ما الذي جعل الإسبان يتداولون الجمعة الماضي، وعلى نطاق واسع نتائج استطلاع للرأي، أجراه مركز للبحوث الاجتماعية، وأظهر أن نحو عشرين في المئة من الإيبيريين يرون أن بلدتي سبتة ومليلية ستكونان في غضون العقدين المقبلين جزءا من المغرب؟ قد يردّ البعض بأن لا سبب خفيا وراء ذلك، فالجهة التي أجرت الاستطلاع لا علاقة لها لا بمواقف الحكومة، ولا بتوجهاتها السياسية، ولكن أليس غريبا أن يتزامن ظهور الاستطلاع مع بلوغ الخلاف بين مدريد والرباط أعلى درجاته؟ ثم ألا يبدو أن هناك شيئا ما من التضليل في القصة؟ فمن قال إن العشرين في المئة من أولئك المستجوبين، موافقون أو قابلون أصلا لفكرة خروج سبتة ومليلية عن السيادة الإسبانية؟
إن الترويج بقوة لتلك النتيجة في هذا الوقت بالذات داخل وخارج إسبانيا، وبغض النظر عن دوافعه ومبرراته ليس بالأمر العفوي، فالغرض منه يبدو مزدوجا، وقد يتمثل في لفت انتباه الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل (حزب فوكس) من جانب، إلى أن الازمة مع المغرب باتت تهدد حتى وحدة إسبانيا نفسها، وإرسال إشارة تهدئة من الجانب الآخر، ومحاولة الالتفاف على أي رد فعل رسمي قد يصدر عن الرباط، تعقيبا على تصريحات وزيرة الخارجية الإسبانية الثلاثاء قبل الماضي، حول المدينتين.
وربما عكس ذلك الازدواج نوعا من التخبط داخل الحكومة الإسبانية الحالية، بعد أن ضاقت بها السبل، ووجدت نفسها بين نارين، فهي بحاجة لأن تظهر قدرا من الصرامة والتشدد في خلافها مع جارتها، بحكم أن الائتلاف الحكومي يضم حزبا يمينيا متطرفا، لا يخفي مواقفه العدائية نحوها، وهي لا تستطيع بالمقابل ولعدة اعتبارات أن تمضي بعيدا في التصعيد مع الرباط، وقطع شعرة معاوية معها بالكامل. وهنا فإن الدافع للمبالغة في التركيز على نتائج ذلك الاستطلاع، هو توجيه رسالة قوية إلى حزب فوكس بأن جزءا مهما من الرأي العام الإسباني قد يكون قابلا لتسوية مع المغرب قد تؤدي إلى تنازل إسباني عن البلدتين، وعن الجزر المغربية الخاضعة لسيطرتها، وقطع الطريق على الرباط في الوقت نفسه، حتى لا تقوم بأي تصرف للرد على إعلان مدريد نيتها تغيير وضع المدينتين على المستوى الأوروبي، ولكن هل أرادت إسبانيا أن تطلق فقط بالون اختبار حين خرجت أرانشا غونزاليس ليا الثلاثاء قبل الماضي، لتعلن عن أن حكومتها تدرس ضم سبتة ومليلية بشكل كامل إلى منطقة شينغن الأوروبية؟ أم أنها كانت تريد سد الباب نهائيا أمام أي فرصة، أو إمكانية لفتح محادثات أو مفاوضات مستقبلا مع الرباط حول مصير البلدتين الخاضعتين لسيطرتها؟
إن كان الإسبان يريدون التقرب للمغرب، فهل يمكنهم فتح حوار معه حول مصير بلدتين يعتبرونهما جزءا لا يتجزأ من التراب الإسباني؟
إن جزءا من الجواب قد يوجد في التصريح الودي الذي خرجت به الوزيرة الإسبانية الأحد الماضي نحو الرباط وقالت فيه، إن إسبانيا «مستعدة للنظر في أي حل يطرحه المغرب على طاولة المفاوضات» بخصوص ملف الصحراء قبل أن تضيف «لقد كنا دائما حذرين للغاية بخصوص الوضع في الصحراء… نفهم تماما أن المغرب لديه حساسية كبيرة بشأن هده القضية. ويتضمن هذا الموقف المحترم عدم الرغبة في التأثير في الموقف الذي قد تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية» ثم تعليقها في التصريح نفسه على الأزمة بين البلدين بالقول «إننا دخلنا في أزمة لم نكن نريدها على الإطلاق، ومن الواضح أننا نريد الخروج منها