لندن ـ «القدس العربي»: هيمنت الأوضاع الإنسانية المأساوية في قطاع غزة، وخاصة المجاعة المؤلمة التي تضرب مناطق شمال القطاع، هيمنت على شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي خلال أيام عيد الأضحى المبارك، حيث في الوقت الذي كان فيه العرب والمسلمون يذبحون الخراف والأضاحي وتغزو اللحوم موائدهم كان الفلسطينيون في شمال غزة يتضورون جوعاً مع اشتداد الحصار الإسرائيلي وتصاعد وتيرة العدوان.
وسرعان ما أطلق النشطاء والمتضامنون على شبكات التواصل الاجتماعي الوسم «#شمال_غزة_يموت_جوعاً» والذي حظي بانتشار واسع في مختلف الدول العربية، حيث أعرب المستخدمون والنشطاء عن تضامنهم مع القطاع وتنديدهم بالحصار الإسرائيلي الخانق الذي أدى بالكثير من الناس إلى الموت جوعاً، فضلاً عن انتشار الأمراض وسوء التغذية وسط غياب تام لأي خدمات طبية بعد أن قصفت قوات الاحتلال ودمرت كافة المستشفيات والمراكز الصحية.
وتداول الكثير من النشطاء مقطعاً من فيلم «الرسالة» ويظهر فيه رد فعل «كفار قريش» على حصار المسلمين في مكة، وكيف كانت نخوة العرب في الجاهلية، حيث رفضوا أن يتناولوا طعامهم بينما المسلمون محاصرون في «شِعب مكة» من دون طعام ولا شراب ولا أي تعامل معهم. كما تداول النشطاء مع مقطع الفيديو العبارة الشهيرة التي قالها زهير بن أبي أمية عندما قال: «يا أهل مكة أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يباع ولا يبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة».
وكتب الأكاديمي العُماني، والأستاذ في جامعة السلطان قابوس، الدكتور حمود النوفلي يقول: «عجزوا عن تركيعهم عسكرياً، فهل ستسمح يا مسلم ويا عربي أن يركعوا معوياً؟! قل: كلا والله، وأقل ما أفعله المشاركة في الحملة العالمية بنشر معاناتهم في وسم #شمال_غزة_يموت_جوعاً».
وأضاف النوفلي في تدوينة ثانية على شبكة «إكس» يقول فيها: «تذكر بأن الله سيسأل كل مشارك ومتخاذل ومتآمر ومتجاهل عما يحدث لأطفال غزة ونحن نتباهى بنشر لقطات موائد العيد!!».
وكتب رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي، ومؤسس «وقف الأنصار» الداعية المصري الدكتور محمد الصغير: «مجاعة شديدة تضرب شمال القطاع، والخطير الآن أنه لا أحد يتحدث عنها كالمرات السابقة.. كونوا صوتهم، اللهم كن لأهلنا حافظاً ومعينا».
وعلقت الناشطة اليمنية توتي الحيميري: «82 ألف طفل ظهرت عليهم أعراض سوء التغذية (تحولوا إلى هياكل عظمية) تخطينا مرحلة خذلانهم منذ وقت.. الخذلان أن لا نُعطيهم السلاح، أما أن يموتوا من الجوع فهذا اسمه العار! اللهم اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ومدهم بقوة من عندك يا الله».
وكتب الناشط أدهم شرقاوي: «كبرنا ونحن نُردِّد: ما حدا بموت من الجوع! لا، بغزَّة ماتوا من الجوع! فاللهُّمَّ من جوَّعهم فجوَّعه، ومن قتلهم فاقتله، اللهمَّ عدلكَ وانتقامك لغزَّة».
ونشر حمود أبو مسمار مقطع فيديو صوره أحد الحجاج ويظهر فيه أعداد كبيرة يتسوقون من أحد المطاعم الأجنبية في مكة المكرمة، حيث كتب معلقاً: شمال غزه يموت جوعا والحجاج المسلمون طوابير بالآلاف، أمام مطعم إسرائيلي وسط الحرم المكي!! اللهم لا حجاً مبروراً ولا ذنباً مغفوراً.. تحرير الحرمين الشريفين بوابة تحرير الأقصى ونيل رضوان الله».
وكتب أيمن: «انشروا عن الشمال، تحكوش النشر ما بفيد.. اعملوا أي اشي بتقدروا عليه، شمال غزة يموت جوعاً» فيما كتب آخر على شبكة «إكس» يقول: «انطلقت الحملة العالمية لجعل وسم (#شمال_غزة_يموت_جوعاً) ترنداً عالمياً حتى نفضح الكيان الصهيوني وأمريكا أمام العالم أجمع، وحتى يتم محاكمتهم كمجرمي حرب منعوا الغذاء بشكل جماعي عن المدنيين.. لعل الضمير العالمي يتحرك ويضغط أو يحاكم هؤلاء المجرمين».
منعوا عنهم حتى لقمة الأكل
وغرد همام العياصرة: «أطفال غزة في مجاعة والعالم فقط يشاهد أكبر مجزره في التاريخ البشري الحديث» فيما كتب ناشط يُدعى أمير: «قيل إن الشرق الأوسط هو الأغنى في العالم.. تخطينا مرحلة خذلانهم منذ وقت.. الخذلان أن لا نُعطيهم السلاح أما أن يموتوا من الجوع فهذا اسمه العار».
