزمته… لكن أزمته تعم والمشكلة تصبح نكبةً حين يحكم بلداً هو الأكثر عدداً، والأثقل والأهم في التاريخ الحديث في محيطه الإقليمي، لاسيما لو كان هذا البلد قد ترسخ فيه، بالحديد والنار، نظامٌ يمنح الحاكم الجالس على الكرسي سلطاتٍ تكاد أن تكون لا محدودة، يردفه تراثٌ عتيدٌ من الاستبداد، بل تأليه الحاكم في مرحلةٍ طويلةٍ من تاريخه.
دأبنا، أو على الأقل كثيرٌ منا، على تناول خطابات السيسي بالسخرية، مما صار نمطاً مكرراً من مظاهر الوله بالميكروفون يمسكه (على الأغلب جالساً على الكرسي مولياً الناس قفاه) ويسترسل كما يشاء من موضوعٍ لآخر مبرراً تصرفاته ممجداً نفسه، كما أن تصوراتٍ بعينها، وما لا محيص عن وصفها برؤىً بعينها تتكرر؛ لكن في هذه المرة الأخيرة، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية وما صاحبها من تدهورٍ في قدرة الناس الشرائية، لم أعد أجد خطاباته مسلية، إذ أنه على الرغم من كونه استخدم كلماتٍ كـ»المحيط الإقليمي» والمناخ السياسي، كلماتٍ كانت غريبة على قاموسه، ما يدل على أنه قابلٌ للتعليم نوعاً ما، أزعجني مجمل المضمون الذي ينبئ عن عطبٍ شديد في تصوراته عن طبيعة المجتمع والقوى الأساسية فيه وعلاقاتها. فالملاحظ، والمدهش في الحقيقة، أن السيسي دائم الحديث عن نفسه، الرئيس، والقوات المسلحة والدولة… والله.. ليس من قبيل المبالغة أن نزعم أنه يؤمن بـ»أولية الدولة»، كأن لسان حاله «في البداية كانت الدولة والقوات المسلحة»، في علاقةٍ معكوسةٍ تماماً، تذكرنا بتصور هيغل (الذي لا أشك البتة بأن السيسي لم يسمع به في حياته ولن يسمع) عن المطلق، حيث التاريخ والواقع محض انعكاسٍ لوجودٍ أعلى وأسبق.
إن السيسي يتعامل مع الناس، الشعب المصري كعبءٍ أو مصيبة لا مفر منها، عائق في سبيل مسيرة تصوراته والدولة، فهم شعبٌ من الحمقى، تمرد وثار فعطل وخرب، والدولة ليست مسؤولةً من الناحية الفعلية أمامهم، ولا هي تعبيرٌ عن واقعهم أو طبيعة العلاقات الاجتماعية بين الطبقات في لحظةٍ تاريخيةٍ، معينة محملة بتراث الماضي لا، فهي الحاضر أبداً وما ينبغي الحفاظ عليه، ولو على جثث وجماجم هؤلاء الدهماء – العبء، ثم أنهم، وقد اختاروه وفوضوه، فلا رجوع في ذلك ولا نكوص، وعليهم القبول به قدراً محتوماً لا هروب منه ولا راد، ولما كان كذلك، والله جل وعلا هو الذي أتى به، يصبح التمرد والمروق خروجاً على الناموس، وردةً تستوجب أقصى العنف. ما يقودنا إلى تصورات السيسي عن الله ودوره وما يتبين ويتأكد يوماً بعد يوم مما يراها علاقةً خاصة جداً تربطه به، فهو، أي السيسي، يجلس وحيداً في حالةٍ من الوجد ليناجيه، ويرد عليه الله، فيدعمه دائماً ويوافقه على تصرفاته (لا العكس).
إن تصورات السيسي عن كل شيءٍ معكوسةٌ تماماً، وذلك التضخم في الذات، الذي برهن عليه إذ صرَّح بصيغٍ لا تقبل الجدل عن قناعته ببطولته، حيث صدَّق بالفعل أنه المخلص والمنقذ، يؤذن بكارثةٍ محققةٍ ولعلها وشيكة، وإذا كان قد حمَّل الناس من قبل مسؤولية التدهور لأنهم ثاروا في 2011 (بل تمادى فحملهم أيضاً تكاليف انقلابه)، فإنه إزاء الأزمة الاقتصادية يرى، أن الدستور تعجل فأعطاهم حقوقاً في التعليم والصحة لا تقدر عليها الحكومة (ولعله يرى أنهم لا يستحقونها)، وهو تقريرٌ وقناعةٌ تتسق ورأيه في كونهم عبئاً وثقلاً ميتاً.
لقد أسقطنا الظرف التاريخي البائس بترهل الطبقة الحاكمة وحكم الثورة المضادة أمام رجلٍ ضئيل، ممتلئٌ بنفسه وغاضب، ينشد ثاراته القديمة، ممن استقووا عليه وضربوه صغيراً، ومن قادته الذين أهانوه بكلامٍ جارحٍ وقاسٍ، ومن كل الناس الذين استخفوا به، وعلى الرغم من توتره إزاء التردي الاقتصادي، إلا أن ثقته في نفسه لم تهتز بعد، بل زادت من عناده وعدوانيته ورغبته في إثبات صوابه، أو انتزاع الاعتراف به من الآخرين، وعلى الرغم من الحديث عن الحوار الوطني وربما محاولات إبداء حسن النية عن طريق بعض الإفراجات الرمزية عن المحبوسين، لاستيعاب غضبٍ ممكن جراء التدهور الاقتصادي، فما تلك سوى مناورة، وإنه لعازمٌ على البقاء مهما كلفه ذلك وما بقيت تحت إمرته قوةٌ مستعدةٌ لضرب النار.
كاتب مصري
من اروع ما قرأت هذا الصباح.لله در الكاتب الفذ الاستاذ يحيى فقد حلل شخصية و نفسية مُغتصِب السلطة باسلوب موضوعي رائع .
نسأل الله النصر لاشقائنا المصريين و الذين عانوا الأمرّين من حكم العسكر المستبد المهزوم و الذي لا هم له سوى القمع و النهب و بيع مقدرات البلاد للاعداء
بسم الله الرحمن الرحیم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . صدق الله العلى العظيم ربنا يهديك يابنى ويهدى قومك وجماعتك الضالين المضلين.
الطبقة الوسطى ليست ملائكة و لكن هذا المقال ظالم للطبقة الوسطى لان معظمنا نتطلع للتحرر من المافيا المغتصبة للحكم و لان السيسي سار في مدار بعيد عن الطبقة المتوسطة بعد دخوله الجيش
و قد قاده هذا المدار الى الانضمام الى المافيا او منظومة الفساد المتحكمة في مؤسسات مصر و المدعومة خارجي و اي لواء اخر كان اختاره الرئيس مرسي رحمة الله عليه كان سيفعل ما فعله السيسي تماما و مرسي لم يكن من المافيا و حينما فضحهم هشام جنينه الكل يعلم ماذا حدث لهم حتى نجد ان البعض ممن كان ضد مرسي و الاخوان و اشترك في 30\6 لم يستطع العمل معهم لانه ليس من المافيا مثل الدكتور البرادعي لذلك ليست المشكلة في السيسي لانه بعد الاطاحة بمبارك قتلت المافيا الرئيس المنتخب و ابنه و جائت لنا بالسيسي و لو اطحنا بالسيسي و ظلت المافيا موجودة ستفعلها مرة ثانية مع الرئيس المنتخب و تأتي لنا بسيسي جديد لذلك لابد من الاطاحة بالمافيا نفسها و ليس بالسيسي فقط