في أسرع وقت ممكن. سنعمل حتى يتم خلق مساحة ثقة يمكن من خلالها إعادة توجيه العلاقات الثنائية». فما من شك في أن ذلك، وفي حد ذاته، يعد تطورا ملحوظا في تعامل الإسبان مع الأزمة التي اندلعت قبل أكثر من شهرين، ولكن سيكون من الخطأ المبالغة في التفاؤل، أو أن ينظر للمسألة فقط من زاوية واحدة، وأن يتم التغافل عن أنها قد تكون محاولة للهروب إلى الأمام، بتعويم المشكل من خلال التأكيد في التصريح نفسه على أن إسبانيا تريد «حلا تفاوضيا في إطار الأمم المتحدة» وفي ذلك الإطار فهي «على استعداد للنظر في أي حل يقترحه المغرب، مع الأخذ في الاعتبار أنه ليس من مسؤولية إسبانيا التوسط، لأن هذا الدور يجب أن تقوم به الأمم المتحدة» كما قالت الوزيرة. فإن لم يكن ذلك يعني إيهام المغاربة بحدوث تقدم لم يحصل في الموقف الإسباني من الصحراء، فما الذي يكونه إذن؟ ثم إن كان الإسبان يريدون فعلا التقرب للمغرب، مع إنهم ليسوا مستعدين للاعتراف بحقه في الصحراء، فهل يمكنهم بعدها في تلك الحالة أن يفتحوا معه حوارا أو نقاشا حول مصير بلدتين يعتبرونهما جزءا لا يتجزأ من التراب الإسباني؟
إن ما جرى في صورة كاريكاتيرية، هو أن مدريد وجدت نفسها مضطرة لإعادة الكرة إلى المرمى الأول، أي الصحراء، بعد أن فوجئت في وقت سابق بأن المغرب بدأ بالتفكير في رميها أشواطاً أبعد مما تصورته وهي حدوده الشمالية معها. وبغض النظر عما قاله البرلمان الأوروبي تعليقا على ما جرى حينها، أو عما إذا كان السماح لآلاف القُصّر بالمرور إلى جزء من تراب بلادهم مقبولاً، أم لا، فإن ما حدث في سبتة في الثامن عشر من الشهر الماضي، حين تمكن ما يقرب من خمسة آلاف مغربي من دخول المدينة المحتلة، بعد أن خففت السلطات قيود العبور نحوها، شكّل صدمة كبرى لإسبانيا لن يكون من السهل أن تتعافى من آثارها ومضاعفاتها. والمؤكد أن الإسبان فهموا الدرس جيدا، واستوعبوا الرسالة التي وجهها المغرب لهم، من خلال تلويحه باستنساخ المسيرة الخضراء التي أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني في السبعينيات نحو الصحراء، لكن في اتجاه البلدتين المحتلتين في الشمال المغربي هذه المرة. ومن الواضح جدا أن تهديد مدريد مرة أولى في بداية الشهر الجاري، من خلال تصريح الوزير المسؤول عن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، بأن حكومة بلاده تدرس إلغاء النظام الخاص المتفق عليه بالنسبة للمدينتين مع المغرب، بما يعني أن ضوابط الحدود سيتم تطبيقها على الوافدين المغاربة إليهما، ثم في مناسبة ثانية عبر تأكيد وزيرة الخارجية الثلاثاء قبل الماضي، أن مدريد تبحث إدراج البلدتين ضمن فضاء شينغن الأوروبي، لم يكن سوى رد فعل متسرع ومتشنج، عكس جزءا كبيرا من تلك المخاوف. ولكن ما الذي سيحصل إن نفذت مدريد تهديدها، وأقدمت بالفعل على تقديم طلب لضم حدود سبتة ومليلية إلى حدود الاتحاد الأوروبي؟ سيكون مستبعدا جدا أن يكتفي المغرب في تلك الحالة بالصمت، أو حتى بالاحتجاج اللفظي، وربما ستفيده تلك الخطوة في الكشف بوضوح عن الدول التي تتظاهر بالدفاع عن حقوق الشعوب، لكنها تؤيد استعمار إسبانيا لجزء من أراضيه، غير أن ما سيبقى ثابتا هو أنه لن يسترد المغاربة البلدتين إلا بحرب طويلة الأمد قد تستمر لأجيال وأجيال، وربما تتجاوز حتى الزمن الذي توقع عشرون في المئة من الإسبان في ذلك الاستطلاع انه سيكون كافيا لأن تعودا فيه إلى الوطن الأم.