وعلق الأستاذ بجامعة السلطان قابوس الدكتور صالح البوسعيدي: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أهل غزة تكالب عليهم البعيد والقريب، منعوا عنهم حتى لقمة الأكل».
وكتب قاسم: «أوهكذا يصل الحال بوصية رسول الله للأمة؟ هؤلاء الفتية يحملون في صدورهم أطهر رسالة، وفيهم نور القرآن والإسلام.. أهكذا يجوعون وسط ملياري مسلم؟».
أما الناشط الفلسطيني خالد صافي فنشر فيديو لشاب وبيده كسرة خبز متحجرة، وكتب معلقاً: «هذا هو ما يأكله أهل غزة في الشمال، نوجه شكوانا إلى الله عز وجل، وما نشرنا إلا ليكون حجة على كل من يسمع ويشاهد ولا يحرك ساكناً.. والله حسبنا ونعم الوكيل».
وقالت آلاء: «نفسيتي بدأت تنهار من كلام أهلي، اليوم ماما حكتلي إنها خايفة تتفرج على أحفادها وأولادها بيموتوا من الجوع وصار هاجس بالنسبة الها، والأطفال بدأ يصير معهم امساك مزمن بسبب قلة الاكل، وبسبب إنه ما في خضار وكل أكلهم معلبات والتهاب الكبد الوبائي بدأ يظهر على الأطفال».
وقالت جمانة: «بقطع الإمدادات الغذائية والعلاجات اللازمة تتزايد الأسقام والأمراض بين أجساد أهالي القطاع، فالأوبئة منتشرة، والأمراض العضوية تفتك أجساد أهالي وأطفال غزة».
وعلقت وفاء عمر: «اللهم أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ومدهم بقوة من عندك يا الله.. شمال غزة يموت جوعاً». فيما قالت ريم أحمد: «أيها العالم المنافق القوال.. لكم الدنيا، ولنا الآخرة، والله غالب على أمره».
وكتب أحد النشطاء يقول: «أمة الـ2 مليار مسلم سايبين أهل غزة يموتوا من الجوع، مفيش واحد في الـ22 دولة قادر يدخلهم المساعدات، أهل غزة في سجن من الموت بكل أنواعه، اللهم اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، اللهم انتقم من كل اللي باعهم وخانهم».
عار ما بعده عار
وعلق محمد الهادي بن صالح: «شمال غزة يموت جوعاً بينما العربان العاربة يمدون جسراً برياً لإمداد الصهاينة بالغذاء والدواء والمياه.. عار ما بعده عار».
وقال بسام محمد: «شعبٌ واحد يجتمعُ عليه حرّ الصيف وبردُ ليالي الخيام وجوعُ الأيام، شعبٌ واحد تجتمع عليه قوى العالم ويدّ الأعداء ومرارة الغياب العربي الدائم، شعبٌ واحد وحيدٌ كأبي ذر.. وحيداً يقاتل وحيداً يُقصف وحيداً يجوع».
يشار إلى أن نحو مليونين من سكان القطاع نزحوا من منازلهم منذ اندلاع شرارة الحرب الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تاركين خلفهم كل شيء بحثًا عن الأمان. ويعيش هؤلاء النازحون الذين يتعرضون لإبادة جماعية في ظروف صعبة ومأساوية، حيث يفتقرون إلى الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والمياه.
ويعتمد أهالي شمال القطاع ومدينة غزة على الأعشاب البرية لإطعام أنفسهم وأطفالهم، وبعض المعلبات التي ادخروها في وقت سابق، كما تفتقر المناطق الشمالية إلى الخضراوات والفواكه واللحوم، ما يزيد الصعوبات التي يواجهونها في تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية.
ويسبب نقص الطعام في قطاع غزة جفافاً وانعداماً لسبل عيش السكان، خاصة الأطفال وكبار السن، ما يؤدي إلى سوء التغذية وزيادة حالات الوفاة. حيث سُجلت خلال الأشهر الأخيرة في شمال غزة ومدينة غزة وفيات عديدة بسبب نقص الغذاء بينهم أطفال.
وأكدت مصادر طبية في مناطق شمال القطاع ووسطه وفاة أطفال جراء نقص الطعام والحليب المخصص لهم، بالإضافة إلى نقص العلاجات الضرورية لأمراضهم.
وقال حسام أبو صفية مدير مستشفى «كمال عدوان» شمال قطاع غزة إن «شبح المجاعة يخيم على غزة في ظل عدم توفر الغذاء، وسجلنا علامات سوء التغذية على بعض الأطفال».
ومع سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح البري مع مصر منذ 7 أيار/مايو الماضي، رغم التحذيرات الدولية من تداعيات ذلك، تفاقمت الأوضاع الإنسانية داخل القطاع في ظل شح المواد الغذائية والمستلزمات الطبية، ما أدى إلى إطلاق عدة نداءات استغاثة من داخل القطاع، بضرورة فتح المعابر وإدخال المساعدات.
والأسبوع الماضي توقع مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أن يواجه نصف سكان قطاع غزة الموت والمجاعة بحلول منتصف تموز/يوليو المقبل.
وقال غريفيث في بيان، إن «الصراعات في السودان وغزة تخرج عن نطاق السيطرة، وتدفع الحرب ملايين الناس إلى حافة المجاعة».