تتحمل مصر أكثر من كل دول العالم مسؤولية مباشرة، دينية وتاريخية وأخلاقية وقومية وسياسية، عن الجرائم التي ما يزال الكيان الصهيوني يرتكبها ضد أهلنا في غزة، وذلك لأسباب عديدة أهمها:
أولا- منذ عام 1948 خضع قطاع غزة للإدارة المصرية، أي أن مصر أصبحت مسؤولة عن قطاع غزة إداريا وعسكريا، ومن ثم فإن القطاع كان تحت السلطة المصرية عندما تم احتلاله من جانب الصهاينة عام 1967. بعبارة أخرى، مصر هي التي أضاعت القطاع وتركته يسقط، وهي لم تعمل شيئا يذكر، كما أظهرت الوقائع لاحقا، من أجل تحريره، واكتفت بالهرولة لتوقيع معاهدة سلام مع كيان العدو، تاركة القطاع لمصيره المظلم تحت رحمة الاحتلال الصهيوني.
ثانيا- كانت مصر أول دولة عربية جاهرت بالارتماء في أحضان الكيان الصهيوني، عبر معاهدة كامب ديفيد الملعونة، ونقول جاهرت لأن الكثير من الدول العربية كانت وما تزال تتعاون مع ذلك الكيان وتدعمه من تحت الطاولة، وهي تصدع رؤوسنا بشعارات كاذبة تدعي معاداته!
تلك المعاهدة الانهزامية أعلنت انسحاب أكبر دولة عربية من الصراع العربي – الصهيوني، لتوجه للمعسكر العربي المعادي للكيان الغاصب ضربة قاصمة، ولتشجع بقية الدول العربية على تنكب خطاها على طريق الاستسلام والانبطاح وبيع فلسطين وأهلها.
الأكاذيب الشنيعة
ثالثا- لعبت مصر دورا واضحا فاضحا على صعيد محاربة غزة وإضعافها وخنقها وتشويه مقاومتها، عن طريق ترويج تلك الأكاذيب الشنيعة التي حرص نظام السيسي على كيلها ضد حركة حماس بعد انقلابه الدموي عام 2013 على النظام الشرعي المنتخب، كالزعم أن الحركة مسؤولة عن اقتحام السجون في مصر وقتل الكثير من المصريين، إلخ.
تلك الأكاذيب التي ترافقت مع حملة إعلامية ممنهجة لشيطنة حركة المقاومة، حتى وصل الأمر ببعض الإعلاميين المحسوبين على النظام، مثل أحمد موسى، وهذا مجرد مثال، إلى الدعوة العلنية لقصفها وإبادتها! ناهيك عما قامت به مصر من ردم الأنفاق وإغراقها بالماء، للمساهمة في المزيد من التضييق على أهل غزة وحصارهم.
مشيرين هنا إلى أن تلك الحملة قد عادت إلى الظهور مجددا هذه الأيام، وذلك لتبرير التخلي عن غزة وتوجيه المزيد من الضربات لها، كما ظهر جليا في تدوينة للإعلامية هالة سرحان، أحد أبواق النظام، تحرض فيها بشكل صارخ على المقاومة، مرجحين بأنه لن يمضي وقت طويل حتى تتصاعد حدة تلك الحملة المشبوهة، وتنضم إليها جوقة المطبلين والمزمرين من أزلام النظام، وما أكثرهم!
معبر رفح
رابعا- تقع مصر، لسوء الحظ، على الحدود البرية لقطاع غزة، بل إنها المنفذ البري الوحيد للقطاع على العالم، ومن ثم فإن معبر رفح، الذي يفصل بين مصر وفلسطين هو البوابة الوحيدة التي يمكن أن تكون متنفسا لأهل غزة، ومنقذا لهم مما يعانون منه من أشكال الحصار الوحشي، الذي يتعرضون له منذ سنوات، والذي تفاقمت حدته بصورة بشعة غير مسبوقة منذ ملحمة السابع من أكتوبر/تشرين الأول. على الرغم من ذلك، فمصر ما تزال عاجزة، أو متعاجزة بالأحرى، عن فتح المعبر لإنقاذ أهلنا في غزة، مع أنه معبر مصري لا علاقة للكيان الغاصب به، وينبغي أن لا يكون له أي سلطة عليه.
ومع أن المعبر قد تعرض للقصف عدة مرات على يد قوات الاحتلال الصهيوني مؤخرا، ما تسبب في استشهاد وجرح بعض الجنود والعمال المصريين، إلا أن القيادة المصرية تتجاهل ذلك وتعتم عليه، مستمرة في ترديد تلك الشعارات الفارغة المثيرة للسخرية والرثاء عن السيادة المصرية العصية على المساس بها!
الأنظمة الهشة
في النهاية، فإننا عندما نتحدث عن مصر، لا نتحدث عن الشعب المصري بالطبع، ذلك الشعب العروبي النبيل، الذي لطالما قاد الأمة العربية للكثير من البطولات والأمجاد، والذي ضحى بالألوف من أبنائه في صراعه مع الكيان الصهيوني، والذي ما يزال يقف حائطا صلبا في وجه التطبيع مع كيان العدو.
لكننا نتحدث عن الأنظمة الهشة المتساقطة، التي فرطت في فلسطين وتآمرت عليها، وما تزال تفعل، وليس سرا أن هناك المزيد من المؤامرات التي تحاك الآن في الخفاء بتعاون من النظام الانقلابي، الذي سبق وأبدى دعمه السافر لما سميت بـ«صفقة القرن» في حضور المجرم ترامب، من أجل تهجير أهل غزة إلى سيناء، رغم كل الشعارات المنكرة لذلك. وتفريغ مدينة العريش في سيناء من سكانها بالقوة بحجة مكافحة الإرهاب، وبناء مطار فيها، إلى جانب الآلاف من الوحدات السكنية والمرافق الخدمية المختفية خلف أسوار مرتفعة، لا يعني إلا أن هناك خطة جاهزة بالفعل لتهجير الفلسطينيين إلى هناك! فمتى ينهض الشعب المصري لإنقاذ غزة وتصحيح مسار التاريخ؟
كاتب فلسطيني