كاتب وصحافي من تونس
” وربما ستفيده( المغرب) تلك الخطوة في الكشف بوضوح عن الدول التي تتظاهر بالدفاع عن حقوق الشعوب، لكنها تؤيد استعمار إسبانيا لجزء من أراضيه”
كلمات معبرة من الكاتب المحترم نزار تعبر عن الواقع البئيس الذي يوجد عليه (البعض) دون لف ولا دوران وبلغة بليغة تجسد التناقض بين الدفاع وبشراسة عن احتلال واضح وصريح لمدينتين مغربيتن افريقيتين والدفاع في نفس الوقت عن شعب وهمي من اجل مناكفة المغرب ووضع العراقيل امامه للحيلولة دون استكماله لوحدته الترابية او تعطيله قدر الامكان في خدمة مجانية للاحتلال الاسباني مضاف اليها عقود تفضيلية في تصدير الغاز وغيره.
الحقيقة كمغربي لا افهم ان بلادي لم تقم بما عليها لاسترجاع المدينتين السليبتين.
و هو ما يعايرنا به الاشقاء و الاعداء
سبتة و مليلية مغربيتين و لكن لا ادري لماذا لا نقوم باسترجاعهما الى الوطن الام.
و هذا السوء الفهم هو الذي خلق لنا مشكل الصحراء.
لازم تحريض الرأي المغربي صباح مساء و فعل ما يلزم لاسترجاعهما.
أنت على حق. الخلافات المغربية مغربية سنة 1955 و ما بعدها هي السبب في تأخر تحرير الصحراء و المدن و الجزر المحتلة. المؤسسة الملكية كانت تركز على توطيد صلاحياتها و قادة الحركة الوطنية و زعماء المقاومة و جيش التحرير كانوا مختلفين فكريا وسياسيا، بعضهم كان ملكيا أكثر من الملك و بعضهم كان يسعى الى بناء نظام ملكي دستوري و قسم آخر كانت تتقاذفه التيارات الثورية… كان الاستعمار الجديد يؤيد ملكية مطلقة للحفاظ على مصالحه… لم تتركز الوحدة الوطنية الا سنة 1975 لتحرير الصحراء.
لولا نظام العسكر الذي رهن الجزائر لخدمة أهداف ورثة الملكة الدموية ايزابيلا، لكان المغرب قاب قوسين ( أو أدنا) من استعادة المدينتين المحتلتين..لكن نظام الجزائر اختار أن يلعب دور الدولة الوظيفية و يحتضن الانفصاليين ويهدد المغرب في صحراءه. و لهذا لا خيار للمغرب إلا التعامل مع وحدة أراضيه بحيطة وحذر، حتى لا يفقد كل شيء..
تحية للأستاذ نزار على هذا المقال التحليلي الراءع. أظن أن مناورات إسبانيا بحكم ورطتها لن تنطلي على المغرب. المغرب ليس مستعجلا ويلعب برقعة الشطرنج بهدوء كبير ! الخاسرة هي إسبانيا التي فوتت على إقتصادها أكثر من مليار دولار خساءر إسثتناءها من عملية مرحبا بالإضافة الى وقف صنبور التعاون الاستخباراتي والقضاءي مع المغرب مع مايثله دلك من تحدي كبير لأمنها القومي ! للمغرب أوراق أخرى سيلعبها عندما يحين الوقت لذلك ومنها وقف اتفاقية الصيد البحري و الحدود البحرية مع جزر الكناري و كذا التضييق على المصالح الاقتصادية الاسبانية بالمغرب و…. سينذم بورقعة والايام بيننا !
مقال جميل، بارك الله فيك.
إسبانيا تنازلت عن إدارة الصحراء الغربية للمغرب وموريتانيا لكي ينشغل المغرب بالحرب مع البوليساريو عن المطالبة بسبتة ومليلة!
لازال المغرب مشغول بمشكلة الصحراء منذ 45 سنة, لذلك على المغرب التفاوض المباشر مع الصحراويين بالداخل لإنهاء المشكلة!!
ولا حول ولا قوة الا بالله
عن أي تفاوض مع صحرواي الداخل تتحدث؟ الصحراويين يعيشون فبلدهم و يتبؤون المناصب إن على مستوى المنتخبين الذين يديرون شؤون اقاليم الجنوب أو مناصب مؤسسات الدولة على المستوى المركزي. المشكلة منتهية بالنسبة للمغرب وبقية الشتات في تندوف لايلومون الا انفسهم من وقت جعلو نفسهم رهينة عسكر الجزاءر ورضو ان يكونو محتجزين مطوقين لا حق لهم بمغادرة مخيمات العار !
هل سمعت صحراوي يشتكي من العنصرية او منع من الصلاة او السفر او الانتخاب او التصويت، أو من أي منصب شغل ،حتى في إدارات الأمن و المناصب الحساسة..هل تظن أن الصحراويين يعيشون في غيتوهات منعزلين عن باقي المغاربة،أو لهم بشرة تستطيع تمييزها بها عن باقي الشعب.. و هل تعتقد بأن الصحراوي لا يعيش الا في الصحراء..
يا سيد كروي، الصحراويون ليسوا مثل الاكراد او سكان منطقة القبائل الجزائرية..فكيف يتفاوض معهم المغرب..و لماذا ؟؟
الذين في تندوف ابواب المغرب مفتوحة لهم.. لكن تصور معي لو دخلوا كلهم، ماذا سيكون مصير زعماء البوليزاريو و عسكر الجزاءر، و بماذا سيتاجرون..ثم لماذا لا يسمحون لهم بالدخول إلى المغرب، اذا كانوا متأكدين بأنهم ثوار و سيشعلون الصحراء تحت أقدام المخزن..
عن أي شيء سيتفاوض المغرب مع جزء من أبناءه!!؟
فأهل الصحراء المغربية في بلدهم، لهم ما لغيرهم و عليهم ما على غيرهم. أعرف مناطق في شمال المغرب يحكمها مغاربة من أهل الصحراء في وئام و بكل حب. تجد أهلنا من الصحراء في كبار المناصب العسكرية و الأمنية و السياسية إلخ …
منهم كما من غيرهم المدراء و منهم الوزراء و منهم من قاد أحزاب مهمة و كاد يصبح رئيسا للحكومة و منهم من صار رئيسا للبرلمان.
خلاصة الكلام، أهلنا من الصحراء المغربية مواطنون كاملي الحقوق و الواجبات.
دمتم في سرور و كفاكم نفتا للشرور و عزفا على أوتار التفرقة و التشرذم، فما أصعب البناء و ما أسهل اللغو و فؤوس الهدم. تحياتي للجميع!
ارتباك السياسة الإسبانية في الازمة له سبب واضح ، وهو ان السياسة الإسبانية وضعت صورة نمطية للمورو ” المغرب” وتعامله من خلالها ، كيف ؟؟ يرون ان تصريحات غير ملزمة كافية لتخدير جروح المغرب الغائرة ،والتي يتحملون مسؤوليتها إلى جانب الفرنسيين مند مؤتمر برلين ، كما أن اعتراض شاحنات الطماطم كافي ليركع المغرب اقتصاديا ، والواقع هو أن ورقة العبور لوحدها كلفت اسبانيا مجموع ما يدفعه الاتحاد الاروبي للمغرب على شكل مساعدات وقروض ميسرة ،ما شكل ردا عمليا صامتا تجاوز كل تصريحاته وتطبيل صحافتهم ، الاسبان مصدومون ويتوقعون الأسوء، فالرد المغربي لا زال لم يأخد بعد ، وما الاستطلاع الا تعبير عن توجس الاسبان من القادم ، وعندما يأخد قرار استرجاع المدينتين فالتنفيد سيكون في نصف يوم على الأكثر….. يتبع
بالنسبة لوضع سبتة ومليلية المحتلتين ، فوضعهما مرتبط بوضع مضيق جبل طارق ، كان هدف اسبانيا تصفية مشكل جبل طارق مع انجلترا سرا دون الالتزام بأي شيء للمغرب ، وهو ما احبطه هذا الأخير بأزمة جزيرة ليلى ، حيث فشل الاتفاق ، ولا يتسع المجال لذكر الحيثيات ، والخلاصة التي ستصل إليها اسبانيا هي الاعتراف بمغربية الصحراء ، واقتراح نفس الحل الذي ارتضته مع انجلترا في جبل طارق بالنسبة لسبتة ومليلية وهو وضع الإدارة المشتركة ، عدا ذلك سيستمر المغرب في العزف وستستمر جارتنا في الرقص ، ومازال في الجعبة الكثير من الأوراق… شكرا سيد نزار
كل شيء بوقته، و كما يقول المثل المغربي :اللي زربو ماتو.
لا يوجد حزب يميني متطرف في الحكومة. في الماضي، كانت نسبة الذين يطالبون بإعادة سبتة ومليلية الى المغرب يتجاوز 40%، وانفخض الآن الى 20%.